كثف الجانبان الجزائري والروسي من اتصالاتهما في الآونة الأخيرة، بالتوازي مع التطورات التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء، وظهور بوادر تنافس قوي بين القوى الكبرى على المنطقة، في ظل توجه جزائري لتغيير عقيدة الجيش العسكرية والسماح له ليكون على الأرض في مناطق التوتر الأفريقي، خاصة في مالي والنيجر إلى بوركينا فاسو.
وألمح الرجل الأول في الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة، في تصريح أدلى به في موسكو على هامش حضوره استعراضات عيد النصر الروسي الـ75، إلى أن علاقات بلاده مع روسيا بصدد التعزيز عبر المزيد من المشاورات والتعاون المثمر بين الطرفين.
وحمل التصريح تنويها بدور الجزائر الإستراتيجي في المنطقة، على اعتبار أنها طرف مهم في المعادلة، في إشارة إلى ضرورة أخذها في الحسبان خلال بلورة أي مشروع يتعلق بالمنطقة سواء على الصعيد الأمني أو العسكري.
وذكر في تصريحه أن بلاده “تلعب دورا مركزيا ليس فقط في البحر المتوسط وشمال أفريقيا، بل في جميع أنحاء القارة”.
وأضاف “كما أود أن أشير إلى أننا نعمل في الجزائر لتقوية دائرتنا بحيث يضمن هذا التفوق في جميع المجالات ويحمي بلادنا من كل المخاطر، خاصة في ظل ظروف صعبة حول العالم وعلى وجه الخصوص في منطقتنا”.
ولفت إلى أن المنطقة تميزت منذ عدة سنوات بوجود عوامل أزمة كبيرة تؤثر بشكل طبيعي على الاستقرار، مثل ليبيا ومالي، وهو ما يوحي إلى تسويق الرجل الأول في الجيش الجزائري لدور بلاده في إدارة التوترات القائمة في المنطقة، وإلى ضرورة عدم تجاوز دورها خلال بلورة أي مشروع للمنطقة، وهي الرسالة التي يريد توجيهها لبعض القوى الإقليمية التي تريد الانفراد بالمنطقة دون العودة إلى الفاعل الرئيسي فيها.
وتزامنت الاتصالات الجزائرية الروسية مع عدة تطورات في المنطقة، ومع توجهات كشف عنها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في تصريحه الأخير لقناة الجزيرة القطرية، لما أزاح الستار عن رغبة بلاده في التدخل في الأزمة الليبية لما كانت قوات المشير خليفة حفتر على وشك دخول العاصمة طرابلس العام 2020، فضلا عن التحرك الميداني الأخير لقائد الجيش الليبي السابق من أجل عرقلة فتح أحد المعابر البرية بين البلدين بعد اتفاق الحكومتين عليه، وإعلانه المنطقة فضاء عسكريا.
وكانت وزارة الدفاع الجزائرية قد أعلنت أن الجنرال شنقريحة رئيس أركان الجيش توجه إلى موسكو في زيارة تستمر حتى الخميس، وذلك بدعوة من وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، لحضور النشاطات الرسمية بمناسبة إحياء الذكرى الـ75 لعيد النصر في الحرب الوطنية الكبرى 1941 – 1945.
وذكر بيان الوزارة أن “الزيارة تندرج في إطار تعزيز أواصر الصداقة والتعاون بين الجيش الوطني الشعبي والقوات المسلحة الروسية، ستمثل فرصة سانحة للطرفين من أجل بحث المسائل ذات الاهتمام المشترك”.
وكان ينتظر أن تشهد الساحة الحمراء وسط موسكو الخميس عرضا عسكريا كبيرا بمناسبة النصر، إلا أنه تم تأجيله بسبب تفشي فايروس كورونا في البلاد.
مسؤولون عسكريون سامون من الجزائر وروسيا بحثوا ملفات التعاون العسكري والأمني بين البلدين، وأفق توسيع هذا التعاون
وتعكف روسيا على تركيز اهتمامها بالدور الجزائري المرتقب في منطقة الساحل والصحراء، من أجل توظيفه في صراع مواطئ النفوذ هناك، في إطار تثمين علاقات توصف بـ”التاريخية”، فضلا عن أن الجزائر تعتبر شريكا وزبونا سخيا في سوقها العسكرية والتسليحية.
وبحث مسؤولون عسكريون سامون من الجزائر وروسيا الخميس الماضي ملفات التعاون العسكري والأمني بين البلدين، وأفق توسيع التعاون بينهما، ولا يستبعد أن يكون الملف المذكور من ضمن الأوراق التي تضمنتها أجندة الوفد الروسي الذي يزور الجزائر.
وذكرت وزارة الدفاع الجزائرية في بيان لها أن “الجنرال شنقريحة استقبل بمقر رئاسة أركان الجيش وفدا عسكريا روسيا يقوده مدير المصلحة الفدرالية للتعاون العسكري والتقني لفدرالية روسيا ديميتري شوغاييف الرئيس المشترك للجنة الحكومية الجزائرية الروسية للتعاون العسكري والتقني”.
وأبرز أن “المحادثات تناولت التعاون العسكري والتقني وسبل تطويره وتنويعه وتعزيزه أكثر، وذلك من خلال منح هذا التعاون مضمونا أوسع في القطاعات ذات الاهتمام المشترك، وما يمكن من الارتقاء دوما إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية القائمة بين البلدين”.