لم ينجح حرص السلطات الرسمية على إنجاح الانتخابات وتركيز البرلمان وتوزيع الحقائب داخل الحكومة في تغيير اهتمام الجزائريين بوضعهم الاجتماعي الصعب وسط بوادر صيف ساخن منذر بانفجار وشيك، في ظل تفاقم أزمتين متزامنتين؛ أزمة الحرائق التي شملت مناطق واسعة وأزمة الجفاف غير المسبوقة في البلاد.
واضطر وفد حكومي مكوّن من وزير الداخلية كمال بلجود ووزير الفلاحة عبدالحميد حمداني إلى مغادرة محافظة خنشلة بشرق البلاد، تحت إجراءات أمنية مشددة وعبر مسالك استثنائية، بعدما قوبلا بموجة غضب عارمة من طرف السكان.
وذكر مصدر محلي فضل عدم ذكر اسمه أن “الوفد الحكومي زار الجمعة المحافظة لمعاينة حجم الخسائر التي خلفتها الحرائق المندلعة في جبال المحافظة وتضاريسها منذ حوالي أسبوع، غير أنه قوبل بموجة غضب من طرف السكان، اضطرته إلى المغادرة تحت إجراءات مشددة وسَلْكِ طُرقٍ غير معتادة”.
وأضاف المصدر أن الوفد الرسمي، المكون من وزيريْ الداخلية والفلاحة ومسؤولين محليين، قابله السكان بشعار “كليتو البلاد يا السراقين (نهبتم البلاد يا لصوص)”، وهو الشعار الذي رُدّد خلال احتجاجات الحراك الشعبي. ويعتبر طرد الوفد الوزاري من محافظة خنشلة أول فشل لحكومة أيمن بن عبدالرحمن، ومؤشرا على أزمة الثقة بين السلطة والشارع، خاصة بعد التأخر اللافت للسلطات المركزية في التفاعل مع أزمة المحافظة، حيث كان الاهتمام مركزا على تعيين أعضاء الحكومة وانتخاب رئيس البرلمان الجديد.
وما زالت التهم تلاحق من يعرفون بـ”تجّار الفحم”، الذين يفتعلون الحرائق من أجل جني الفحم وبيعه بمناسبة عيد الأضحى، حيث سبق للبلاد أن عرفت حرائق شبيهة خلال العامين الأخيرين. وأكد المصدر على أن “الخسائر كبيرة جدا، وأن موسم التفاح قد ضاع بسبب تضرر حقوله، فضلا عن خسارة كبيرة في الماشية وبعض الممتلكات الخاصة”.
كمال بوكرشة: الأزمة سببها الجفاف واستهلاك الماء بطريقة غير عقلانية
وتحدث مدير الغابات في المحافظة عن تضرر 1600 هكتار من الغابات، وخصوصا أشجار الأرز الأطلسي التي تشتهر بها المنطقة والتي تعمر للمئات من السنين، فضلا عن الأشجار المثمرة كأشجار التفاح والزيتون.
وفي تصريح لوسائل إعلام محلية تحدث وزير الداخلية كمال بلجود عن ” تضرر نحو 2700 هكتار من الغطاء الغابي والأحراش والأشجار المثمرة “، وذكر بأن “الأسباب مفتعلة تستهدف تأليب الشارع على السلطات العمومية”، وهو نفس الخطاب الذي تردد الصيف الماضي، عند ظهور أزمة الحرائق والماء والكهرباء والسيولة المالية.
وتصاعدت مشاعر الإقصاء والتهميش واختلال التوازن التنموي لدى سكان المنطقة، وهو ما عكسته تسجيلات ومناشير غمرت شبكات التواصل الاجتماعي، وأظهرت عدم اهتمام السلطات المختصة والمركزية بالوضع، لاسيما في ظل محدودية الوسائل المادية والبشرية المسخرة لتطويق الحرائق.
وبالتوازي مع الوضع الكارثي، نظير الخسائر الضخمة التي خلفتها الحرائق، دخلت أزمة مياه الشرب ضمن الأجندة اليومية للجزائريين، خاصة في المناطق الداخلية والريفية، لاسيما تلك الواقعة وسط البلاد وغربها والتي تشهد حالة جفاف غير مسبوقة.
وأرجع مسؤول الموارد المائية في العاصمة كمال بوكرشة تقلص كميات المياه الموجهة للاستهلاك اليومي إلى حالة الجفاف وتراجع المخزون نتيجة قلة الأمطار خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن الاستهلاك غير العقلاني للماء من قبل المواطنين.
وقال بوكرشة إن “محافظة العاصمة أعلنت منذ أسابيع عن خطة وتوقيت جديدين لتوزيع المياه، وسيتم احترامها من طرف المؤسسات والإدارات الوصية”، وإنه ستتم “مراعاة خصوصيات الضواحي والبلديات حسب الإمكانيات والكميات المتوفرة والمتاحة”.
وكانت مؤسسة سيال الفرنسية، المكلفة باستغلال المياه وتوزيعها في العاصمة قد أعلنت أن المؤسسة تعتمد في تموينها للعاصمة على 60 في المئة من المياه السطحية (السدود) و20 في المئة من المياه الجوفية (الآبار)، أما الـ20 في المئة الأخرى فهي من مياه التحلية، وأن وضعية الجفاف التي تعيشها البلاد في السنوات الأخيرة أدت إلى تراجع ملحوظ في مخزون المياه.
وحسب مدير الموارد المائية شرعت السلطة الوصية في تحضير حلول بديلة بحفر آبار جديدة وتهيئة آبار أخرى في ضواحي العاصمة من أجل ضمان التزويد بالكميات المطلوبة.
وأثارت أزمة المياه سلسلة من الاحتجاجات في العاصمة ومختلف مدن البلاد ومحافظاتها، حيث سبق لسكان ضواحي عين النعجة وباش جراح وباب الزوار بالعاصمة أن قطعوا طرقا رئيسية في العاصمة للتنديد بما أسموه التوزيع العشوائي للمياه وعدم احترام البرنامج المعلن عنه.
وذكر شاهد عيان أن ثاني أكبر سد في البلاد – السد الذي كان يزود العاصمة ومحافظات وسط البلاد – يشهد حالة تراجع كبيرة في منسوب خزان الماء، الأمر الذي يهدد المنطقة برمتها بأزمة عطش غير مسبوقة في البلاد. وأضاف أن “سد كدية أسردون، الذي تبلغ قدرة استيعابه 650 مليون متر مكعب، نزل مخزونه إلى ما دون 10 في المئة من قدرته، ولم يعد فيه إلا نحو 40 مليون متر مكعب. وأزمة المياه بدأت الصيف الماضي، لكن الحكومة ظلت تتستر عليها باستنزاف مخزون السد واستغلاله بطريقة عشوائية”.
وأعلنت وزارة الموارد المائية عن إطلاق عملية ضخمة لنزع الطمي من 11 سدا في وسط البلاد وغربها من أجل ضمان كمية تخزين أكبر خلال مواسم الأمطار، غير أن مختصين يرون أن الكمية المعتبرة من الطمي (11 مليون متر مكعب) ستكلف الخزينة غاليا، لأن العملية كانت ستكون أقل لو تمت برمجة العملية خلال وجود المياه في السدود.
وتتوفر الجزائر على أكثر من 90 سدا في مختلف مدن البلاد، تستعمل للشرب والسقي الزراعي، غير أن قدراتها تراجعت أو لم تعد كافية للوفاء بحاجة النمو السكاني المتزايد (44 مليون نسمة)، كما أن تراجع عائدات الخزينة العمومية بسبب الأزمة الاقتصادية أثر على وتيرة إنجاز سدود جديدة.