عندما تصبح الصحافة آداة لإنتشار الفساد و المفسدين
إن التنامي المتزايد للإهتماميْن الدولي والوطني بمحاربة الفساد، لما يمثله من تهديد لأمن واستقرار الدول واقتصادياتها، يستدعي بناءإستراتيجية فعالة لمناهضته. والصحافة لما تمتلكه من إمكانات تأثيرية، تعد مفتاحا أساسيا في أية إستراتيجية، فهي تمارس الرقابة والمساءلة على أنشطة الحكومة والإدارات العامة، وتعمل على إشاعة الشفافية وتعميق إحساس المسؤولين بالمساءلة. ولخطورة الصحافة على فضح الفساد والمفسدين، والتشهير بهم، فإنّ أصحاب القرار والمستفيدين من مناخ الفساد، أثقلوا كاهل الصحافة والصحافيين بمعوقات عدة ومخاطر جمة (تهديد الصحافيين أو اغتيالهم، فرض الرقابة عليهم وعرقلة وصولهم إلى مصادر المعلومات…)، سيحاول المقال عرضها مع أهم محددات تفعيل دور الصحافة وإطلاق إمكانياتها الحقيقية في مواجهة الفساد.
توصف الصحافة بالسلطة الرابعة ليس اعتباطا ولا وصفا لغويا يطلق هكذا، بل لأنها فعلا وحقا ” سلطة” و يجب أن تكون وتبقى ” سلطة“. فمهمة المراسل/الكاتب الصحفي الأساسية والمركزية هي ممارسة تلك ” السلطة” في الرقابة و في نقل الأحداث، بكل أمانة و صدق وموضوعية، كما هي. فرسالته تقتضي أن يكون مرآة تعكس الحقائق و تكشف التلاعبات و تفضح الفساد، بجميع أشكاله و من طرف أيا كان. رسالة المراسل/ الكاتب الصحفي هي تقريب الصورة البعيدة من القراء و توفير المعلومة الغائبة عنهم و تحليل القضايا والمشاكل التي تقض مضجعهم و تؤرقهم و إيصالهالمن يهمهم الأمر…
إن عمليات ” السمسرة” و ” البزنسة” و ” المناولة” و ” الكتابة تحت الدفع والطلب” وهلم جرا من المصائب و الموبقات التي ابتلي بها الجسم الصحفي/ الإعلامي بالمغرب ، للأسف الشديد، تشوه مصداقية ونزاهة وكرامة المراسلين والكتاب والصحفيين الشرفاء الأحرار و مواقعهم وجرائدهم النزيهة. كما تنزع عن الخبر ومقال الرأي وكاتبهما ذلك الإحترام والمصداقية التي يجب أن يتمثلها أي مشتغل بالعمل الصحفي. و يضع الجميع في سلة واحدة و ينطيق علي الجسم الصحفي برمته المثل الدارج القائل ” حوتة وحدة كتخنز الشواري“.
إن المستوى المنحط الهابط الذي وصل إليه البعض، و أقول دائما البعض، يندى له الجبين و لا يمكن السكوت عنه تحت أي مبرر. فمن الوقاحة والسفاهة والسفالة أن يكتب شخص مقالا/خبرا باسم مستعار، بمقابل مادي، و ينشره في موقع ماو يقوم هو بنفسه بطبع المقال و إيصاله للشخص المعني و يطلب منه مقابلا من أجل الرد، فيكتب الرد باسم مستعارآخر. وبذلك يكون قد كتب المقال الأصلي و مقال الرد و أخذ مقابلا مرتين و أشعل فتيل حرب مزورة جريا وراء المال، أو يعمل كحامي لقضية فساد و يحاول جهده الدفاع عن الفاسدين و المحتالين المتورطين في قضايا جنائية بدلا من التحري في الموضوع و إتباع أخلاقيات المهنة ، كيف لا و الجسم الصحفي المغربي أصابه مرض التطفل حيث أصبح كل من هب و دب صحفيا و مراسلا و مديرا لموقع ، كيف يعقل أن يصبح فقيها أو مخبرا أو نصابا صحفيا مهنيا استفاد من الفراغ القانوني لينسب لنفسه صفة صحافي.
” طينة” أخرى من السادة الصحفيين و المراسلين والكتاب متخصصة في ” تلميع” صورة المفسدين و النصابين الذين يعملون ضد المصالح المغربية ، يجيدون كتابة الردود و التقارير الاستخباراتية نيابة عنهم مقابل دراهم معدودات. فلا يحركون أقلامهم إلا ل“التسبيح” بحمد رئيس جمعية دينية أو نصاب او محتال … فهؤلاء السادة دائما وأبدا ومطلقا “ملائكة“ودودين يؤدون مهامهم على أحسن وأكمل وجه ولا يخطئون البتة. أحيانا يتلقى شبه مقالا جاهزا من المفسدين وكل ما عليه فعله هو إضافة اسمه و إرساله لأكبر عدد من المواقع والجرائد وكلما كان المدح معسولا كلما كان الظرف “سمينا“…
إن ” انحرافات” بعض المنتسبين للصحافة كثيرة و متعددة الأساليب والطرق. و كلها تلتقي عند نقطة محورية هي“الفساد“. و هنا تكمن الخطورة. فالصحافة خلقت لتفضح و تنشر وتحارب الفساد، لا أن تكون هي الأخرى فاسدة أومتواطئة مع الفساد والمفسدين أو متسترة عليه. إن الملح الذي يمنع المفسدين و المحتالين من الفساد و السلطوية هي الصحافة وإذا فسدت الصحافة فمن يصلح الملح إذا فسد يا مفسد ؟
خلاصة:
عندما أتحدث عن فساد بعض شبه صحفيين، فإنني لا أقصد مطلقا التحجير عن حرية الفكر والتعبير والرأي أو فرض نمط معين من الكتابة أو المعالجة الصحفية. كما أنني لا أتحدث عن الأخطاء المهنية، فذلك أمر عادي جدا. و إنما أقصد ” الفساد الأخلاقي” المرتبط بالإبتزاز و الكتابة المدفوعة الأجر تحت الطلب من أجل التستر على الفساد أوفبركة ملفات و تقارير و أخبار لا وجود لها واستعمالها لتصفية حسابات من أجل الحصول على مال أو جاه أو ما شابه. لا أتحدث عن المقال الإشهاري أو ما تحصل عليه من الموقع أو الجريدة.. أتحدث عن بيع القلم والضمير و المصداقية.. عنالإساءة للشرفاء والنزهاء والأحرار.