المغرب: جدل متواصل حول الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية والبلدية المقبلة

La rédaction

إذا كانت الأحزاب المغربية منشغلة بالإعداد للانتخابات البرلمانية والبلدية المقبلة التي ستنظم بعد أقل من ثلاثة شهور، فإن أصواتاً أخرى ما فتئت تدعو إلى مقاطعة تلك الاستحقاقات الانتخابية، بذريعة أنها لا تؤدي إلى التغيير المنشود. ومن بين تلك الأصوات حزب «النهج الديمقراطي» اليساري الاشتراكي، وجماعة «العدل والإحسان» الإسلامية المحظورة، وانضافت إليهما «حركة مقاطعون» التي تتخذ من شبكات التواصل الاجتماعي فضاء للتعبير عن مواقفها، واختارت لنفسها شعار «غايتنا التعبئة الشعبية من أجل مقاطعة ناجحة للانتخابات المقبلة».
وتقول الحركة، من خلال صفحتها الافتراضية، إنها تصنع التاريخ مجدداً. وتضيف: «مع القاسم الانتخابي الجديد سيستخدمون أصوات الأموات والأحياء، سواء صوتت أم لا، ولن ينجح من تريده أنت، بل من يريدون هم. ونتيجة الانتخابات محددة مسبقاً. إذن، لماذا ستذهب لتصوت وتعطي شرعية لانتخابات باطلة. السؤال ما الذي سيفضح هذه الجريمة؟ الجواب هو نسبة المقاطعة التاريخية وانعدام المشاركة ومراكز الانتخاب والصناديق الفارغة».
وانشغل الرأي العام المحلي أيضاً بالموقف الذي عبّرت عنه المدونة والناشطة السياسية مايسة سلامة ناجي من خلال فيديو، تضمن رسالة مفتوحة إلى العاهل المغربي محمد السادس بشأن مقاطعة الانتخابات المقبلة، تلتمس فيها منه محاسبة المسؤولين عن الفساد المالي والسلطوي.

«لا ينسحبون ولا يستقيلون!»

واستعرضت أسماء مسؤولين أعفوا من مهامهم بتعديلات حكومية وبغضبات ملكية أو صدرت في حقهم تقارير فساد، لكنهم عادوا إلى الساحة السياسية. وقالت «إنهم لا ينسحبون ولا يستقيلون». وأسهبت في إعطاء الأدلة على ما اعتبرته فساداً وتجاوزات بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات.
وتساءلت «كيف يعقل في دولة الحق والقانون أن شخصاً محاطاً بالتهم والتقارير والغضب الشعبي ما زال في منصبه، بل إنه يقوم بحملة انتخابية لترؤس مؤسسات الشعب… لدرجة أن الساحة السياسية اليوم، والمرشحين للانتخابات اليوم ليسوا سوى نفس الأشخاص الذين تم إعفاؤهم وتمت إقالتهم والذين تحوم حولهم شبهات الفساد والنهب والإهمال. فعلى من نصوّت يا جلالة الملك؟ تتساءل مايسة، موجّهة كلامها للعاهل المغربي: «مهما كانت أفكاركم ثورية، ورؤيتكم شاملة، وأهدافكم سامية، وخططكم متكاملة، ونماذجكم التنموية هائلة، فلن تحقق أي شيء، ولم ولن تحدث التغييرات والتحولات الهيكلية المنتظرة بالرغم من العناية والموارد المهمة المخصصة لها، لأن المنفذين من وزراء وفاعلين سياسيين لا يتغيرون لا بالانتخابات… ولا بالإقالات».
وتقول الناشطة السياسية إن أولئك المتهمين بالفساد المالي والسلطوي مُحصَّنون من المحاسبة، ولا تحرك النيابة العامة في تقاريرهم ساكناً، ولا تخرج نحو القضاء والعدالة، وتبقى حبيسة جلسات البرلمان والرأي العام ومواقع التواصل الاجتماعي نلوكها بيننا نحن المغاربة في قلق ويأس وبؤس… ما أفقد الشعب المغربي الثقة في أي إمكانية إصلاح للمغرب، سواء بنموذج تنموي جديد، أو بحكومة جديدة».
وتابعت مايسة سلامة ناجي قولها: «شعبكم الذي بلغ منه اليأس مبلغاً حتى شهدنا بأم أعيننا آباء يرمون فلذات أكبادهم في البحر، ليس لأننا دولة فقيرة، ولا دولة فاشلة، ولا دولة غير مستقرة، إنما لأننا سئمنا ومللنا ويئسنا من مسؤولين لا يحاسبون. وبدل النظر إلى وجوههم في المرآة، يقذفون شعبك بالعدمية والسلبية».
وأكدت أنه «بهذه الوجوه التي تجوب المغرب اليوم تعده بالجديد بعد أن أفشلت كل القديم… لا جدوى من أصواتنا. ونطلب من جلالتكم: المحاسبة قبل الانتخابات».
هذه التصريحات أثارت ردود فعل مختلفة، فقد كتب الأديب صلاح بوسريف تدوينة جاء فيها: «الفرصة الوحيدة التي ينتظرها حزب «العدالة والتنمية» ليجثم على رؤوسكم لسنوات أخرى، هي مقاطعة الانتخابات. لا أحد في القنافذ أملس، لكننا مجبرون على اختيار السيئ، حتى لا نسقط في فخ الأسوأ».
في السياق نفسه، كتب المدون جمال علا: «من يدعو إلى مقاطعة الانتخابات فهو يخدم بشكل مباشر وغير مباشر أجندة حزب تجار الدين».

تيار شعبوي

وأعلن الممثل الفنان محمد الشوبي معارضته لموقف المقاطعة، وأوضح أنه باعتباره يساري النشأة والنزعة، و»بعد مشاهدة فيديو مايسة سلامة الناجي التي تقدم نفسها كناشطة سياسية، وتحرّض فيه على مقاطعة الانتخابات القادمة بتلك الشعبوية الفجة التي تخدم الأحزاب والجماعات التي تستفيد من المقاطعة وتتبوأ الدرجات الأولى في صناديق الاقتراع بفعل هذه المقاطعة في رقاب الشعب والمؤسسات؛ أعلن أني سأشارك في الانتخابات القادمة، وأصوت على البرنامج والشخص الذي أراه مناسباً لقناعاتي وتطلعاتي رافضاً كل مزايدات شعبوية خطيرة كما جاءت في فيديو هذه (المؤثرة) ومن يدفعها حطباً لتقويض العملية السياسية».
وكتب الإعلامي والباحث يونس دافقير أن خلاصة فيديو مايسة يتمثل ـ بتعبيره ـ في ما يلي «شوف آسيدنا، عندك شهرين ونص، يا تصيفط هاذو للحبس، يا غنقاطعو الانتخابات! (لديك يا سيدنا شهران ونصف، إما ان ترسل هؤلاء للسجن، وإما سنقاطع الانتخابات). وأضاف قائلاً: «على كل حال، سبق للدكتور محمد معتصم في أطروحته حول التقليدانية السياسية في المغرب، أن قال إن من بين الوظائف الأربع للانتخابات المغربية (قبل دستور 2011) هو السماح بتحديد اتجاهات الرأي العام. وأظن أن مايسة تؤدي وظيفة مشابهة للانتخابات سابقاً، وهي قياس وتحديد اتجاهات وتطورات التيار الشعبوي والعدمي في المغرب. وعلى كل حال من جديد، يتميز التيار الشعبوي بتناقضاته الصارخة، لأنه يدخل البحر بدون بوصلة».
وتابع الباحث نفسه: «حين طرحنا فكرة الحكومة التقنوقراطية لمدة سنتين وعلى أساس برنامج محدد قبل عام، هاجمتنا مايسة وقالت إننا ندعو إلى «حكومة المشاورية» وها هي مايسة بعد شهور تدعو إلى «ملكية تنفيذية» يتكلف فيها بكل شيء، من حبس الوزراء والسياسيين إلى الحكم وحده بعد أن تقاطع مايسة الانتخابات والمؤسسات».
وتساءل «ماذا تعني مقاطعة الانتخابات والأحزاب؟» ليجيب «تعني أن يحكم الملك وحده. والدعوة إلى مقاطعة الانتخابات هي حملة انتخابية لصالح حزب «العدالة والتنمية» الذي يستفيد من القاعدة الثابتة لمصوّتيه. وتعني أيضاً انخراطاً وتحالفاً مع الدعوة السياسية لجماعة «العدل والإحسان» و»النهج الديمقراطي» إلى مقاطعة النظام وانتخاباته.
مايسة عاطفية «طوبيسية» (بمعنى تندفع على غير هدى) ولا تعرف أبعاد ما تقول. مايسة لم تأت من تيار سياسي ديمقراطي، بل من جماعة يستبد فيها الزعيم بالرأي، ولذلك هي لم تتربّ على أن الأحزاب يعاقبها الشعب في الانتخابات وليس الملك. ولا أعرف ما إن كانت تقرأ ما حولها. الناس غاضبة من التدخل في الأحزاب، والحكومات. ومن تهميش القضاء. الناس تنتقد «المخزن» لأنه ترك الاحزاب بدون استقلالية، ومايسة تريد جر الملك إلى وضعية من يتعسف على أدوات الديمقراطية. وتريد جر القضاء نحو أن يكون عصاً بيد الملك».
وختم تدوينته بالقول: «مايسة لا تعرف أن أخطر ما كان في الحسيمة وجرادة (إشارة إلى الحراك الاجتماعي) هو انهيار الأحزاب. وبدون أحزاب سينهار النظام».

شطحات عدمية

وتحت عنوان «المشاركة في الانتخابات» كتب الإعلامي محتات الرقاص افتتاحية في صحيفة «بيان اليوم» التي يديرها، بدأها بالإشارة إلى أنه «عند اقتراب أي موعد انتخابي، تخرج أصوات وجهات تنادي بمقاطعة الانتخابات. وفي حين يمكن تفهم مواقف هيئات وتيارات سياسية وحزبية بهذا الخصوص، واعتبار ذلك وجهة نظر أو إحدى أدوات التعبير عن احتجاج سياسي ما، فإن بعض الشطحات التي تعرض ذاتها هذه الأيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي تكاد تكون عبارة عن عدمية بدائية وطفولية، أو أنها نفسها من ضمن أدوات لجم أي تغيير أو إصلاح في البلاد».
وأضاف: «لن نستحضر فقط هنا المضمون الحقوقي والديمقراطي للتصويت والمشاركة في تدبير الشأن العام، ولن نذكر بأن هذا الحق متعارف عليه كونياً ونص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ 1948، ولن ندفع، ترتيباً على ذلك، بحق شعبنا في التعبير عن رأيه واختيار ممثليه، ولكن، علاوة على كل ما سلف، سنؤكد على خطورة الترويج لكلام غير مسؤول يجر بلادنا كثيراً إلى الخلف على صعيد بنائها الديمقراطي والعلاقات بين مؤسساتها والفصل بين السلط». من جهة ثانية، تضيف الافتتاحية: «مَن يدعو اليوم إلى نشر اللامبالاة والعدمية بشأن الانتخابات والمشاركة في التصويت، هو يمارس لعبة غير بريئة، وبواسطتها يخدم أجندات معروفة من شأنها عرقلة الإصلاح في بلادنا. حسب تجارب محطاتنا الانتخابية السابقة، فإن التيارات الدينية تحافظ، في الغالب، على قاعدة مصوتين وحشود تمتلك ارتباطاً عقدياً مع مرشحيها، وتتم تعبئتهم على هذا الأساس، ثم هناك محترفو شراء الأصوات ولوبيات الفساد والريع والارتزاق، وهي تقوم بتوفير ميزانيات ضخمة لشراء الأصوات وتوظيف «الشناقة» (وسطاء بيع البهائم) وبالتالي التفريط في ممارسة حق التصويت، والامتناع عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع، يستهدف أساساً مرشحي النزاهة والجدية، أي قوى الإصلاح والتغيير».
ويرى كاتب الافتتاحية أن «لعبة الشعبوية البدائية والطفولية المنتشرة هذه الأيام، وخصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قد تكون لعبة جديدة من ألاعيب التيارات والأوساط المستفيدة منها، أو التي من شأن الإقبال الشعبي المكثف على التصويت أن يضر بمصالحها الانتخابية».
ويلاحظ أنه «في سياق هذه اللعبة المكرورة، يتحرك بعض الذين يسمون (مؤثرين) أو(مؤثرات) وكان قد جرى النفخ فيهم في مناسبات عديدة من قبل، واليوم انضموا إلى دائرة المنخرطين في اللعبة إياها، وعدد منهم يحركهم هاجس تصفية هذا الحساب أو ذاك، أو أنهم يعانون من توقف (العلف) عنهم أو (النفخ) فيهم، وهم يعرضون (السيفي) من جديد طلباً للتوظيف، وفِي كل الأحوال جميعهم يفضحهم قصور نظر بارز في كتاباتهم أو تعليقاتهم، وافتقارهم للمعرفة، مقابل ارتهان مرضي واضح لأنانية صبيانية، وكونهم لا يرون البلاد والسياسة والأشياء إلا باللون الذي يرضي مزاجيتهم وحاجتهم، ولا يعرضون أي تصور لمستقبل البلاد أو بديل موضوعي للواقع».
وطرح محتات الرقاص التساؤلات التالية: «ما معنى اليوم أن يروج بعض هؤلاء الصغار أو المنخرطين في لعبة الأجندات للمقاطعة، فقط من خلال نقد إطلاقي وسطحي للأحزاب، ولا يهتمون مثلاً لا بالقوانين الانتخابية ولا بسلوك الإدارة والسلطات؟ ما معنى التركيز بشكل مرضي على القوى الديمقراطية والتقدمية دون سواها، ومقاربة واقعها منفصلاً عن تاريخها أو عن المسار التاريخي للصراع السياسي في بلادنا؟ وما معنى اختصار الانتخابات والعملية الديمقراطية برمتها في صراع أشخاص؟ وما معنى مقاربة كل هذه المواضيع السياسية من دون معرفة أو إلمام ونشر السطحية حد اعتبار الرشوة الانتخابية إحساناً مشروعاً وعملاً اجتماعياً مبرراً في فهم هؤلاء؟».
واستطرد قائلاً: «شعبنا مقبل على استحقاقات انتخابية لن تكون كسابقاتها، وأوضاع بلادنا ومحيطها الإقليمي والدولي تطرح أمامها اليوم عديد تحديات، ومن ثم ضروري السعي لكسب الرهان الديمقراطي، وتمكين بلادنا من مؤسسات ذات مصداقية ونجاعة وفاعلية، وتستطيع الإسهام في تقوية نفس ديمقراطي واسع، وتعزيز مسار التنمية، وأيضاً الاستقرار وتعبئة المجتمع حول القضايا الوطنية الكبرى. لكل هذا، يجب على شعبنا وشبابنا الإصرار على حق التصويت والمشاركة في الانتخابات، والتعبير عن الرأي الشعبي، والبداية يجب أن تكون هذه الأيام من خلال التسجيل في اللوائح الانتخابية ومراقبة السير العام لهذه العملية».
وخلص كاتب الافتتاحية إلى القول «إن التمسك بالحق في التصويت هو، في نفس الوقت، رفض لأن يمارس أحد آخر هذا الحق بدلاً عنا، ورفض لترك المكان فارغاً لكي يستطيع الآخرون ممارسة اختيارات سياسية لم نعبر عن رأينا فيها. الانتخابات، مناسبة لنعبر عن رأينا، ولنقول كلمتنا، ولنختار من يمثلنا، فلنشارك إذن، ولنتمسك بحقنا ولا نتنازل عنه أو نفرط فيه أو نبيعه».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: