الخلافات مع إسبانيا وألمانيا لا تؤثر في علاقة المغرب بأوروبا

La rédaction

في الوقت الذي تشهد فيه علاقات المغرب مع كل من إسبانيا وألمانيا توترا غير مسبوق على خلفية مواقفهما العدائية تجاه المملكة وامتعاضهما من اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء – حيث لجأت إسبانيا إلى خطوات استفزازية باستقبالها زعيم البوليساريو الملاحق قضائيا إبراهيم غالي بهوية مزورة، أما ألمانيا فقد استغلت ورقة الهجرة للتغطية على الدوافع الحقيقية للخلاف- يستبعد متابعون أيّ تداعيات سلبية في علاقة الرباط بأوروبا، فالعلاقات تبدو أقوى من رياح الخلافات الدائرة حاليا. وبالنسبة إلى أوروبا يبقى المغرب شريكا مميزا بتصدره قائمة البلدان المستفيدة من سياسة الجوار الأوروبية والمساعدات المالية.

في غضون الأشهر الماضية برزت خلافات بين المغرب وبلدين أوروبيين هما إسبانيا وألمانيا، حيث تسارعت الأحداث لتستدعي الرباط سفيريها في كل من برلين ومدريد للتشاور، على خلفية مواقفهما العدائية تجاه المملكة وبشكل خاص في أعقاب توسع الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على صحرائه وتحديدا بعد اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء.

وما فاقم التوتر بين الرباط ومدريد، استضافة إسبانيا إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية للعلاج من فايروس كورونا بهوية مزيّفة في خطوة رأتها المملكة مخالفة لروح الشراكة والجوار، مشيرة إلى أن الاعتبارات الإنسانية لا تبرّر مثل هذه المناورات المعادية لها.

أما ألمانيا فقد اختارت الوقوف ضد مصالح المغرب والانحياز إلى إسبانيا مستغلة ورقة الهجرة لصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقة للخلاف المغربي – الإسباني، في خطوة راكمت بها برلين عداءها للرباط في أعقاب مساعيها للوقوف ضد الاعتراف الأميركي الرسمي بالسيادة المغربية على الصحراء، حيث وقفت برلين إلى جانب خصوم المغرب ودعت في ديسمبر الماضي، إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي لبحث الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء.

وتطرح خلافات المغرب مع ألمانيا وإسبانيا العديد من الأسئلة حول مستقبل الشراكة بين الرباط وبروكسل، فيما يستبعد متابعون ومحللون تأثير هذا الخلافات على علاقات المغرب بدول الاتحاد الأوروبي. وفي تقدير هؤلاء ستبقى القوية صامدة وقوية ولن تزعزعها رياح الخلافات مع مدريد وبرلين، حيث تتصدر المملكة قائمة البلدان المستفيدة من سياسة الجوار الأوروبية والمساعدة المالية، مع حصولها على نحو 200 مليون يورو سنويا من الاتحاد الأوروبي.

خيرالله خيرالله: إسبانيا متضايقة بعد تحقيق المغرب إنجازات في ملف الصحراء

وعلى الرغم من ظهور نوع من الشد والجذب في علاقات المغرب مع عدد من الدول الأوروبية، على خلفية أزمة الهجرة التي تستغلها إسبانيا لممارسة الضغوط، إلا أن المغرب أبدى مرارا رفضه إقحام الاتحاد الأوروبي في أزمته مع إسبانيا، معتبرا أن ملف الهجرة هو محاولة لتحريف مسار النقاش حول استقبال غالي المتهم بارتكابه انتهاكات حقوقية، وهو ما خالفت من خلاله مدريد القانون الجنائي والأعراف الدبلوماسية.

وأكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أنه “يتعين وضع الأزمة بين المغرب وإسبانيا في سياقها الثنائي ولا علاقة لها بأوروبا”.

ولاحظ المغرب أن هناك محاولة لتحريف مسار النقاش حول ملف زعيم البوليساريو والتوجه نحو قضية الهجرة في أعقاب دخول الآلاف من المغاربة إلى إسبانيا، في حين أن الأزمة تتمثل في تصرف تعتبره الرباط مسيئا من قبل مدريد.

وأوضح أن بلاده ليس لديها مشكلة مع الاتحاد الأوروبي، بل مع إسبانيا حول مسألة تمس مصالحها العليا، ويتعين على مدريد إيجاد الحل.

وأضاف “المغرب يقوم بحماية حدود (إسبانيا) كشريك، وإذا لم يتم احترام أسس هذه الشراكة، يجب أن تسأل إسبانيا، هل استشارت مع أوروبا قبل أن تتحرك ضد مصالح هذا الشريك”. وتابع “الرغبة في إضفاء الطابع الأوروبي على المشكلة من خلال قضية الهجرة هو تحويل للانتباه”.

وزاد “سجلّنا معروف جيدا، فقد أجهض المغرب 14 ألف محاولة هجرة سرّية على مدى ثلاث سنوات، وقام بتفكيك أكثر من 8000 خلية لتهريب البشر، وأجهض 80 محاولة اقتحام لمدينة سبتة، وتبادل أكثر من 9000 معلومة عن الهجرة السرية مع إسبانيا”.

واعتبر المحلل السياسي اللبناني خيرالله خيرالله أن الأزمة المغربية – الإسبانية عميقة. وليست استضافة إسبانيا لإبراهيم غالي سوى رأس جبل الجليد في هذه الأزمة التي في أساسها وجود قوى في الداخل الإسباني تسعى للانتماء إلى الماضي. فهناك حنين لدى هذه القوى إلى أيّام الاستعمار، معلّقا “لا تدري هذه القوى أن المرحلة التي كانت فيها إسبانيا دولة استعمارية ولّت إلى غير رجعة”.

وتساءل خيرالله يظل السؤال لماذا ذهبت الحكومة الإسبانية إلى هذا الحد في تحدّي المغرب؟، وفسّر ذلك بقوله يعود الجواب بكل بساطة إلى أن إسبانيا لم تستطع التخلي عن عقلية الهيمنة من جهة ولم تقتنع بأنّ عليها إقامة علاقة متوازنة مع جار مهمّ مثل المغرب من جهة أخرى. ليس معروفا بعد ما هي مشكلة إسبانيا مع المملكة المغربيّة، لكنّ اللافت أنّها متضايقة من أن المغرب استطاع تحقيق إنجازات على صعد مختلفة في السنوات الـ22 الماضية.

وتوجت هذه الإنجازات باعتراف واشنطن بمغربية الصحراء التي كانت في الماضي مستعمرة إسبانية. وتابع “هل الحنين إلى الماضي الاستعماري وراء التصرفات غير المنطقية لإسبانيا في تعاطيها مع المغرب؟”.

Thumbnail

وفي أعقاب استدعاء الرباط لسفيرتها في مدريد في التاسع عشر من مايو الماضي، اتهم مارغاريتيس شيناس نائب رئيسة المفوضية الأوروبية، المغرب بـ”ابتزاز” أوروبا عبر ملف الهجرة.

وقال شيناس في تصريح إذاعي، إن “سبتة هي أوروبا، إنها حدود أوروبية، وما يحدث هناك ليس مشكلة مدريد بل مشكلة جميع الأوروبيين”.

ولم تلق هذه التصريحات ترحيبا لدى أوساط أوروبية، حيث انتقد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان تعاطي الاتحاد الأوروبي مع أزمة الهجرة، معتبرا أن “هناك علاقة معقدة بما يكفي في الوقت الحالي بين إسبانيا والمغرب وآمل أن يتم تجاوز ذلك قدر الإمكان.”

ومن جهتها أكدت هيلين لوغال السفيرة الفرنسية لدى المغرب، أن “المغرب بلد موثوق به يأخذ محاربة الهجرة غير الشرعية بجدية بالغة ويقدم حلولا مكلفة بالنسبة إليه”، داعية الاتحاد الأوروبي بأكمله في تصريحات صحافية إلى “دعم المغرب في جهوده لمكافحة الهجرة غير الشرعية والتي تعد ظاهرة تهمّنا جميعا”.

وفي ظل المواقف الأوروبية المتباينة، تؤكد الحكومة المغربية أن الجانبين الألماني والإسباني معا لم يقدّرا المجهودات التي يقوم بها المغرب في ملف الهجرة ومراقبتها، مع حرص السلطات المغربية المتواصل على ردع محاولات العبور إلى سبتة والتي ينفذها المهاجرون السرّيون من حين لآخر.

وعلى الرغم مما يثيره ملف الهجرة من توتر في العلاقات، ستبقى العلاقات المغربية – الأوروبية متماسكة لما يجمعها من مصالح اقتصادية، إضافة إلى إقرار أوروبي بدور المملكة في محاربة الإرهاب في أفريقيا وجهوده للنهوض بالقارة.

ويرى خالد ياموت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة “سيدي محمد بن عبدالله” المغربية (حكومية) أنه “تاريخيا، الاتحاد الأوروبي، ليست له سياسة خارجية موحدة”.

وأوضح ياموت في تصريحات صحافية أن “هذا المعطى يجب أخذه بعين الاعتبار، سواء تعلق الأمر بعلاقة الاتحاد مع الدول الكبرى، أو حتى مع الدول ذات البعد الإقليمي الوازن بمناطق متعددة في العالم من بينها أفريقيا”.

وزاد “علاقة المغرب بالاتحاد الأوروبي عرفت منذ عام 2014 نوعا من التموّج، وخاصة مع فرنسا وألمانيا وإسبانيا، ثم هولندا، وأيضا بعض الدول الاسكندنافية”.

هيلين لوغال: المغرب بلد موثوق به يأخذ محاربة الهجرة غير الشرعية بجدية

ويؤكد متابعون أن احتمال الصدام بين الرباط وبروكسل مستبعد، وبرأي هؤلاء فإن الخلاف يوجد بين المغرب ودولتين أوروبيتين، ولا علاقة له بالتراكم الحاصل في العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي المبني على المصلحة.

واستبعد عبدالفتاح بلعمشي رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية (غير حكومي) “أي تأثير لتوترات المغرب ودول أوروبية، لسبب واضح ومباشر”.

ولفت بلعمشي في تصريحات صحافية إلى أن “توضيحات المغرب في ما يتعلق برد الفعل على تصرفات حكومتي إسبانيا وألمانيا، لم يكن فيه ما يحيل إلى الشراكة القائمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي ككل”.

وتابع “كل النقاشات التي أثيرت خلال الأزمة الحالية مع إسبانيا، التي تعتبر الشريك الأوروبي الأول للمغرب، لا علاقة لها بالأبعاد الاقتصادية، ولا حديث مثلا عن مراجعة الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي”.

وفي تقديره حتى وإن كانت إسبانيا تحاول في الخطاب الرسمي أو من خلال وسائل الإعلام، البحث عن دعم أوروبي لتوترها مع المغرب، فإن رد الرباط في تصريحات رسمية كان رافضا لذلك.

واستطرد قائلا “الأزمة ستزول بزوال أسبابها، سواء تعلق الأمر بالخلاف مع ألمانيا أو مع إسبانيا”.

وتحتل المملكة المغربية المرتبة الثالثة في القارة الأفريقية من حيث المبادلات التجارية مع ألمانيا، بعد جنوب أفريقيا ومصر.  بينما تظهر الأرقام الرسمية أن مدريد هي الشريك التجاري الأول للرباط منذ 2012، حيث تنشط أكثر من 800 شركة إسبانية في المغرب.

وكان الاتحاد الأوروبي وقّع مع المغرب اتفاق شراكة عام 1996، دخل حيّز التنفيذ عام 2000.  كما حصل المغرب على مكانة “الشريك المميز” (الوضع المتقدم) للاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2008، حيث يستفيد بموجبه من عدة اتفاقيات وتمويلات أوروبية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: