وزير الخارجية الإسباني الجديد أمام تحدي كسب ثقة المغرب

أجرى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز تعديلا وزاريا جزئيا في حكومته، تضمّن إقالة وزيرة الخارجية أرانتشا غونزاليز لايا، مقابل استبدالها بالسفير لدى فرنسا خوسيه مانويل ألباريس المعروف بخبرته في شؤون المغرب، سعيا لحلّ الأزمة الدائرة منذ أشهر وتهدد بقطيعة في العلاقات بين البلدين.

أعلن رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز إقالة وزيرة الخارجية أرانتشا غونزاليز لايا من منصبها، في خطوة يرجّح مراقبون أن تكون من تبعات الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت في الفترة الأخيرة بين مدريد والرباط.

وأكدت مصادر دبلوماسية  أن اختيار السفير السابق لدى باريس خوسيه مانويل ألباريس هو رهان للحكومة الإسبانية على الدور الفرنسي للقيام بخطوات وساطة سريعة لحل أزمتها مع المغرب.

وأشارت ذات المصادر إلى حضور الدور الفرنسي ولو بشكل غير مباشر في الدفع بتسهيل مهمة وزير الخارجية الجديد لكونه دبلوماسيا مطلعا على الملفات بشكل جيد، وقريبا من أهل القرار داخل قصر الإليزيه، علاوة على معرفته بموقع المغرب وأدواره في منطقة حوض البحر المتوسط.

وتقدم الصحافة الإسبانية مانويل ألباريس على أنه دبلوماسي متمرس، سيستعين بكل خبرته ومهاراته الدبلوماسية لمحاولة إعادة بناء الثقة مع المملكة المغربية.

وينتظر رئيس حكومة مدريد الكثير من وزير خارجيته الجديد ومستشاره الذي شغل العديد من المناصب بما في ذلك منصب الأمين العام للشؤون الدولية، والاتحاد الأوروبي، ومجموعة العشرين، وأخيرا داخل رئاسة الحكومة.

ويقول رضا الفلاح أستاذ القانون الدولي، “إن تحليل كل المعطيات المتوفرة إلى حد الساعة يدفعنا إلى ترجيح فرضية التمويه التكتيكي في سياق انكشاف النوايا الحقيقية لإسبانيا في ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية وخروج السياسة الخارجية الإسبانية تجاه جارها الجنوبي من المنطقة الرمادية المريحة، بعد أن تعزز موقع المملكة المغربية إقليميا واقتربت ساعة الحسم النهائي للنزاع المفتعل أمميا”.

رضا الفلاح: نرجح فرضية التكتيك الإسباني بعد تعزيز المغرب لموقعه إقليميا

وغادرت أرانتشا لايا الحكومة بعد التعديل الذي قام به رئيس الحكومة الإسبانية سانشيز، تمهيدا لإعطاء دفعة للسياسة الخارجية لبلاده نفسا جديدا وتجاوز الأزمة الدبلوماسية مع الرباط.

وتم تحميل أرانتشا لايا مسؤولية استمرار الأزمة مع المغرب، ووجهت إليها انتقادات بخصوص تدبيرها للأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد من طرف قوى سياسية وأحزاب إسبانية معارضة.

وأفاد الفلاح “يجب الفصل بين المسؤولية الشخصية من جهة والمسؤولية الحكومية من جهة ثانية في التدبير السيء للأزمة الدبلوماسية مع المغرب، إذا ما أخذنا تفسير الإقالة على مستوى المسؤولية الشخصية الحصرية لوزيرة الخارجية ولمعاونيها”.

وأوضح أن “إقالتها تشكل إقرارا رسميا من الجانب الإسباني بأن القرارات التي تسببت في ردود الفعل القوية والحازمة من قبل الرباط لم تكن تتفق مع ثوابت السياسة الخارجية للدولة الإسبانية تجاه جارها الجنوبي، وأنها لا تعدو أن تكون خطأ فرديا محدود الأثر سياسيا”.

وبرّر سانشيز، في كلمة مقتضبة ألقاها في مقر الحكومة بقصر المونكلوا، إعفاءه وزيرة الخارجية أرانتشا لايا بارتباط ما أسماه بتناوب الأجيال مع انخفاض متوسط الأعمار في الحكومة إلى 50 عاما بدلا من 55 للفريق السابق.

ويرى مراقبون أن قرار الإقالة لا يعكس رأي رئيس الوزراء الإسباني بأن التعديل يهدف إلى تعزيز حضور المرأة التي ستتولى نحو 63 في المئة من أصل 22 مقعدا حكوميا بدلا من 54 في المئة في الحكومة السابقة، وهذا يخدم تحقيق التكافؤ بين النساء والرجال.

وفي خطوة استباقية لقرار الإقالة، قالت وزيرة الخارجية إن “الموقف من قضية الصحراء لم يتغير مع الحكومة الائتلافية الحالية، ولن يتغير في المستقبل”. وأكدت أن “سياسة الحكومة الإسبانية ترتكز على مبادئ غير قابلة للتجزئة، مثل الدفاع عن التعددية واحترام الشرعية الدولية”.

ويعتقد الفلاح “أنه إذا اعتبرنا صناعة القرار الخارجي الإسباني وفقا لنموذج تحليل السياسة الخارجية، وبالخصوص عندما نقف أمام قرارات على هذه الدرجة من العداء فلا يمكن أن تتحكم في تشكيلها وزارة الخارجية فقط، ولكنها قرارات تخضع لعملية مفاضلة بين عدة خيارات تتدخل فيها أجهزة وفاعلون متعددون”.

الأزمة الدبلوماسية بين مدريد والرباط تأججت على خلفية دخول زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي إلى الأراضي الإسبانية قصد العلاج واستخدامه جواز سفر مزورا

وتابع “لن تكون وزيرة الخارجية الإسبانية في هذه الحالة سوى الشخصية السياسية التي أسقطت القناع عن التوجه الرمادي في السياسة الخارجية الإسبانية تجاه الوحدة الترابية للمغرب، وبالتالي تتحول الإقالة إلى تمويه تكتيكي للدولة الإسبانية بعد أن أبانت الدبلوماسية المغربية عن قدرة المجابهة والندية في كشف وإدانة السلوكات العدائية التي صدرت عن مدريد”.

وتأججت الأزمة الدبلوماسية بين مدريد والرباط، على خلفية دخول زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي إلى الأراضي الإسبانية قصد العلاج واستخدامه جواز سفر مزورا.

وسبق أن عبّر المغرب بشكل رسمي عن أسفه لموقف إسبانيا التي تستضيف على ترابها غالي، المتهم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وأقرت القوات الجوية الإسبانية بأنها لم تطلب جواز سفر زعيم جبهة البوليساريو في قاعدة سرقسطة، لأن أمر دخوله جاء من وزارة الخارجية وفق خطاب رسمي موجه إلى القضاء الإسباني.

وبحسب متابعين للشأن الإسباني، فقد ورطت وزيرة خارجية إسبانيا السابقة الكل كما كشفت الأزمة عن تطورات عميقة في الحكومة ومؤسسات أخرى، بعدما تم السماح لزعيم تنظيم انفصالي مطلوب قضائيا الدخول إلى التراب الإسباني بهوية مزيفة، وهو ما يعتبر جريمة جنائية بسبب فساد وتواطؤ.

وينتظر أن تكون مهمة وزير الخارجية الجديد صعبة ومعقدة، لأنه ليس من السهل تصحيح أخطاء كارثية للحكومة الإسبانية وإعادة الثقة المفقودة في الحكومة والجهاز القضائي، فضلا عن إعادة هيكلة وزارة الخارجية من جديد بما يتناسب والمهام الجديدة الموكولة له وخصوصا الأزمة بين بلده والمغرب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: