تداعيات فضيحة “غالي غيت”: المغرب أخد علما وسيتصرف بناء على ذلك

عبد الله بوصوف

يمكننا القول وعلى رؤوس الأشهاد، أن المغرب قد خرج منتصرا في جولة غالي/ بن بطوش، وأن التحقيق عن بعد انطلاقا من سرير بمستشفى إسباني مع مجرم حرب مطلوب للعدالة الإسبانية، يوم فاتح يونيو، هي مجرد مسرحية سخيفة ومكشوفة، تثير تساؤلات كثيرة حول استقلالية القضاء الإسباني.

ويكفي الرجوع لتصريح وزارة الخارجية المغربية ليوم 31 ماي للوقوف على مدى قوة القراءة المغربية للحظة التاريخية، حينما قدّرت بأن مثولالمدعو غالي أمام المحكمة العليا الإسبانية لا يعني المغرب، لأنه شأن داخلي يهم القضاء الإسباني والضحايا الإسبان لمجرم حرب بهويةمزورة يتواجد فوق التراب الإسباني.

الموضوع إذن، لا يعني المغرب لوحده مادام الرأي العام الإسباني والأوروبي والعالمي قد أخذ علما بتفاصيل الفضيحة وانكشفت أمامه واقعةتستر حكومة سانشيز على مجرم حرب؛ كما أنه لا يعني المغرب لأن سمعة القضاء الإسباني واستقلاليته هي المعنية بهذا الامتحان الحقوقيوالديمقراطي.

لكنه يعني من جهة أخرى، أن حكومة إسبانيا والكتائب الإعلامية والحقوقية والأحزاب العنصرية، ليست أهلا لإعطاء الدروس في الديمقراطيةوالعدالة وحقوق الانسان للمغرب، علما بأن المغرب، وكما أشرنا إلى ذلك في أكثر من مناسبة، لم يتدخل في القضاء الإسباني، بل طالب فقطبمحاكمة عادلة لإنصاف ضحايا كبير المرتزقة وحذر من التأثير على القضاء.

لقد أدار المغرب هذه الجولة من المعركة بكثير من الحنكة وأحرج حكومة سانشيز وجنرالات الجزائر. فعلى الرغم من الطابعالمسرحيللتحقيق القضائي لزعيم المرتزقة بإسبانيا، إلا أنه كان حلقة مهمة في معركةكسر العظاممع البوليساريو وحاضنتها الجزائر، كما أنه مرّغ في التراب سمعة حكومة سانشيز  ودُمْيةالجزائر.

فتفجّر الفضيحة داخل الحكومة الإسبانية وفي البرلمان الإسباني وتصدرها عناوين الإعلام الإسباني والأوروبي، بعد إيواء مجرم حرب وزعيم ميليشيا انفصالية تحمل السلاح على المغرب، جعل حكومة سانشيز على صفيح ساخن لمساسها الواضح بالمصالح الإستراتيجية لجارهاالجنوبي وتواطئها ضد وحدته الترابية، كما جعل من افتضاح أمر مقامغاليالسري بإسبانيا كابوسا دفع بجنرالات الجزائر إلى فتحأنابيبسونطراكعن آخرها لفائدة شركة المحروقات الإسبانيةريبصول، الأمر الذي من شأنه أن يؤجج غضب الشارع الجزائري الذي ينتظم في حراك هادر ثائر على فساد جنرالات الجزائر واستنزافهم لثرواته ومقدراته.

ليس دخول المدعو غالي كسلعة مهربة إلى إسبانيا قبل أن يكتشف أمره وحده ما يعتبر فضيحة، بل حتى السماح له بالهروب في نفس ليلة فتح التحقيق معه، مذعورا صاغرا جارا حقائبه المتعددة شكل فضيحة من عيار ثقيل، لأنه لا يظهر فقط عجز القضاء الإسباني عن اتخاذإجراءات احترازية تضمن تحقيق العدالة كالوضع تحت الحراسة النظرية أو سحب جوازيْه معا سواء باسمه الحقيقي أو هويته المزورة لمنعه من السفر الى حين اكتمال التحقيق، على الرغم من ثبوت جرائم التزوير في وثائق السفر الرسمية واختراق فضاء شنغن بطريقة غير قانونية،ولكنه فضلا عن ذلك، يفضح ذريعةتدهور وضعه الصحيالتي تمّ بها تبرير التحقيق معه عن بُعد، وهو التناقض الذي تظهره صُوَر وصوله في سيارة أجرة إلى المطار وجرّه لأمتعته بشكل عادي استعدادا للهروب تحت جنح الظلام، وهو ما كان المغرب ينبه إليه منذ انفجار فضيحة تهريب كبير الانفصاليين إلى إسبانيا بهوية مزورة.

وإذا كان المدعو غالي المتهم بجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، قد احتمى بظلمة الليل للفرار من عقاب جرائمه، فإن المؤكد هو أن هذهالجرائم ستظل تطارده حيثما حل وارتحل، لأن مثوله أمام القضاء الإسباني سابقة ستسجل في بطاقته العدلية، وسيكون بداية لمتابعاتقضائية جديدة ستلاحقه في كل تنقلاته خارج قصر المرادية وخيام تندوف وحيث ما وجد ضحاياه.

ومن ناحية أخرى، بات جلياً أن لعنةغالي غيتقد فضحت المعايير المزدوجة للحكومة الإسبانية، وعرت عن استراتيجيتها العدائية لكل ماهومغربي أو يصب في صالح المغرب من خلال الإشراف الشخصي لبعض أعضائها على تدبير تفاصيل دخول زعيم مليشيات البوليساريو للتراب الإسباني بهوية مزورة وبأيادي ملطخة بدماء المغتصبات والقتلى والمعذبين بوحشية في مخيمات الاحتجاز بتيندوف.

لذلك، لا يمكن للحكومة اليسارية الإسبانية ولكل كتائب الإعلام وأشباه الحقوقيين ودُعاة الكرامة بعد فضيحةغالي غيتأن تعطي الدروسلأي كان حول الديمقراطية والعدالة و الكرامة ونزاهة القضاء واستقلاليته؛ لأنه في الوقت الذي تدافع فيه حكومة سانشيز عن دمقرطة الذاكرةالجماعية ومحاربة كل آثار عهد فرانكو بما فيها حذف إسمه وألقابه من كل الساحات العمومية والشوارع والأزقة، نجدها تتجاهل وتهمل تحقيق العدالة والديمقراطية حين تتنكر لحقوق ودمقرطة ذاكرة الصحراويين المغاربة ضحايا المجرمغالي“.

لقد صادقت حكومة سانشيز في شتنبر 2020 على مشروع قانون يتعلق بالذاكرة والعدالة، والذي علق عليه سانشيز بتدوينة في توتير جاءفيها: “الذاكرة والعدالة والتعويض، يجب أن تكون قضايا الدولة. اليوم نتقدم بخطوة جديدة للاعتراف بضحايا الحرب الأهلية والديكتاتورية. اليوم نزيد من إغلاق الجروح ويمكننا التطلع للمستقبل بكرامة، لكن عندما تعلق الأمر بضحايا إسبان من أصل مغربي صحراوي يشتركونمع ضحايا عهد الجنرال فرانكو في التعرض للتعذيب والتقتيل والمقابر الجماعية والاغتصاب، يصير للذاكرة والعدالة والتعويض معانيأخرى، ويصبح للاعتراف بضحايا مجرمي الحرب والاقتصاص له من جلاديهم معنى آخر!

ولذلك، عندما نقول إن المغرب انتصر في جولةغالي غيت، فإننا ننطلق من حقيقة وقوفه بكل مؤسساته وقواه الحية منتصبا على أرضيةالإجماع الوطني بخصوص وحدته الترابية، في حين كان الجانب الإسباني على فوهة بركان سياسي قوي بين المعارضة والقوى الحية الإسبانية من جهة وحكومة سانشيز من جهة ثانية. فالمغرب لم يكن يوزع تُهم المؤامرة والتواطؤ ضد الوحدة الترابية المغربية دون دليل، بل كانالجانب الإسباني في كل خرجاته الإعلامية الانفعالية والعصبية يعترف بجزئيات المؤامرة ويتراجع للوراء.

كما يعني النصر أيضا جعل الجانب الآخر يشعر بالقزمية والدونية، وهو ما شعر به كل الذين شاركوا في جريمة التزوير لإدخال مجرمالحربغالي/بن بطوشإلى التراب الإسباني، كما شعر به جنرالات ومصاصي ثرواتسونطراكفي الجزائر.

إن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وهذه رسالة لم يفهمها الجانب الإسباني. ولذلك، ومن أجل فهم أفضل لها، تكفي الإشارة إلى أنه فيالوقت الذي كان المغرب يدير معركة قوية مع الأجهزة الأمنية و الحكومية لكل من الجزائر وإسبانيا مدعومة بسخاء من الذراع المكلف بشراءالذمم والمواقفسونطراك، فقد كان يعمل في الوقت نفسه على استكمال ورش التنمية من خلال إعداد وتقديم مضامين النموذج التنمويالجديد، كما كان يواصل حماية مواطنيه وكافة قاطنيه بعملية ضخمة للتلقيح العمومي والمجاني ضد كوفيد 19؛ صنفت ضمن الأنجح والأنجععلى المستوى الدولي، كما كان مشغولا في الوقت ذاته بإنجاح مناوراتالأسد الافريقي 21″ التي تنظمها القيادة العسكرية الأمريكية فيإفريقيا AFRICOM بمشاركة 8 دول و 10 آلاف عسكري من المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، والتي ستقام لأول مرة فوق مناطقالصحراء المغربية، وستعرف متابعة إعلامية هامة، علماً بأنمناورات الأسد الإفريقي 21″ تحمل رسائل سياسية هامة من ضمنها إلغاءمشاركة إسبانيا في المناورات العسكرية المغربية الأمريكية فوق أراضي الصحراء المغربية، وهي رسالة جديدة مفادها أن المغرب أخذ علمابذلك وسيتصرف بناء على ذلك.

اترك رد

تعليق 1
  1. عبدالحكيم عبدلاوي يقول

    ايزبلا عمق تاريخي و عقم سياسي:

    قبل شهرين من وفاتها 1504م أوصت ملكة قشتالة ايزبلا وصية رسمت من خلالها العلاقة الاسبانية المغربية ما بعد الأندلس.
    هذه الطاغية التي جمعت الطغيان و الحقد لتمثل السادية المعمالاتية تجاه المغاربة خاصة و المسلمين و اليهود بصفة عامة لانشاء محاكم التفتيش و ما رافقها من فقىء العيون و بقر البطون و أساليب أخرى يشيب لها الولدان. تلك قيم الإنسانية و رحمة قداسة الكنيسة . فكانت الوصية الشيطانية أمرا بحكم الكنيسة المطلق في اسبانيا و تنصير المغرب و شمال أفريقيا. و أمرت بأن يفعلوا ما بوسعهم لإبقاء المغرب فقيرا هزيلا مريضا مشتتا و جاهلا لان خراب المغرب من صالح المملكة القشتالية. هذه الوصية قام بترجمتها الأستاذ علي الريسوني التطواني.
    ذاك ما لاحظناه منذ العهد الوطاسي حيث كان لإسبانيا الدور الفعال في تمزيق المغرب و اضعافه كخطوة مرحلية لرسم حملتها الاستعمارية فكانت سبتة و مليلية و باقي الجزر ضحية هذه المؤامرة الشنيعة.لازال المغرب منذ ذلك الحين إلى يوما يسعى جاهدا للتخلص من هذآ العبىء التاريخي لاستكمال وحدته الترابية و بسط سيادته الكاملة على أراضيه السليبة.
    دوافع أخرى جعلت اسبانيا منذ نشأتها ككيان لقيط تتخذ من المغرب عدوا كلاسيكيا لا ينسى و لا يغفل عنه بالرغم من محاولة الطرف المغربي توطيد عنصر الصداقة و حسن الجوار و المعاملة الودية و غظ النضر عن أسلوب الحياكة و الاستعلاء كتعبير عن حسن النية.
    ربما كان دافعا خرافيا لكنه متاصل في فكر الحكماء و المنظرين الاسبان أن بقاءهم في سبتة حفاظ على بقاء دولة اسبانيا. و السر أن المغاربة الفاتحين دخلوها عبر سبتة و سيدخلونها لاحقا عبر سبتة. لذا وجب دفعهم في سبتة ذاتها.
    حان وقت المطالبة باسترجاع المدينتين المحتلتين و باقي الجزر طالما بان ضعف الطرف الاسباني و انهارت قيمه المزيفة انسانيا و قانونيا و سياسيا بعدما أصبح يأوي المجرمين و يدوس دستورية القوانين و يعقد إتفاقيات الخداع لتهريب المجرمين خارج الاتحاد الاوروبي.
    لقد فشل عزمهم و انكشفت عورتهم فأصبح للمغرب كامل الصلاحية في اتخاذ الإجراءات الأحادية الجانب للمطالبة بحقه الترابي و السيادي بالطرق المتاحة مرحليا كالوساطة و المحاكم الدولية و الأمم المتحدة…
    لا خير في ودّ امرئ متملّقٍ
    حلو اللسان وقلبه يتلهب
    يعطيك من طرف اللسان حلاوة
    ويروغ منك كما يروغ العقرب

%d مدونون معجبون بهذه: