تسود حالة من التوتر في عدد من ولايات الجنوب الجزائري في ظل استمرار احتجاجات اجتماعية ينفّذها شبان من المنطقة للتنديد بتفشي البطالة وأزمة السكن ورداءة الخدمات العمومية. فبعدما اندلعت في مدينة ورقلة، توسعت لتشمل مدنا أخرى كالمنيعة وتُقُرْت بالجنوب الشرقي.
وتتواصل الاحتجاجات الاجتماعية جنوب البلاد منذرة بانفجار اجتماعي متجدد، خصوصا في ظل تأخر السلطة المركزية في احتواء الوضع، ودخول القوة الأمنية على الخط مما أفضى إلى وقوع مواجهات بين المحتجين والعناصر الأمنية، وتحولها إلى إضرام للنيران وشلّ حركة المرور.
وكانت المطالبة بالتشغيل على رأس لائحة المطالب التي رفعها الشبان المحتجون، ثم السكن وتوفير الخدمات العمومية، والتنديد بمماطلة السلطات المحلية في التكفل بالانشغالات الملحّة لهم والتي كانت مصدر انتفاضات سابقة خلال السنوات الماضية.
وتتزامن الاحتجاجات المذكورة مع صيف ساخن مناخيا واجتماعيا، حيث تفاقم الاحتقان والغضب الاجتماعيان خاصة في الولايات والمدن الجنوبية التي تشهد درجات حرارة عالية وانقطاعا متكررا للتزويد بالكهرباء والماء، فضلا عن تفشّ كبير للبطالة في أوساط الشباب والسكان بشكل عام.
وحسب مصدر محلي، فإن عرضا يتضمن حوالي 600 منصب عمل في شركات نفطية كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس بسبب الإجراءت الإدارية المعقدة، وبقاء ممارسات البيروقراطية والمحاباة في منح مناصب العمل رغم التعهدات التي ما فتئت السلطات المحلية والمركزية تقدمها للسكان.
دائرة الاحتجاجات تتوسع من مدينة وِرقْلة إلى كل من المْنِيعة وتُقُرْت وهما ولايتان جديدتان في التقسيم الجغرافي الجديد
وتوسعت دائرة الاحتجاجات بعد مدينة ورقلة إلى كل من المنيعة وتقرت، وهما ولايتان جديدتان تم استحداثهما ضمن التقسيم الجغرافي الجديد، بدعوى التقليص من المسافات بين الإدارة والسكان، وتوفير خدمات أكثر مرونة لهم، والاهتمام بالتنمية المحلية.
وتعد ولاية ورقلة التي تقع في الحدود الجنوبية الشرقية عاصمة النفط الجزائري لاحتوائها على أكبر المصادر والآبار، غير أن الأجيال الجديدة بدأت تقلقها المشاعر بالإقصاء والتهميش وعدم الاستفادة من الريع النفطي الذي يمثل 98 في المئة من مداخيل الدولة.
وينسحب الأمر على أغنى بلدية في البلاد (حاسي مسعود) التي لا يعكس مدخولها وثروتها الباطنية المستوى المعيشي والخدماتي لسكانها، حيث البطالة وأزمة السكن وضعف الخدمات العمومية.
ويذكّر مختصون في علم الاجتماع بأن السلطة مطالبة بتقصي التحولات الاجتماعية جنوب البلاد ومراعاة العوامل الاستراتيجية للمنطقة.
ودعا محتج في تسجيل بثّ على شبكات التواصل الاجتماعي بولاية المنيعة السلطات المحلية والمركزية إلى الكف عمّا أسماه بـ”التحايل واستغباء السكان”، مضيفا “لقد بلغ السيل الزبي، البطالة والسكن والخدمات كلها دون مستوى طموح الشباب هناك، وفوق ذلك استمرار ممارسات المحاباة والمحسوبية والتمييز بين القادمين من الشمال وبين السكان المحليين”.
وأفرزت الاحتجاجات المتكررة في مدن وولايات الجنوب خلال السنوات الأخيرة مؤشرا خطيرا على وحدة وتماسك المجتمع الجزائري، في ظل الحديث عن كرة ثلج تتضمن مقاربة عرقية وجهوية بين الجزائريين القادمين من الشمال وبين السكان المحليين، بسبب تراكم ممارسات تمييزية بين الطرفين في الاستئثار بفرص الشغل في الشركات البترولية.
وتجلى ذلك في حوادث واشتباكات وقعت في مدينتي وادي سوف وحاسي مسعود بين سكان محليين ووافدين من الشمال، بدعوى عدم احترام عادات وتقاليد المنطقة، بينما السبب الرئيسي بحسب متابعين هو حاجز نفسي بني على مشاعر الإقصاء والتهميش.
دائرة الاحتجاجات تتسع إلى ما بعد مدينة ورقلة في كل من المنيعة وتقرت، وهما ولايتان جديدتان تم استحداثهما ضمن التقسيم الجغرافي الجديد
وسبق للنائب البرلماني الراحل محمد بابا علي أن حذر الحكومة من مغبة وضع التنمية في الجنوب في آخر اهتماماتها والتفرغ فقط للولايات الشمالية، وبرر ذلك بكون الاستقرار الاجتماعي في الجنوب يحمل أبعادا استراتيجية خاصة على الشريط الحدودي لأن السكان المدنيين هم الحارس الأول لأمن وسيادة البلاد.
وكانت أحداث مدينة برج باجي مختار (جنوب) في 2013 و2018 قد أظهرت نزاعات عرقية واجتماعية تهدد الاستقرار على تخوم الحدود الجنوبية، خاصة وأنها باتت تتغذى من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية مقارنة بولايات الشمال.
وتعرف الجزائر تصاعدا مطردا لمؤشر البطالة بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا، فبعد نزولها إلى سقف الـ10 في المئة خلال سنوات الأريحية المالية، عادت لتتفشّى خاصة في أوساط الشباب والجامعيين إلى نحو 20 في المئة.
وتتفاوت الظاهرة بين جهات وولايات البلاد، ففيما يبقى الشمال موفرا لفرص تشغيل في مختلف القطاعات، تتوسع البطالة كلما تم التوجه نحو الجنوب والمناطق الداخلية، حيث يقتصر التشغيل هناك على الشركات النفطية أو المؤسسات الحكومية.