المغرب يرسم خطا أحمر لعلاقاته الخارجية: لا سكوت عن أيّ مس بمغربية الصحراء
La rédaction
وضع المغرب، من خلال الأزمة مع إسبانيا على خلفية وجود إبراهيم غالي زعيم البوليساريو على أراضيها، خطوطا حمراء مستقبلية أمام المتعاملين مع وحدته الترابية. وأرسل رسالة واضحة على أن الرباط لن تقبل أيّ مناورات للفصل بين قضية الصحراء وبين التعاملات الاقتصادية أو الأمنية مع أيّ جهة إقليمية أو دولية.
وأظهر التصعيد الأخير مع إسبانيا أن المغرب يمتلك الكثير من الأوراق التي تجعل الآخرين يضعون حسابا لمواقفه ومصالحه، وأهمها الدور الاستراتيجي الذي يلعبه مع الجانب الأوروبي بشأن مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وهو إلى ذلك شريك اقتصادي ذو وزن.
واعتبر محللون أن خروج غالي من إسبانيا لم يكن ليتم لولا الضغط المغربي الذي دفع مدريد إلى البحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه، وبدل من طرده تحت الضغط أحالته إلى مساءلة قضائية سريعة تم من خلالها إخراجه من التراب الإسباني.
وأشاروا إلى أن الأهم هو قطع الطريق على زيارات مماثلة، وأن مدريد لن تتجرأ في المستقبل على قبول أيّ عنصر من البوليساريو سواء بشكل معلن أو مقنع مثلما جرى في حادثة غالي، وأن الرسالة كانت موجهة أيضا إلى الجزائر التي ستجد نفسها مضطرة للتوقف عن هذه الألاعيب التي تستثمر فيها صمت الأوروبيين وتتحايل على قوانينهم.
ولفتوا إلى أنه لا أحد كان يتوقع أن ينتهي التصعيد إلى مواجهة، لكنّ الجميع راهنوا على نتائج الضغوط الدبلوماسية، وهو ما ربحته المغرب بالرغم من استنجاد إسبانيا بالاتحاد الأوروبي ومحاولة تحويل مثار الخلاف إلى القضايا الحدودية ومسألة الهجرة.
وقابل المغرب الانحياز الأوروبي لإسبانيا برد قوي مستفيدا من نجاحه في كسب الدعم الأميركي لموقفه من قضية الصحراء ووحدة أراضيه.
وكان زعيم البوليساريو قد وصل إلى إسبانيا بسريّة تامّة في الثامن عشر من أبريل الماضي في طائرة طبية وضعتها في تصرفه الرئاسة الجزائرية وبحوزته “جواز سفر دبلوماسي”. ثم أدخل وهو في حالة حرجة الى مستشفى لوغرونيو باسم مستعار “لأسباب أمنية”.
وفي التاسع عشر من مايو الماضي، وبعد استدعاء الرباط لسفيرتها في مدريد، اتهم مارغاريتيس شيناس نائب رئيسة المفوضية الأوروبية المغرب بـ”ابتزاز” أوروبا عبر ملف الهجرة.
وقال شيناس في تصريح إذاعي “لا أحد يستطيع ترهيب الاتحاد الأوروبي أو ابتزازه (..) في ملف الهجرة”، في إشارة واضحة إلى المغرب.
وجاء الرد المغربي قويا، إذ نشرت وكالة الأنباء المغربية مقالا تحت عنوان “عندما يخرج الاتحاد الأوروبي عن جادة الطريق في الأزمة بين المغرب وإسبانيا”، وشنت هجوما حادا على الاتحاد متهمةً إياه بـ”التسلط والغطرسة” و”الدفاع عن الاستعمار”.
وأضافت أن الاتحاد “زج بنفسه في الأزمة القائمة بين مدريد والرباط، ليس للتنديد باستقبال مجرم حرب على التراب الأوروبي، ولكن للدفاع عن أوروبية الثغرين المغربيين المحتلين سبتة ومليلية”.
وتساءلت مستنكرةً “كيف يمكن للاتحاد الأوروبي المنغمس في حسابات سياسية ضئيلة أن ينسى في جزء من الثانية جهود المغرب في تدبير أزمة الهجرة بروح من المسؤولية والرصانة والوفاء تجاه شركائه”.
ووجد الموقف المغربي دعما لافتا من داخل أوروبا نفسها، حيث ارتفعت أصوات تدعو إلى التهدئة والأخذ في الاعتبار أن المغرب حليف استراتيجي، ودوره لا غنى عنه في التنسيق الأمني في ملفات حساسة بالنسبة إلى أوروبا سواء في ما تعلق بالحرب على الإرهاب أو الهجرة.
وأكد وزير الدفاع الإسباني الأسبق خوسيه بونو والمسؤول السابق عن مصالح الاستخبارات الإسبانية الأهمية الأساسية للمغرب في مكافحة بلاده للشبكات الإرهابية المتطرفة.
وقال بونو في تصريحات تلفزيونية “بصفتي وزير دفاع سابق ورئيسا سابقا لمصالح الاستخبارات أود التأكيد أنه بفضل المملكة المغربية تمكنت إسبانيا من اعتقال العديد من الإرهابيين المتطرفين، وبفضل المغرب تمكنّا من تفادي اعتداءات قاتلة”.
وقال المعلق السياسي اللبناني خيرالله خيرالله إنه إذا كان من درس يمكن استخلاصه من الطريقة التي تخلصت بها إسبانيا من إبراهيم غالي فإن هذا الدرس يتمثل في أن المغرب يمتلك ما يدافع به عن نفسه وعن مصالحه. وهذا لا ينطبق على إسبانيا وحدها، بل على الدول الجارة والدول الأوروبية أيضا التي يفترض بها التخلي عن التعاطي بخفة مع دولة ذات مؤسسات عريقة وراسخة.
وتساءل خيرالله هل تعلمت إسبانيا شيئا من التجربة التي مرت فيها مع المغرب، ليخلص إلى التأكيد على أنه من الواضح أنها تعلمت أن التحرش بالمغرب لا يمكن أن يمر مرور الكرام بعد الآن.
واعتبر خالد الشرقاوي السموني مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية المغربي أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، فالانجازات السياسية والاقتصادية التي حققها المغرب على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، فضلا عن استقراره الأمني في ظل بيئة إقليمية مضطربة شمال أفريقيا، جعلته يتبوأ مكانة معتبرة ضمن المنتظم الدولي.
وأضاف السموني أنه رغم أن المغرب كان دائما يمد يده إلى إسبانيا لإقامة علاقات أخوية في ظل شراكة تخدم مصالح البلدين، إلا أن إسبانيا لم تحترم العلاقات الثنائية عندما استقبلت عدوا للمغرب على أراضيها، و أكثر من ذلك قامت بإدخاله بهوية مزورة.
ولفت إلى أن تقلبات الدبلوماسية الإسبانية وعدم تجانس مواقفها تجاه المغرب قد تكون لهما تداعيات على العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في المجال الأمني ومكافحة الهجرة غير الشرعية، لأن المغرب دولة ذات مواقف ثابتة لن تقبل بأيّ سلوك أو تعامل يمس بوحدتها الترابية وسيادتها الوطنية.