أدلى الجزائريون السبت بأصواتهم لانتخاب أعضاء البرلمان الجديد وسط مؤشرات على مشاركة ضعيفة وفي أجواء من القلق والغموض حول جدوى الاستحقاق في الخروج من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ أكثر من عامين، ومستقبلها في ظل توقعات ببرلمان هجين لا يكون قادرا حتى على حماية نفسه.
وبدا أن الهدف الأساسي للسلطات هو إنجاح الاستحقاق الانتخابي وتجديد البرلمان بقطع النظر عن الشرعية الشعبية ومشاركة المعارضة أو مقاطعتها، فضلا عن عزوف شعبي بلغ حد المقاطعة أو المشاركة المحدودة في ولايات (محافظات) القبائل شمال شرق البلاد.
وقال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في تصريح مقتضب للصحافة عقب الادلاء بصوته إنه “غير مهتم بنسبة المشاركة وإن ما يهمه أن يكون البرلمان الجديد يعبر عن إرادة منتخبيه”، وهو تصريح استباقي لنسبة مشاركة شعبية في الاستحقاق تكون بعيدة عن آمال السلطة والمرشحين للانتخابات النيابية.
وأعلن محمد شرفي رئيس سلطة تنظيم الانتخابات السبت إن نسبة المشاركة الوطنية بلغت في حدود الواحدة ظهرا أكثر من 10 في المئة بقليل، بعدما كانت أقل من أربعة في المئة في الساعات الأولى، وهو ما أشّر إلى تسجيل نسبة مشاركة ضعيفة في الاستحقاق، مما يعيد طرح مسألة شرعية البرلمان الجديد والقرارات التي يصدرها.
ولفت الرئيس الجزائري إلى أنه “بالنسبة إليّ لا تهمني المشاركة، ما يهم أن يكون الأعضاء الجدد للبرلمان منبثقين عن إرادة منتخبيهم، وبإمكانهم الاضطلاع بمهمة السلطة التشريعية في البلاد”.
وذكر بأنه من “حق المعارضين مقاطعة الانتخابات شريطة عدم التأثير أو عرقلة إرادة الراغبين في المشاركة”، وهو أول اعتراف من الرجل بالأصوات المقاطعة التي وصفها في تصريحات سابقة بـ”الأقلية” وبـ”المئات” الذين لا يتوافقون فكريا وسياسيا في المسيرات المستمرة.
وأضاف “حضوري في الاستحقاق هو ردّ على الدوائر المشككة في المسار الجديد والقوى التي تزعجها الديمقراطية الجديدة في بلادنا”.
ويوحي تصريح الرجل الأول في الدولة بأن السلطة تريد رفع الحرج عن نفسها من هاجس المشاركة الذي أرّقها خلال الاستحقاقات الماضية، وتجاوز جدار العزوف الشعبي اللافت لخيارات السلطة منذ تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل 2019.
ويبدو أن السلطة بصدد تسريع خطى إرساء المؤسسات الجديدة، إذ ينتظر تنظيم انتخابات جديدة خلال أشهر قليلة، بحسب ما أعلن عنه تبون في تصريحه المقتضب “سنستكمل مسار بناء المؤسسات الجديدة بانتخابات بلدية وولائية قريبا”، وهو الموعد الذي لا يستبعد أن يكون في الخريف القادم.
وسادت حالة من الفتور في مكاتب الاقتراع التي سخّرتها السلطة، حيث سُجّل إقبال ضعيف عليها منذ الساعات الأولى، ولو أن التلفزيون الحكومي حاول تقديم صور عن المشاركة المقبولة، وهي صور قال ناشطون معارضون إنها لـ”عناصر من الأمن والجيش في زيّ مدني أوعز لها بالاقتراع لإيهام الرأي العام”.
ويتسابق نحو 24 ألف مرشح على 407 من المقاعد تمثل تعداد الغرفة الأولى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، يتوزعون على أكثر من 1500 لائحة حزبية ومستقلة، غير أن تعداد المستقلين يفوق لأول مرة اللوائح الحزبية.
ونقل شهود عيان من مدن ومحافظات في منطقة القبائل بأن السكان لم يدلوا بأصواتهم ومواقفهم من استحقاق السلطة واضحة، وحتى النسب المتدنية المعلن عنها من طرف سلطة تنظيم الانتخابات تمثل عناصر الأمن والجيش وبعض أعوان المؤسسات الحكومية المحلية.
وأفاد الناشط العيد خيتوس بأن “دوائر وبلديات بأكملها في ولاية البويرة (شرقي العاصمة)، لم تتعد فيها نسبة المشاركة حدود الواحد أو الاثنين في المئة، وأن بعض صناديق الاقتراع تعرضت للإتلاف من طرف الرافضين للانتخابات”.
وأضاف “لقد عثر هؤلاء على صناديق اقتراع مملوءة بأوراق التصويت، وهو ما يوحي بسعي السلطة لتزوير الانتخابات، والاستعداد للإعلان عن نسبة مشاركة في المنطقة رغم مقاطعة السكان لها”.
وأظهرت تسجيلات على شبكات التواصل الاجتماعي صناديق اقتراع تم إتلافها في بعض بلديات بجاية والبويرة، كأميزور وآث القصر، وقيام بعض الشبان بعملية اقتراع رمزية في مكبات النفايات لإضفاء الطابع “الوسخ” للانتخابات.
لكن في المقابل راهن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أبوالفضل بعجي في أعقاب الإدلاء بصوته بأنه “يراهن على وعي الناخبين لتحقيق لوائح حزبه للصدارة في الانتخابات التشريعية، والسماح له بالبقاء كأول قوة سياسية في البلاد”.
وشدد على أن حزبه “الذي طهّر صفوفه من رموز الفساد والانتهازيين، يراهن على وعي الناخبين للمحافظة على مكانة جبهة التحرير الوطني الريادية في هذه الاستحقاقات والانتخابات الولائية والمحلية المقبلة، من أجل المساهمة في إعادة بناء مؤسسات الدولة”.
وتابع “لقد ضمّت لوائح الحزب كفاءات شبابية بلغت في بعض الولايات 78 في المئة، بالإضافة إلى إشراك إطارات الحزب التي هُمشت في السابق، غير أن نمط التصويت الجديد (القائمة المفتوحة) يعيق نسبيا العملية بسبب حداثة التجربة”.
أما الصاعد الجديد في المشهد السياسي الجزائري “جبهة المستقبل” فقد أعرب رئيسه عبدالعزيز بلعيد عن “دعوة الشعب إلى تأكيد سلطته في البلاد من خلال الانتخابات التشريعية واختيار نوابه بالمجلس الشعبي الوطني”.
ودعا المواطنين إلى “تأكيد سلطة الشعب من خلال اختيار ممثليهم قائلا إن “الشعب فهم أن الخروج من هذه الأزمة لن يكون إلا عبر مؤسسات الجمهورية وعبر سلطته”.
واعتبر بأن، “التشريعيات تمثل الانتقال إلى مرحلة جديدة من خلال الانتقال من سلطة الشارع إلى سلطة المؤسسات، وأن هذه الانتخابات ستفتح آفاقا جديدة لمستقبل جديد وبناء الجزائر التي يؤمن بها الشعب”.