خطط المغرب للتحول إلى قوة إقليمية تشترط تغيير نموذج التنمية

La rédaction

وضع المغرب نموذجا تنمويا جديدا يستهدف تغيير وجه المملكة بحلول 2035 وجعلها قوة إقليمية وازنة تحت شعار “تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع”، غير أن تحقيق هذا الطموح يستوجب إحداث تغييرات اجتماعية شاملة في ظل استمرار إحساس المواطنين بعدم المساواة وغياب العدالة الجبائية.

وفي 27 مايو الماضي أعلن المغرب تفاصيل برنامجه الجديد للتنمية الاقتصادية الذي يمتد حتى 2035 في مسعى لإعادة الزخم للبلد واقتصاده وموقعه الجغرافي بوابة لأفريقيا.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقدته بالرباط “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي” التي شكلت بقرار من العاهل المغربي الملك محمد السادس في 12 ديسمبر الماضي.

انتقد كثيرون عدم كفاية الدعم المقدم للثقافة والابتكار والتنوع الاجتماعي والثقافي، فضلا عن ضعف المشاركة في التسيير العمومي

وتضم اللجنة 35 عضوا عينهم العاهل المغربي وهم من كبار مسؤولي الدولة وخبراء وأكاديميين، وكفاءات وخبرات من خارج الطيف السياسي والحزبي المغربي، منهم مقيمون داخل البلاد وآخرون يعيشون خارجها.

وتأتي هذه المتغيرات في ظل انكماش الاقتصاد المغربي بنسبة 6.3 في المئة في 2020 تحت ضغط جائحة كورونا، ويتوقع صندوق النقد الدولي نموا بنسبة 4.5 في المئة هذا العام.

ولأجل تحقيق الأهداف المرجوة يضع النموذج عددا من المؤشرات والأهداف العملية، منها مضاعفة نصيب الفرد من الناتج الداخلي الخام في غضون 15 عاما من 7800 دولار حاليا إلى 16 ألفا بحلول 2035.

ولتحقيق هذا الطموح فإن البلاد مطالبة بتحقيق نمو سنوي متوسطه 6 في المئة مقابل 3 في المئة في المتوسط حاليا، في وقت تشهد فيه الاقتصادات العالمية تذبذبات حادة بسبب ارتفاع المخاطر الاقتصادية الجيوسياسية والصحية.

كما يستهدف النموذج زيادة حصة الاستثمار الخاص من 35 في المئة حاليا إلى 65 في المئة عام 2035، ما سيمكن المغرب من الاقتراب من مستويات البلدان المتقدمة.

ولتحقيق هذا الهدف فإن البلاد مطالبة بزيادة تنافسية الاقتصاد المحلي في وقت بدأت غالبية دول العالم تنفيذ تعديلات على قوانين الاستثمار تتضمن حوافز وتسهيلات لجذب رؤوس الأموال المتراكمة خلال الجائحة.

شكيب بنموسى: علينا تشجيع الفاعلين على تعبئة قدراتهم لدعم التحول الإنتاجي

وللاستفادة من نسب التضخم العالمية الصاعدة بفعل زيادة الطلب على الاستهلاك، يطمح المغرب إلى زيادة عدد الشركات المصدّرة السلع والخدمات بنسبة 100 في المئة إلى 12 ألف شركة. كما يستهدف نموذج التنمية تخفيض تكلفة الطاقة الموجهة للصناعات ذات الكثافة الطاقية إلى 0.5 درهم لكل كيلووات/ ساعة.

ويصطدم هذا الطموح بارتفاع أسعار النفط الخام وعودة مستويات ذروة عامين إلى 72 دولارا حاليا وسط توقعات بوصوله إلى 80 دولارا بحلول 2022، إلا أن تبني الطاقة المتجددة سيسهل تحقيق الهدف.

ويرى المغرب أن تكثيف جهود إدراج الشركات بالبورصة أمر هام لجذب استثمارات محلية وأجنبية في الأسهم من خلال زيادة عدد الشركات المدرجة من 76 إلى 300، وسط طغيان الشركات العائلية الرافضة للإدراج حاليا.

وفي وقت سابق قال رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي شكيب بنموسى “يجب وضع سياسة شراكة بين القطاعين العام والخاص لتشجيع الفاعلين على تعبئة قدراتهم من أجل المساهمة بشكل فعال في التحول الإنتاجي للاقتصاد الوطني، وإطلاق علامة ‘صنع في المغرب’ عالميا”.

وفي أحدث خطوات الحكومة لمتابعة هذه الخطط متابعة لصيقة تم إطلاق لجان تخطيط للقيام بتشخيص دقيق وموضوعي للوضعية الحالية بالبلاد، وتحديد جوانب القوة والاختلالات التي يجب معالجتها وفق رؤية مشتركة لتحوّل اقتصادي على أسس مبتكرة وإصلاحية.

وتتجلى خصوصية هذه اللجنة في القيام بمهمة ثلاثية تتمثل في إعادة التقويم ضمن منهجية استباقية واستشرافية من أجل تمكين البلاد من الاتجاه نحو المستقبل بكل ثقة، مع الاعتماد على مختلف المكاسب التي حققها الاقتصاد المغربي خلال السنوات العشرين الماضية.

وكشفت جلسات الاستماع للجنة المتخصصة في متابعة ملف نموذج التنمية الجديد بخصوص مواضيع الصحة والتربية والحماية الاجتماعية لدى المغاربة، أن العديد يشكون من الشعور بعدم المساواة.

وبخصوص الحريات العامة سجل الأشخاص الذين شملتهم الاتصالات اختلالات مختلفة مثل ضعف الحوكمة الرشيدة وانتشار الرشوة والاقتصاد الريعي وتضارب المصالح.

وانتقد كثيرون عدم كفاية الدعم المقدم للثقافة والابتكار والتنوع الاجتماعي والثقافي، فضلا عن ضعف المشاركة في التسيير العمومي، مع تقوية أدوات الرقابة والإشراف على وجه الخصوص.

وحث جزء كبير من السكان أيضا على أخلقة الحياة العامة، وذلك من خلال تجسيد مبدأ المساءلة، باعتباره مبدأ أساسيا للحوكمة الرشيدة ويشكل إحدى دعامات نظام ديمقراطي حقيقي وناجع. وفي ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية ركزت جميع الانتظارات على جعل الاقتصاد في خدمة المجتمع وتحسين الإنتاج المحلي.

لتحقيق هذا الطموح فإن البلاد مطالبة بتحقيق نمو سنوي متوسطه 6 في المئة مقابل 3 في المئة في المتوسط حاليا، في وقت تشهد فيه الاقتصادات العالمية تذبذبات حادة

وتساهم العديد من المؤسسات في الجهود المبذولة من أجل وضع تصور لهذا النموذج، لاسيما المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والذي أكد أنه على الدولة أن تضمن توفير رعاية صحية جيدة تغطي كافة التراب الوطني، وتؤمّن حقوق المواطنين في عدالة نزيهة وموثوقة.

ودعا إلى ضمان كرامة المتقاضين وحرياتهم وحقوقهم الأساسية، وحق المواطنين في خدمة نقل عمومي جماعي آمنة وذات جودة، علاوة على أنه يجب أن يُكفل حق المواطن في سكن لائق وحياة كريمة، مع إعطاء الأولوية للولوج إلى الثقافة والرياضة من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتجهيزات وتنمية المواهب.

وبالتزامن مع هذه الخطة طالب فاعلون في المجال الاقتصادي بتسريع الإصلاح الضريبي، وتعزيز التوازنات المالية من خلال إصلاح ضريبي يوسع المحصول الجبائي مما سيمكن من إعادة ضخ موارد مالية في النشاط الاقتصادي وبالتالي مكافحة الغش والتهرب الضريبي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: