هل حان الوقت لتعترف إسبانيا بجرائم “الإبادة الجماعية” بالسلاح الكيماوي في الشمال المغربي؟

بلقاسم

بعد اعتراف فجائي لكل من برلين وباريس بالمسؤولية عما وصفتاه بـ”الإبادة الجماعية” في رواندا وناميبيا، يضع مدريد تحت ضغط المنتظم الدولي بشأن جرائم “المملكة الإيبيرية” في منطقة الريف، التي راحَ أبناؤها ضحية السلاح الكيماوي الذي وظفه الجيش الإسباني لقمع المتمردين المغاربة.

والتقى الرئيس الفرنسي بنظيره الرواندي، بحر الأسبوع الماضي، من أجل الاعتراف بمسؤولية باريس في المجازر التي سقط فيها قرابة 800 ألف قتيل، سعياً من “عاصمة الأنوار” إلى تطبيع العلاقات السياسية مع البلد الإفريقي بعد توتر استمرّ أكثر من 25 سنة.

فيما اعترفت ألمانيا بارتكاب جرائم “الإبادة الجماعية” في حق الناميبيين خلال الفترة الاستعمارية قبل أزيد من قرن من الزمن، لتتعهّد بتقديم مساعدات مالية طارئة من شأنها “تعويض” الأضرار من الناحية الرمزية، مؤكدة التزامها الأخلاقي من أجل تجاوز عملية الإبادة الجماعية.

أصبح لزاما على إسبانيا الاعتراف بجرائم الحرب والإبادة في الشمال المغربي خصوصا في العقد الثالث من القرن الماضي، حيث قامت باستعمال أسلحة محرمة دوليا ضد سكان شمال المغرب “الريف”، فأمام ضراوة المقاومة وشدتها وجبن الجنود الإسبان لجأت القوات الهمجية إلى استعمال عشوائي للغازات السامة، التي قصفت بها التجمعات السكانية مما خلف آلاف الضحايا، بل إن آثار تلك الحرب ما زالت قائمة إلى يوم الناس هذا، لأنها حرب ضد الإنسان والحيوان والطيور والبيئة وكل ما فيه حياة.

من الناحية التاريخية تعتبر حرب الغازات السامة أول حرب كيميائية جوية في التاريخ، إذ تم فيها صب الغاز من الطائرات بطريقة القنابل وطريقة استعمال المبيدات، حيث جعلت من منطقة الريف المغربي مسرحا للتجارب على هذه الأسلحة المحظورة دوليا، التي ما زالت آثارها إلى يوم الناس هذا حيث ارتفاع الإصابة بأمراض السرطان بين أبناء المنطقة.

وامتدت حرب الريف الكيماوية من 1921 إلى 1926، وقادتها إسبانيا بمعية حلفائها الأوروبيين، بغية سحق الانتفاضة الشعبية التي قادها عبد الكريم الخطابي، حيث استعملت المملكة الإيبيرية مجموعة من الأسلحة الكيماوية المحظورة دوليا، التي تسلّمتها من طرف ألمانيا، بعد تعرضها لهزائم متتالية من طرف المقاومة الريفية.

وتربطُ مجموعة من الفعاليات الحقوقية انتشار السرطان في الريف بالآثار المحتملة للسلاح الكيماوي المستعمل خلال الحرب سالفة الذكر، ما جعل حكومة الجارة الشمالية تناقش إمكانية منح تعويض مالي لصالح المنطقة، لكن المحادثات بقيت حبيسة البرلمان الإسباني في العشرية الأخيرة.

ويحقّ للمغرب طرح ملف الحرب الكيماوية على المستوى الدولي مع إسبانيا، وفق الخبراء القانونيين، لأن الأمر يتعلق بمواطنين مغاربة راحوا ضحية جرائم حرب لا تتقادم بمرور الزمن، وهو ما يكفله القانون الدولي العام الذي يطرح إمكانيات تسوية تلك الجرائم الدولية، التي يتم توجيهها إلى محكمة العدل الدولية في حال عدم التوصل إلى اتفاق بالتراضي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: