داعش يسعى للزعامة في أفريقيا بالهيمنة على الساحل والصحراء

النجار

يسعى داعش لبسط هيمنته على منطقة الساحل الأفريقي بهدف إقامة دولته البديلة المزعومة عوضًا عن تلك التي تهاوت في سوريا والعراق، بما ينبئ بأن مواجهات ستشتعل قريبًا بينه وبين غريمه تحالف نصرة الإسلام والمسلمين الموالي للقاعدة. ويراهن التنظيم على ما حققه من تطور على المستويين العسكري والميداني عبر كوادر تمتلك خبرات عملياتية متطورة.

شعر تنظيم داعش للمرة الأولى خلال الأيام الماضية أنه بإمكانه تحقيق زعامته الجهادية في أفريقيا بعد منافسة ممتدة ومحتدمة مع غريمه تنظيم القاعدة في ظل الأزمات المتعددة التي تضرب بعض دول القارة.

صار للفكرة ما يبررها خاصة بعد النجاح اللافت الذي حققه داعش عبر فرعه في غرب أفريقيا ليس فقط في ما يتعلق بعملية قتل زعيم بوكو حرام الشرس أبوبكر شيكاو الذي لم تتمكن منه القوات النيجيرية لما يزيد عن عشرة أعوام من المواجهة، إنما الأهم هو انتقال سرايا داعش من قواعدها إلى الشرق حول بحيرة تشاد، حيث تتمركز حاليًا داخل أحراش غابة سامبيسا الشاسعة.

بات هدف داعش القديم منذ حط رحاله داخل أفريقيا في متناوله للمرة الأولى، وهو الربط بين مناطق نفوذه وإحكام سيطرته على جغرافيا شاسعة متصلة تتمتع بأهمية إستراتيجية واقتصادية قصوى تتمثل في منطقة الساحل الأفريقي، مع وجود مناطق حدود طولية مشتركة بين كل من نيجيريا وتشاد ومالي وليبيا، علاوة على بوركينا فاسو.

قياسًا على ما حدث في نيجيريا يتطلع قادة داعش إلى إنهاء تفوق القاعدة الذي امتد لسنوات بمنطقة الساحل وولوجها من بابها الواسع وإحكام السيطرة عليها، وقد أثبتت المواجهة الأخيرة مع مجموعة أبوبكر شيكاو التفوق النوعي لداعش في القتال، فضلًا عن التمكن من اختراق بوكو حرام واستقطاب عناصر مهمة داخلها وضمها إلى صفوفه.

من شأن هذا التطور أن يُنظر إليه باعتباره تحولًا في ميزان القوى بين التنظيمين، بالنظر إلى ما يمكن أن يُحدثه من تغييرات في خارطة التنظيمات المتطرفة المسلحة في كافة أنحاء القارة.

تأتي أهمية هذا التحول إذا تم وضعه في إطار خطط داعش الكبرى المتعلقة بتطوير نفوذ فرعه القوي في الصحراء الكبرى بمنطقة الحدود المشتركة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو وبسط الهيمنة الجهادية على الساحل الأفريقي الممتد على طول خمسة آلاف كيلومتر أسفل الصحراء الكبرى ويشمل المسافة من المحيط الأطلنطي إلى البحر الأحمر.

استنساخ التوسع

يعني مخطط استنساخ توسع داعش في نيجيريا وغرب أفريقيا بمنطقة الساحل والصحراء أن هناك مواجهات سوف تشتعل قريبًا بين داعش وتحالف نصرة الإسلام والمسلمين الموالي للقاعدة بقيادة إياد أغ غالي خاصة أن هناك مناوشات جارية بين الطرفين منذ ما يزيد عن العام ونصف العام بعد فترة طويلة من التعايش بينهما.

الثقة التي دبت في أوصال داعش بعد إنجازه النوعي على حساب بوكو حرام في نيجيريا بجانب حالة التفكك الداخلي التي ضربت جماعة أنصار الإسلام وأدت إلى تراجع أنشطتها، علاوة على الظروف المواتية المتعلقة بالاضطرابات السياسية داخل دول مهمة، كلها لعبت دورًا حيويًا في مكافحة الإرهاب مثل تشاد ومالي، ما يزين في أعين داعش المبادرة لاقتناص الفرصة لبسط هيمنته بمنطقة الساحل الأفريقي بهدف إقامة دولته البديلة المزعومة عوضًا عن تلك التي تهاوت في سوريا والعراق.

وتضمن المؤشرات القادمة من منطقة الساحل والصحراء تحقيق داعش لنسبة عالية من النجاح بشأن مسعاه لتعميم ما أنجزه في شمال شرق نيجيريا؛ حيث اعترى الضعف جماعة أنصار الإسلام وانشق عنها الكثيرون ممن فضلوا الانضمام لتنظيم الدولة في الصحراء الكبرى.

عدل هذا التحول موازين القوى بين داعش الذي كسب أرضية ومناصرين من جهة وتحالف نصرة الإسلام والمسلمين بجانب جبهة تحرير ماسينا من جهة أخرى، والأخيرة تحديدًا كان موكولًا لها ولقائدها أمادو كوفا من قبل قيادات القاعدة إنهاء نفوذ داعش أو أقله تقليصه بمنطقة الساحل الأفريقي.

قادة داعش يتطلعون إلى إنهاء تفوق القاعدة بمنطقة الساحل وولوجها من بابها الواسع وإحكام السيطرة عليها

على الرغم من قوة تحالف نصرة الإسلام والمسلمين بالساحل والصحراء الذي يُعد المظلة الكبرى للقاعدة بالمنطقة ويضم إمارة القاعدة في المغرب الإسلامي وجماعة أنصار الدين بقيادة إياد غالي وجماعة المرابطون وجبهة تحرير ماسينا، إلا أن داعش يراهن على ما حققه من تطور على المستوى العسكري والميداني عبر كوادر تمتلك خبرات عملياتية متقدمة بمن فيهم أبوالوليد الصحراوي، أو على مستوى الانتشار المجتمعي من خلال سياسات تحرص على كسب ولاء قطاعات محلية واسعة.

بدت الأرضية مهيأة مؤخرًا لصراع موسع لحسم الهيمنة الجهادية في الساحل والصحراء بعد حسمها نسبيًا في شمال نيجيريا، بالنظر إلى مستويات العمليات على الأرض وأعدادها، حيث شن داعش أكثر من ستين هجومًا خلال العامين الماضي والحالي ضد تمركزات القاعدة في أفريقيا الغربية بمنطقة الساحل.

داعش الذي يضم الكثير من الأعضاء السابقين في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من ذوي المهارات القتالية العالية والذين مثّل تحولهم إلى داعش عام 2014 ضربة معنوية قوية للقاعدة في هذا التوقيت، لا يغفل الآن أهمية هز ثقة عناصر القاعدة عبر شن حرب دعائية موجهة تقودها صحيفة النبأ المعبرة عن التنظيم والتي وصفت في عددها الأخير مقاتلي القاعدة في مالي وبوركينا فاسو بالمنافقين والمرتدين.

يتوخى داعش في الساحل والصحراء استخدام تكتيكات نظيره في غرب أفريقيا التي أوصلت لانضمام مقاتلي بوكو حرام إلى المنتصرين وللسيطرة على مخزون أبوبكر شيكاو من الأسلحة والأموال، علاوة على ما تحقق على المستوى الإستراتيجي والمتمثل في الاستيلاء على أراضي بوكو حرام في شمال شرق نيجيريا، وهو ما يطمح داعش لتحقيقه في إقليم أكثر أهمية يضم نقاطًا ساخنة من شمال ووسط مالي إلى الحدود الليبية.

يُعبر اتجاه داعش للتوسع في الساحل والصحراء على حساب مناطق القاعدة ونفوذه بعدما حققه في نيجيريا عن محور الصراع الرئيسي بينهما وهو الاستحواذ على مصادر التمويل، حيث تتمتع هذه المناطق بداية من السنغال وموريتانيا على ساحل المحيط الأطلسي عبر مالي والنيجر وتشاد إلى السودان وإريتريا على البحر الأحمر والصحراء بأهمية إستراتيجية نظرًا لموقعها المتميز ولامتلاكها احتياطات هائلة من الثروات الطبيعية والمصادر الحيوية.

اضطراب سياسي

Thumbnail

توفر التنظيمات المسلحة لنفسها بهذه المناطق أكثر من مصدر لتمويل أنشطتها وعملياتها، لاسيما عبر اختطاف الرهائن وفرض الضرائب والإتاوات فضلًا عن تهريب البشر.

يستغل داعش موجات الاضطراب السياسي المتتالية بدول الساحل الأفريقي ويجدها فرصة لتحقيق طموحاته وأهدافه بالنظر للانقلاب الذي تكرر في مالي عدة مرات وللحرب الدائرة في تشاد والتي أدت إلى مقتل الرئيس التشادي مؤخرًا، وهما دولتان لعبتا أدوارًا مهمة في مكافحة الإرهاب وكبح تمدد داعش في غرب ووسط أفريقيا.

انشغال العسكريين بالسلطة في مالي وانشغالهم في تشاد بقمع المتمردين المحليين من جبهة التغيير والوفاق وغيرهم، فضلًا عن العقبات المتزايدة التي تواجهها جهود فرنسا والأطراف الغربية في سياق حملة مكافحة الإرهاب بدول الساحل الخمس، جميعها متغيرات تنعش آمال داعش في تصعيد هجماته ليس فقط ضد القوات الغربية والقوات المحلية، إنما أيضًا ضد معسكرات القاعدة، في سياق مساعي الحصول على السمعة الدولية وكسب المزيد من النفوذ والأراضي.

يتطلع تنظيم داعش إلى استقطاب العديد من المقاتلين والعناصر المنضوية تحت لواء جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تشكلت نتيجة الاندماج مع القاعدة بمنطقة الساحل وتضم قرابة الألفي عضو، خاصة بعد فقدان القاعدة لأهم قادتها المؤثرين، وعدم مقدرة قادته الحاليين على احتواء تطلعات منافسيه وإيقاف نزيف الخلافات والانشقاقات داخله.

في الوقت الذي يتمتع فيه داعش بترابط تنظيمي وبقادة يقبضون بإحكام على مقاليده مثل القيادي المخضرم أبوالوليد الصحراوي، يعاني القاعدة من نزاعات بين قادة تحالف نصرة الإسلام والمسلمين، خاصة بعد مقتل عبدالملك دروكدال “أبومصعب عبدالودود” في يونيو العام الماضي، حيث يرى كل من أمادو كوفا وإياد غالي أن اختيار خلف دروكدال أبوعبيدة يوسف العنابي لا يعكس موازين القوى على الأرض وداخل التنظيم.

وقابل تطور داعش السريع على المستوى التنظيمي والقيادي تراجع كبير للقاعدة نتيجة التناحر العرقي والتنافس بين القيادات العربية والأفريقية داخله وفقدان القدرة على الربط بين خلاياه.

وبعد أن كان هدف داعش في الساحل والصحراء هو إثبات الوجود أمام القاعدة ما جعله يراوح بين فترات طغت خلالها الرغبة في التنسيق وتقاسم مناطق النفوذ ومناطق تنفيذ العمليات وأخرى دافع خلالها داعش عن نفسه ضد محاولات القاعدة السيطرة بشكل كامل على تلك المنطقة، صار فرع تنظيم الدولة في الساحل والصحراء مؤخرًا يبادل القاعدة خططه الهادفة للإزاحة الكاملة للآخر لاحتلال مناطقه والاستيلاء على موارده.

ربط قائد داعش في الصحراء الكبرى أبوالوليد الصحراوي الآن بين مواجهته لعدوين رئيسيين؛ الأول القوات الفرنسية والأجنبية حيث اشتهر بأنه عدو فرنسا الأول، علاوة على تنظيم القاعدة الذي عده مؤخرًا في مقدمة أهدافه، وهو ما وضح من طبيعة ومستويات المواجهات التي قادها ضد القاعدة بداية من ديسمبر العام الماضي والتي سقط فيها المئات من القتلى والجرحى من الطرفين.

وغازل داعش المشاعر الأكثر تطرفًا حيال القوات الأجنبية بغرض اختراق صفوف القاعدة واستقطاب عناصره، ففي حين ترتكز دعايته الموجهة على التعبئة في سبيل استهداف القوات الفرنسية باعتباره جهادًا لا شبهة فيه ضد “الغزاة الصليبيين”، يروج في الوقت نفسه لضرورة قتال القاعدة نظرًا لتعاونه مع القوات الأجنبية الغازية.

تهديد وإحباط

Thumbnail

ما ظنه البعض خلال عام 2012 مجرد تمرد محلي محدود بشمال مالي اتضح خلال أقل من عقد أنه مخطط متطور استلمه داعش من القاعدة للتوسع والتمدد بطول منطقة الساحل الأفريقي وعرضها من شمال مالي إلى وسطها وشرقًا إلى النيجر وجنوبًا إلى بوركينا فاسو، ما يعني تحول المنطقة بأسرها إلى ميدان معركة بين القاعدة وداعش، بالتوازي مع معركة المتطرفين المسلحين في مواجهة الغرب.

تحبط هذه التحولات عزيمة وخطط الحكومات المحلية التي وضعت رهاناتها في سلة التفاوض مع التنظيمات الموالية للقاعدة أملًا في وضع نهاية للإرهاب وفي تحييد المجموعات المتطرفة لتوجيه جهد الحكومات وأجهزتها لملفات صحية واجتماعية واقتصادية وأمنية ملحة.

في حين يترتب على الصعود والتوسع الداعشي تنفيذ المزيد من الهجمات ضد القوات الفرنسية والغربية وهي الهدف المفضل لدى قادة داعش، وعلى ضوئه يصنعون دعاية متماسكة تستقطب من تعرضوا لهزات وزلازل فكرية ومنهجية داخل تنظيم القاعدة نتيجة تخلي الأخير عن نظرية قتال العدو البعيد وقبوله الانخراط في معاهدات صلح مع الحكومات المحلية.

يمكّن هذا التطور تنظيم داعش من الإيحاء بأنه بصدد تحقيق مشروعه الأيديولوجي العابر للحدود الذي فشل في المعاقل الرئيسية التي ظهر فيها، مبرهنًا على ذلك بقنوات الاتصال التي شقها بين منطقتي الساحل والصحراء وغرب أفريقيا.

وهي الرواية التي ستزداد رسوخًا ورواجًا في حال إذا انتقلت الفصائل الداعشية من ليبيا إلى منطقة الساحل والصحراء، بعد تسوية الأزمة في ليبيا وبناء المؤسسات الليبية وبعد بسط الجيش هيمنته على كامل التراب الليبي والقضاء على الحالة الميليشياوية الرائجة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: