الجزائر.. حملة انتخابية أم كرنفال سياسي؟

زناز

منذ بدء الحملة الانتخابية الخاصة بتشريعيات الـ12 من يونيو المبكّرة وتوالي الظهور البهلواني الغريب لبعض المرشحين والناس في الجزائر يتساءلون عن القيمة السياسية والأخلاقية للبرلمان المقبل ومدى أهلية هؤلاء المتقدمين في القيام بالدور الرقابي والتشريعي المنوط بهم.

في الحقيقة لا تثير الحملة الانتخابية اهتمام الجزائريين، وكأنما هي أمر لن يحدث، فهم يرفضون إجراء انتخابات تشريعية في جو سياسي مكهرب تتكاثر فيه الاعتقالات والمحاكمات ويتم فيه تكميم الأفواه. “لا انتخابات مع العصابات” صرخ المتظاهرون في أغلب المدن الجزائرية منذ الـ22 من فبراير 2019 قبل أن يستعمل النظام القوة لمنع تلك المسيرات منذ نهاية شهر أبريل الماضي.

ومع انسحاب النخب السياسية ومقاطعتها لهذه الانتخابات انتخابا وترشحا ومع قلة المتقدمين، حاولت الحكومة جذب العاطلين عن العمل فأغدقت على كل مرشح دون الأربعين قيمة مالية قدرها 1500 يورو قبل بدء الحملة الانتخابية.

بالنسبة إلى منطقة القبائل فقد بات مؤكدا أن أي مكتب اقتراع لن يفتح هناك ولن تتسرب أي ورقة داخل الصناديق

وهكذا خلا الجو للكثير من المتطفّلين على المشهد السياسي والذين لم يعرفوا في حياتهم لا النضال ولا الاهتمام بالشأن العام، فجاؤوا مهرولين يبحثون عن فرصة العمر من أجل الانتفاع المادي لا أكثر. وكان من البديهي أن ينعكس ذلك على مسار الحملة الانتخابية ويبدو المشهد رديئا كئيبا مضحكا لم تعرفه البلد أبدا.

في وقت يتكالب فيه وحوش على النساء في الجزائر كما حدث أخيرا في برج باجي مختار والاغتصاب الشنيع الذي راحت ضحيته معلمات غادرن الشمال وجئن للعمل في الجنوب، يتصرف بعض رؤساء الأحزاب وبعض المرشحين لوظيفة “نائب عن الشعب” بطريقة مهينة للمرأة يندى لها جبين كل إنسان. فهذا الأمين العام لحزب الحكم الراشد يتحدث دون رشد عن النساء، بطريقة أقل ما يقال عنها إنها مبتذلة، قائلا إن حزبه رشح “الفراولة الممتازة” وليس تلك التي تُصدّر إلى جنوب أفريقيا، وهن لسن حسناوات فقط، كما يقول، بل بينهن مديرة ومهندسة ومتزوجة!

وفي احتقار كامل للقوانين والأعراف الانتخابية الجزائرية وضع حزب النهضة الإسلامي على ملصقاته الإعلانية الآنسة “ق. ل” مرشحة شبحا لا وجه لها ولا اسما . ويبدو أن هذا الحزب مازال يؤمن بأن صورة المرأة عورة.

يمارس جل المتدخلين في وسائل الإعلام تواصلا بدائيا وسخيفا في أحيان كثيرة حتى أصبح المواطنون يتتبعون سقطاتهم للتفكه والضحك لا غير.

وفي وقت يتكاثر فيه المشعوذون ويحاولون إسكات كل صوت عقلاني، وفي زمن الهجوم الإسلامي المتواصل على البلد يرسخ المرشحون ثقافة الشعوذة والسحر واللاعقلانية المدمرة. فهذا رئيس حزب جبهة التحرير الوطني يدخل في حديث مثير للشفقة عن رقم “سبعة” الذي جاءت به القرعة ليكون رمز حزبه فيقول إن الله هو الذي حباهم بهذا الرقم المبارك في الإسلام كإشارة ربانية ويذكر بعض الآيات التي جاء فيها ذكر هذا الرقم “سبع سماوات”، “السبع المثاني”، والجهاد في الثورة الجزائرية الذي استمر سبع سنين والطواف حول الكعبة سبع مرات. ولكن يبدو أنه لا يعرف القرآن أو يختار منه ما يناسبه فقط، إذ لم يذكر أن عدد أبواب جهنم سبعة وأن فيها سبع دركات ونسي أيضا أن حزبه (جبهة التحرير) هو الذي أوصل البلد إلى الدرك الأسفل.

مشهد كئيب

أما زعيم التجمع الوطني الديمقراطي فيقول إن القرعة أعطتهم رقم “خمسة” وهذا دليل على “طهارة حزبنا كالصلوات الخمس وأركان الإسلام الخمسة”، متناسيا أن مجموعة كبيرة من إطارات حزبه تقبع في السجن بتهمة الفساد وفي مقدمتهم رئيس الحزب السابق والوزير الأول أحمد أويحيى الذي اعترف أمام المحكمة بأنه كان يبيع سبائك الذهب في السوق السوداء.

وربما يستحق السعفة الذهبية في الشعبوية الدينية الرسمية وزير الشؤون الدينية والأوقاف السيد يوسف بلمهدي الذي يقول دون أدنى تحفظ أو تعقل إن “تارك الانتخابات كتارك الصلاة كلاهما سيحاسب حسابا عسيرا”.

يذكر المرشحون على اللوحات الانتخابية شهاداتهم الوهمية في أغلب الأحيان، ونجد أحدهم يذكر على اللوحة الإعلانية حتى المساجد التي عمل بها كإمام متطوع، وآخر يكتب أنه متحصل على الحزام الأسود في رياضة الكاراتيه. أما الإخواني رئيس حزب حمس عبدالرزاق مقري، فيقول في حملته إن اليهود يخططون لقتله لأنه أصبح يمثل خطرا على الصهاينة. فليفضحك المتفكهون. وربما أخطر ما في الأمر قول وزير بوتفليقة السابق بلقاسم ساحلي إنه في حالة فوز حزبه بالأغلبية سيرسل الجيش الجزائري لتحرير فلسطين! أما السلفي عبدالله جاب الله فيقول في تجمع “إننا ترشحنا من أجل إرضاء الله”.

أما بن قرينة، وزير بوتفليقة السابق أيضا، فيقول في تجمع عن اللاعب الجزائري رياض محرز إنه مجاهد في سبيل الله فقط لأنه رفع علم فلسطين على أرضية ملعب بريطاني!

أما ما يثير الاستغراب ويندى له الجبين فعلا فهو تنظيم بلدية أولاد خالد بسعيدة لزيارات إلى مراكز المسنين من أجل منحهم بطاقتي التعريف والناخب لاستغلالهم في المشاركة في انتخابات مرفوضة من طرف أغلبية الشعب الجزائري.

وتظهر هذه الانتخابات انتهازية بعض رؤساء الأحزاب الإسلامية والوطنية الذين رشحوا أبناءهم ليرثوا السلطة من بعدهم كابن عبدالرزاق مقري وحسن عريبي والصادق بوقطاية وبن قرينة.

مع انسحاب النخب السياسية ومقاطعتها لهذه الانتخابات انتخابا وترشحا ومع قلة المتقدمين، حاولت الحكومة جذب العاطلين عن العمل

وفي منظر كاريكاتيري نشاهد مرشحا يخطب بحماس كبير في قاعة كبيرة فارغة تماما ويقول إنه شخص مثقف لا ينقصه شيء سوى الجمهور في القاعة!

حملة أو “هملة” بمعنى تسكع، كما يسميها الجزائريون، موجودة على القنوات التلفزيونية المطبلة للسلطة ولا أثر لها على أرض الواقع، فلا إشارات ولا تظاهرات تدل على أن هناك حملة انتخابية فكأنها تدور في سرية وفي أماكن مغلقة.

أما بالنسبة إلى منطقة القبائل فقد بات مؤكدا أن أي مكتب اقتراع لن يفتح هناك ولن تتسرب أي ورقة داخل الصناديق.

ولكن كل هذا لا يهم السلطة لأنها أكدت على لسان الرئيس عبدالمجيد تبون منذ أشهر أنه مهما كانت نسبة المشاركين في الاقتراع ضعيفة، فإن ذلك لا يمنع من إعلان النتائج الرسمية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: