فرنسا.. نحو حرب أهلية

زنار

يجب أن نكون حذرين من الحروب الأهلية التي تحدث بهدوء شديد، والتي تستغرق عدة عقود قبل أن تتطور آثارها المدمرة، وهو ما سيكون عليه الحال عندنا إن بقينا مكتوفي الأيدي”.. هكذا أجاب جان بيار شوفنمان وزير الداخلية الفرنسي في حكومة ليونيل جوسبان عن سؤال حول إمكانية حدوث حرب أهلية في فرنسا مستقبلا. أما وزير داخلية إيمانويل ماكرون السابق جيرار كولومب فقد تنبّأ بحدوث مواجهات ومشاكل عظمى. ودعا قائد أركان الجيش الفرنسي السابق بيار فيلييه إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة خطر حرب أهلية تحدق بالبلد، بعد الاعتداءات الإرهابية الكثيرة.

وأضاف أنه في هذا الظرف الصعب الذي يعاني فيه شعبنا من أزمة صحية واقتصادية، فنحن غير محصّنين، يلوح أيضا في الأفق خطر حرب أهلية. ويتساءل عن الأسباب التي تجعل السلطات الفرنسية قادرة على فرض حجر طويل الأمد على الفرنسيين، بينما تقف عاجزة عن طرد إمام مسجد يلقي خطبا ضد فرنسا طول اليوم؟ هل تعيش فرنسا مرحلة ما قبل حرب أهلية؟

في العام 2015 أصدر الكاتب والصحافي إيفان ريوفول كتابا يحمل عنوان “الحرب الأهلية آتية” حذّر فيه من خطة للإسلاميين تهدف إلى زعزعة النظام العام بإشعال الصراع بين الأقليات وبين الفرنسيين. وفي العام 2016 صرّح رئيس المديرية العامة للأمن الداخلي باتريك كالفار أمام لجنة تحقيق برلمانية حول اعتداءات 13 نوفمبر 2015 قائلا “نحن على أبواب حرب أهلية”. وأضاف “من واجبنا أن نستبق الأحداث ونسدّ الطريق أمام الجماعات التي تريد في لحظة أو أخرى أن تشعل فتيل المواجهات بين الإثنيات على أرضنا”.

ولكن لم يعد الأمر مجرد كلام وتنظير أو مجرد تحذير من هذه الجهة أو تلك، سرعان ما يقصى من وسائل الإعلام، بل بدأ بالتحول تدريجيا إلى نقاش وطني جدي، بعد أن تسرّبت رائحة بارود حرب أهلية آتية من الضواحي، لتزكم أنوف من يمتهنون الصمت وغض الطرف في قاعات تحرير الصحف الباريسية والإدارات والوزارات.

ولم يعد الأمر قابلا للتستر بعد نشر رسالتين مفتوحتين إلى السلطات انتقد فيهما عسكريون الأوضاع الأمنية الصعبة التي وصلت إليها فرنسا، ووقع عليهما ضباط كبار من بينهم 20 جنرالا خارج الخدمة وآخرون من ذوي الرتب المتوسطة والمئات من الجنود، دون الإفصاح عن هوياتهم، وقد وصل عدد الموقّعين إلى حوالي ألف موقع.

صفعُ رئيس فرنسا أمام الملأ تعبير واضح عن العنف اللفظي والمادي المنتشر في كل مكان، ومؤشر على أن الجمهورية الفرنسية ليست بخير وأن في الجو رائحة شيء يشبه الحرب الأهلية.

ونالت الرسالتان دعم عشرات الآلاف من الفرنسيين، لأن العسكريين نددوا بصمت السلطات المثير للارتياب، وطالبوا بضرورة تطبيق القوانين الموجودة بلا أدنى تردّد أو ضعف من أجل تجنب الحرب الأهلية. والأخطر أنهم لمحوا إلى إمكانية أن يحمل عسكريون عاملون السلاح لوقف تفكك المجتمع.

رغم محاولة الحكومة الفرنسية تحويل القضية من جدل حول “الحرب الأهلية” إلى مسألة “حق الجيش في التعبير عن رأيه علنا” بسبب واجب التحفظ، إلا أن احتدام الأزمة الأمنية وتزايد عدد الضحايا والاشتباكات بين الشرطة وشبان الضواحي والعنف الوحشي الذي يمارس أحيانا بين المراهقين، شجعت الكثيرين على التحذير من حرب أهلية قادمة.

وكتب النائب عن حزب الجمهوريين غيوم لاريفي في صحيفة “لوبنيون” في مطلع شهر أبريل عن إرهاصات “تمرد” و”تفكك للديمقراطية”، ليستنتج أن فرنسا في طريقها إلى حرب أهلية جراء الركود الاقتصادي المزمن المتبوع بتكاثر حالات الإفلاس وتدمير الوظائف وتهديم دائم لوسائل الإنتاج. وقد يؤدي هذا كله في رأي النائب إلى تمرد اجتماعي كامتداد لحركة السترات الصفراء، ويزيد من تعقيده وصول أعداد كبيرة من المهاجرين من أفريقيا ودول المغرب العربي.

ولئن كانت بعض بذور الحرب الأهلية موجودة، إلا أنه من الصعب الحديث عن اندلاعها على المدى القريب في فرنسا، إذ تبقى هوية القوى التي من المحتمل أن يجري القتال بينها غامضة. الحرب الأهلية هي حدوث صراع مسلّح بين قوات الدولة ضد جماعة أو جماعات مسلحة محددة، أو مجموعات مسلحة في ما بينها في معارك تتجاوز مجرد التمرد أو العصيان.

ولكن حين يصل الأمر إلى صفع رئيس فرنسا أمام الملأ من طرف مواطن كان الرئيس يريد مصافحته، فهذا تعبير واضح عن العنف اللفظي والمادي المنتشر في كل مكان، ومؤشر على أن الجمهورية ليست بخير وأن في الجو رائحة شيء يشبه الحرب الأهلية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: