مدريد تراهن على القضاء الإسباني لتخطي الأزمة مع الرباط

مأموني

تحاول مدريد تجاوز الأزمة مع الرباط من خلال تسريع التحقيق القضائي في حادثة دخول زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي إلى إسبانيا والتي أثارت حفيظة المغرب.

يبدي القضاء الإسباني جدية في التحقيق في حيثيات دخول زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي إلى التراب الإسباني بوثائق مزيفة، للعلاج في مستشفى سان بيدرو دي لوغرونيو، ما يشير إلى أن مدريد تعول على القضاء لتجاوز الأزمة مع الرباط التي فجرها دخول غالي إلى البلاد.

وأمر القاضي رافائيل لاسالا، من الدائرة الصحية، التابعة للحكومة المحلية في منطقة أراغون، بتحديد الشخص الذي وافق على إرسال سيارة الإسعاف لنقل غالي.

وأبرز القاضي الإسباني أن المجلس العام لأراغون مطلوب “للإبلاغ عما إذا كانت أي سيارة إسعاف من الصحة قد ذهبت لاستلام غالي من المطار المذكور، في ظهيرة يوم 18 أبريل الماضي”.

وأضاف القاضي أنه إذا كانت الخدمات الصحية في هذه المنطقة الإسبانية، أو المجلس العام لأراغون غير مختصين في تقديم مثل هذه المعلومات، فيجب إحالة ذلك إلى هيئة مختصة وتقدم تقاريرها على الفور إلى المحكمة.

ويرى المحلل السياسي المغربي هشام معتضد أن التحركات الأخيرة للقضاء الإسباني تهدف لإنقاذ سمعة القضاء الإسباني على المستوى الأوروبي والدولي.

وأوضح معتضد، في تصريح لـه،  أن سمعة القضاء الإسباني اهتزت وفقدت الكثير من رصيدها على مستوى الدولة الإسبانية بعد الملف الأخير المتعلق بفعل إجرامي كامل الأركان والممثل في تزوير هوية وإخفاء مجرم حرب مطلوب لدى العدالة.

هشام معتضد: سمعة القضاء الإسباني اهتزت وفقدت الكثير من رصيدها

وأقرت القوات الجوية الإسبانية بأنها لم تطلب جواز سفر زعيم جبهة البوليساريو، في قاعدة سرقسطة، لأن أمر دخوله جاء من وزارة الخارجية وفق خطاب رسمي موجه إلى القضاء الإسباني.

واندلعت الأزمة بين المغرب وإسبانيا في مايو الماضي إثر انكشاف دخول زعيم جبهة البوليساريو بهوية وجواز سفر مزورين إلى التراب الإسباني للعلاج بعد إصابته بفايروس كورونا.

ووصل غالي إلى إسبانيا في أبريل الماضي على متن طائرة تابعة للرئاسة الجزائرية هبطت في قاعدة سرقسطة الجوية، حيث تم نقله في سيارة إسعاف إلى المستشفى.

وحسب القوات الجوية الإسبانية، فإن زعيم جبهة البوليساريو لم يمر عبر مصلحة مراقبة جوازات السفر خلال دخوله التراب الإسباني.

ويعتقد معتضد أن “تسريع وتيرة الإجراءات القضائية وتسليط الضوء عليها إعلاميا يراد منه تصحيح الفضيحة السياسية التي تورطت فيها مدريد وكشفت عن ضعف خطير لدى أصحاب القرار الإسباني وسهولة تأثرهم بتنظيمات أجنبية خدمة لمصالح شخصية أو تصفية حسابات سياسية”.

وكشفت وثائق مسربة تم إرسالها إلى القاضي الذي يحقق في القضية أن القائد العام لقاعدة سرقسطة الجوية، خوسيه لويس أورتيز – كانافاتي أكد أنه في 18 أبريل الماضي تلقى أمرا عبر الهاتف من هيئة الأركان العامة للقوات الجوية يقضي بعدم مرور القادمين على متن طائرة غالي على مصلحة مراقبة الجوازات والجمارك، وذلك بغرض إخفاء هويتهم.

وكشفت الوثائق التي تحقق من صحتها موقع “إلإسبانيول” أنه لم يكن معروفا من كان على متن تلك الطائرة، ولم يتم التعرف على أي من ركابها.

وأضاف القائد العام لقاعدة سرقسطة الجوية في شهادته أن وزارة الخارجية الإسبانية، بقيادة الوزيرة أرانشا غونزاليس لايا، هي التي أعطت أمرا مباشرا للدفاع لكي يدخل غالي إلى إسبانيا دون أن يكشف هويته، في تجاوز للبروتوكول المعمول به.

وكانت وزارة الشؤون الخارجية المغربية دعت إلى إجراء تحقيق شفاف لتسليط الضوء على كافة ملابسات قضية غالي، وأشارت إلى أن هذا التحقيق “قد يكشف عن العديد من المفاجآت، لاسيما تواطؤ وتدخل أربعة جنرالات من بلد مغاربي”، في إشارة إلى الجزائر.

القضاء الإسباني يبدي جدية في التحقيق في حيثيات دخول زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي إلى التراب الإسباني بوثائق مزيفة، للعلاج في مستشفى سان بيدرو دي لوغرونيو

وتقول مصادر صحافية محلية إن الحكومة الإسبانية تدرس جميع السيناريوهات لاستعادة ثقة المغرب، منها الدخول من بوابة القضاء لإصلاح ذات البين، وأيضا سيناريو إقالة وزيرة الخارجية أرانشا غونزاليس لايا، كونها المسؤولة التي أججت الخلاف بين البلدين، في خطوة تهدف إلى تجاوز أسباب التوتر الدبلوماسي.

وفي ما يخص هذه التحركات وتأثيرها للدفع بعودة العلاقات المغربية الإسبانية، يرى معتضد أن الرباط لن تقع في فخ هذا السيناريو التقليدي والبسيط الذي تريد مدريد إيهام أصحاب القرار في المغرب بأن الجهاز القضائي قد يصلح أخطاء الساسة والسياسة الإسبانية، مفسرا أن الرباط كانت صريحة ومباشرة في تعليقها على هذا التجاوز الأخير والخطير ومطلبها هو قرار سيادي واضح ومباشر في ما يخص احترام السيادة وأخلاقيات التعاون الاستراتيجي.

ونظرا لتورط وزيرة الخارجية في الأزمة بين مدريد والرباط، تفادى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة لقاء نظيرته الإسبانية أرانشا غونزاليس لايا في قمة روما الأسبوع الماضي حول محاربة داعش.

وخلص معتضد إلى أن إسبانيا بكل أجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية تعيش وضعا لا تحسد عليه على المستوى الأوروبي والدولي، حيث أنها تتعرض لضغوط كبيرة من طرف الأحزاب المعارضة داخليا وحتى البعض من أحزاب الأغلبية في الحكومة من أجل إخراج الدولة الإسبانية من هذا المأزق غير المسبوق والخطير في تاريخ العلاقات الإقليمية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: