المغرب: اسبانيا مسؤولة عن الأزمة… ومحللون: تصديرها أوروبيا فاشل ودون جدوى

ايت لكتاوي

لم تتأخر المملكة المغربية في الرد على قرار الاتحاد الأوروبي، الذي أعرب عن “رفضه لاستخدام المغرب ملف الهجرة، وعلى وجه الخصوص القاصرون غير المصحوبين بذويهم، كوسيلة لممارسة الضغط السياسي على دولة عضو في الاتحاد الأوروبي”.
وحظي القرار المثير للجدل، الذي اعتبر ما وقع في مدينة سبتة المحتلة من طرف السلطات الإسبانية، بمثابة “ضغط سياسي من الرباط على مدريد”، بموافقة 397 نائبا، فيما عارضه 85 نائبا، وامتنع 196 نائبا عن التصويت.
وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، أكدت أن القرار الذي صادق عليه البرلمان الأوروبي، الخميس، “لا يُغيِّر في شيء الطابع السياسي للأزمة الثنائية بين المغرب وإسبانيا” وأضاف بلاغ حصلت عليه “القدس العربي” أن محاولات إضفاء الطابع الأوروبي على هذه الأزمة هي من دون جدوى ولا تغير بأي حال من الأحوال طبيعتها الثنائية الصرفة وأسبابها العميقة والمسؤولية الثابتة لإسبانيا عن اندلاعها.
وأوضح البلاغ أن “توظيف البرلمان الأوروبي في هذه الأزمة له نتائج عكسية، بعيدا عن المساهمة في إيجاد حل، فهو يندرج ضمن منطق المزايدة السياسية قصيرة النظر. هذه المناورة، التي تهدف إلى تحويل النقاش عن الأسباب العميقة للأزمة، لا تنطلي على أحد”.
الرد الرسمي للمملكة المغربية، هو نفسه ما أشار إليه المحلل السياسي المغربي عادل بنحمزة مؤكدا أن توصية البرلمان الأوربي لن تغير شيئا في واقع الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، والتي يعتبر المغرب أن مدخل حلها يكمن في وضوح مدريد من قضية وحدته الترابية، وعلى هذا الأساس يجب أن يتصرف الإسبان.
وأجمع محللون مغاربة،  أن القرار بعيد عن إدانة المغرب بخصوص القاصرين بل يستعمل مصطلحات تتعلق “برفض البرلمان الأوروبي” بمعنى أن القرار لم يحمل أي إدانة سياسية للمغرب، بل أقصى ما طالب به هو رفضه للتحركات المغربية في الأزمة الأخيرة.
تعليقا على المحاولات الإسبانية الرامية إلى تمرير قرار معادٍ للمغرب داخل البرلمان الأوروبي، أشاد البرلمان العربي بالجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة المغربية، تحت قيادة العاهل محمد السادس، في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية خاصة تجاه أوروبا، مشيرا إلى أن هذه الجهود أسهمت في تراجع معدلات هذه الظاهرة بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.
وأكد البرلمان العربي “تضامنه التام مع المملكة المغربية ضد كل ما يسيء إليها أو يمثل تدخلا في شؤونها الداخلية، وتأييدها في كل ما تتخذه من إجراءات في هذا الشأن”، داعيا نظيره الأوروبي إلى “عدم إقحام نفسه في الأزمة الثنائية بين المملكة المغربية وإسبانيا، والتي قد تجد طريقها للتسوية بالطرق الدبلوماسية والتفاوض المباشر بينهما، دون وجود أي داع إلى تحويلها إلى أزمة مع أوروبا”.
ودعا البرلمان الأفريقي، من خلال رئيسه وسفير النوايا الحسنة، الكاميروني روجر نكودو دانغ، البرلمان الأوروبي إلى عدم التدخل في الأزمة المغربية الإسبانية، مؤكدا على ضرورة الاحترام الصارم للالتزامات التي تعهد بها البرلمان الأوروبي والبرلمان الأفريقي خلال قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي المنعقدة في أبيدجان سنة 2017، ومن ضمنها أن أي مشاكل بين دولتين تندرج ضمن العلاقات الثنائية بينهما ولا يمكن للبرلمانين التدخل إلا إذا تمت مناقشة المشكل المطروح مسبقا.

اسبانيا فشلت

الكاتب والمحلل السياسي المغربي عادل بنحمزة، قال إن البرلمان الأوربي أمسك العصا من الوسط، ذلك أنه لم ينتصر لإسبانيا العضو كامل العضوية في الاتحاد الأوربي على حساب شريك رئيسي هو المغرب، فبالاطلاع على توصية البرلمان الأوربي التي هي غير مُلزِمة لمؤسسات الاتحاد الأوربي، نجد أنها لم تحقق ما كان يهدف إليه الإسبان من صدور توصية صريحة تدين المغرب.
وانقسمت التوصية إلى فقرتين رئيسيتين، الأولى تعبر عن رفض ما اعتبره البرلمانيون الأوروبيون تحولا في سياسة المغرب بخصوص موضوع الهجرة وخاصة موضوع القاصرين، وهذه رواية إسبانية أصرت مدريد على التشبث بها منذ الأحداث التي عرفتها سبتة المحتلة، الغاية من ذلك كانت من جهة، التغطية على جوهر الأزمة بين الرباط ومدريد والتي تفجرت بعد استقبال الجارة الشمالية لزعيم الانفصاليين إبراهيم غالي بهوية جزائرية مزورة، علما أنه مطلوب أمام القضاء الإسباني بسبب تهم موجهة إليه تتعلق بجرائم ضد الإنسانية والتعذيب والاختفاء القسري والاغتصاب. ويفسر الدكتور بنحمزة وضع المغرب في مواجهة مجموع الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي والتركيز على موضوع الهجرة الذي يزعج الأوروبيين، وجعل القضية برمتها تخرج عن إطارها الثنائي إلى موضوع يهم العلاقات المغربية الأوربية، لكن من خلال ما صدر عن البرلمان الأوروبي، فالأمر لم يتم وفقا لما كانت تخطط له مدريد، إذ حرصت صياغة التوصية على انتقاء عبارات دقيقة ليس فيها أي إدانة للمغرب، بل على العكس من ذلك كانت هناك فقرة كاملة يهنئ فيها البرلمان الأوربي المغرب بعد قرار العاهل محمد السادس يوم 1 حزيران/ يونيو بعودة جميع الأطفال القصر من البلدان الأوربية.
وفق المحلل السياسي، فإن مدريد راهنت على الاستثمار في موضوع يهم الأوروبيين وهو موضوع الهجرة، لكن هذا الأمر يستدعي ملاحظتين رئيسيتين، الأولى تتعلق بحقيقة أن إسبانيا تتلقى مساعدات أوروبية يبلغ حجمها ثلاثة أضعاف المساعدات التي يحصل عليها المغرب في ذات الموضوع، علما أن المغرب هو الذي يتحمل الجهد الأكبر، لذلك عبَّر المغرب بشكل واضح أنه يرفض أن يقوم بدور الدركي (حارس أمن) للأوروبيين.
أما الملاحظة الثانية فتتمثل في أن الرباط تُدرِج التعاون في موضوع الهجرة في نطاق أوسع للعلاقات الاستراتيجية بينها وبين إسبانيا وبينها وبين الاتحاد الأوروبي، هذه العلاقات في نظر المغرب يجب أن تقوم على الوضوح وعلى صيانة المصالح المشتركة، والمغرب عبر بوضوح أن قضية الصحراء لا يمكن أن تكون موضوع ابتزاز أو مقايضة، وأنه إذا كان مطالبا بالحفاظ على مصالح الإسبان والأوروبيين فإنه يطلب أن يكون ذلك بشكل متبادل.

قرار بدون قيمة

وقدَّم نوفل البوعمري، محامٍ وباحث في ملف الصحراء، ملاحظات بخصوص القرار، موضحا أنه لا يحظى بأية قوة إلزامية للمفوضية الأوروبية ولا للمجلس الأوروبي، كما أنه من الناحية القانونية لا قيمة قانونية له، وهو يعكس توجه الفرق البرلمانية وليس موقف الدول الأوروبية بحيث يتم استصدار مثل هذه القرارات بناء على تحالفات سياسية معينة لا تشكل موقف الحكومات الأوروبية.
القرار لم يقُم بإدانة المغرب، يؤكد البوعمري ذلك أنه لم يستعمل قط تعبيرات تفيد الإدانة أو الشجب، بل كان يستعمل مصطلحات تتعلق “برفض البرلمان الأوروبي” بمعنى أن القرار لم يحمل أية إدانة سياسية للمغرب، بل أقصى ما طالب به هو رفضه للتحركات المغربية في الأزمة الأخيرة، وأنه بذلك يكون رغم التعبئة الكبيرة للحكومة الإسبانية فهي فشلت في أن تجعل البرلمان الأوروبي يقف إلى جانبها أو يتبنى خطابها وموقفها العدائي اتجاه المغرب، كما فشلت في تحويل الأزمة إلى أزمة أوروبية – مغربية.
وأضاف المتحدث أن القرار لا يعكس التوجه العام للشراكة التي تجمع المغرب مع الاتحاد الأوروبي الذي سبق لمختلف مسؤوليه أن أدْلَوا بتصريحات متوازنة من الأزمة الإسبانية المغربية، ولم يذهبوا في اتجاه الشجب أو التنديد بالمغرب، بل على العكس فهذه التصريحات شجعت على الحوار مع المغرب، وحافظت على الطابع الثنائي للأزمة بين المغرب وإسبانيا، وأشادت بالموقف الملكي الذي طالب باستقبال جل القاصرين الموجودين في أوروبا بشكل غير نظامي، مما يُفرغ القرار من محتواه السياسي.
“محاولة البرلمان الأوروبي التذكير بموقفه من نزاع الصحراء وإن كان لم يُبدِ موقفا سياسيا ضد المغرب، فإن مجرد إقحام الحديث عن النزاع يجعل منه قرارا سياسيا وليس حقوقيا، وأن المواضع التي حركته هي نزوات سياسوية تؤكد ما ظل المغرب يثيره من كون الأزمة الحالية هي ذات طابع سياسي مع إسبانيا وليست حقوقية ولا تتعلق بالهجرة أو حماية القاصرين” وفق تعبير المحامي نوفل البوعمري .
وقال رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ابن طفيل في القنيطرة، إن “تصويت البرلمان الأوروبي على مشروع إدانة المغرب هو فرصة لمعرفة وزن المغرب داخل الأجهزة الأوروبية، وإن كان هذا القرار لا يعدو كونه توصية، فلن تكون له قوة إلزامية، لكنه محك حقيقي لأصدقاء المغرب بأوروبا ولمنظومتنا الحزبية وللدبلوماسية الموازية”.
وأضاف المتحدث أن “المغرب اليوم دولة إقليمية وهي فرصة لمعرفة قوة الحضور المغربي داخل الأجهزة الأوروبية وحرص الأوروبيين على الشراكة مع المغرب، والذي يبدو أن الأزمة المغربية الإسبانية ما زالت طويلة لكون الحكومة الإسبانية لم تهضم بعد كون المغرب صار دولة إقليمية لا يمكن تجاوزها”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: