بغض النظر عن فترة قصيرة امتدت من 1990 إلى أواخر 1993، لم تكن الحرية سمة الساحة الإعلامية الغالبة في الجزائر. ولكن لم نعرف انغلاقا وخنقا لحرية الصحافيين مثلما يحدث منذ اعتلاء عبدالمجيد تبون كرسي الرئاسة.
في التصنيف العالمي لحرية الصحافة حسب تقرير “مراسلون بلا حدود” لسنة 2020 جاءت الجزائر في المرتبة الرابعة مغاربيا و146 عالميا. لقد تراجعت الجزائر بخمسة مراكز مقارنة بتصنيف سنة 2019 الذي احتلت فيه 141 من أصل 180 دولة.
ووصفت المنظمة الدولية المشهد الإعلامي في البلد بأنه مقيد بقوانين سالبة للحرية الإعلامية ودقت ناقوس الخطر في تقريرها كاتبة أن حرية الصحافة أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى في الجزائر.
كما ذكّر التقرير باحتجازات ومحاكمات الصحافيين المتكررة والمؤجلة وسجن بعضهم بتهم فضفاضة كتهديد الوحدة الوطنية وتقويض النظام العام وأمن الدولة. وأشارت المنظمة أيضا إلى ذلك الحجب غير المعقول للعديد من المواقع الإخبارية.
لم تتوقف المضايقات والضغوط على الصحافيين في جزائر تبون الجديدة المزعومة ولا تزال مستمرة في سنة 2021 بل ازدادت ضراوة وبات الصحافيون يقادون إلى مراكز الشرطة لا لشيء سوى لأنهم يحاولون تغطية مظاهرات الحراك. ولكن ما لا يشير إليه التقرير هو تلك السيطرة الكاملة من طرف السلطات على جل وسائل الإعلام مكتوبة ومرئية ومسموعة، عمومية وخاصة. فالمتابع لما يكتب ويبث، يخيّل إليه أن السلطة في الجزائر ملاك يسلك الطريق المثالي لتنمية البلاد ودمقرطتها وأن المعارضة قلة من العملاء والمغرر بهم يعملون على تنفيذ أجندات أعداء الجزائر في الخارج. وبغض النظر عما يسمى زورا بالقطاع العمومي والذي هو في الحقيقة إعلام حكومي صرف يأتمر بأوامر السلطة وهو مجرد بوق لها، تشد السلطة وسائل الإعلام الخاصة من اليد التي توجعها إذ تحتكر توزيع مساحات الإشهار عن طريق المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار والتي دونها تعلن جل تلك العناوين الصحافية والقنوات إفلاسها.
ريع إشهاري يسيل لعاب متطفلين على الإعلام جاؤوا إلى القطاع فقط من أجل الاستفادة من سخاء الخزينة العمومية. وهو ما جعل صحفهم التي لا يقرأها أحد وقنواتهم التي لا يصدقها أحد تكذب وتفبرك الإشاعات للدفاع عن أطروحات النظام ولا تغطي ما يحدث على أرض الواقع إلا من أجل التشويه كما تفعل مع مظاهرات الحراك كل ثلاثاء وجمعة حيث لا تشير إلى أعداد المحتجين المتعاظمة كل أسبوع ولا إلى اعتقالات وقمع الكثير منهم.
ولم يجانب المحامي سعيد زاهي الذي يدافع عن الكثير من الصحافيين في المحاكم حينما يقول على أمواج إذاعة “رايدو مغرب”، المحجوبة في الجزائر، في الثالث من مايو الماضي بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة إن النظام الجزائري “يتربّب” على الصحافة. وما يدل على بؤس حال الصحافيين في الجزائر هو محاولة أكثر من 100 عنصر منهم المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة طمعا في التخلص من المهنة والحلم بالفوز بمقعد في البرلمان!
يتبجح النظام بوجود أكثر من 180 صحيفة يومية وأسبوعية في الجزائر و55 قناة تلفزيونية وبأن عدد المواقع الإخبارية قد وصل إلى 75 وعدد الصحافيين إلى 800.. فكأن حرية الصحافة تقاس بعدد الصحف والقنوات بينما الكل يعلم أن بعض تلك الصحف لم تكن تصدر أصلا بل كانت تستفيد من الريع الإشهاري فقط وبعضها الآخر لا تطبع سوى بضع نسخ. أما المطبوعة منها فلا تقدم عملا إعلاميا بل تمتهن مجرد المدح للحاكم والتضليل للمحكوم.
ونفس الشيء ينطبق على القنوات التي لم يعد يصدقها أحد وأصبحت تنافسها وتتغلب عليها قنوات الهواة التي تبث على يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي التي غدت مصدر الأخبار الأول لدى أغلبية الجزائريين ومن هنا كثرت الإشاعات والإشاعات المضادة وغابت الحقيقة وذلك راجع بالدرجة الأولى إلى إنكار السلطة لحق أساسي من حقوق الصحافي وهو حق الوصول إلى الخبر إذ لا قانون يلزم المؤسسات أو الإدارات أو الحكومة ذاتها بتقديم المعلومة للصحافة وهو أخطر أشكال الرقابة بل الرقابة ذاتها.
لم يشارك الرئيس تبون في الاحتفال بليلة القدر ولا صلاة عيد الفطر كما جرت العادة بالنسبة إلى كل من سبقوه منذ الاستقلال. ولا صحيفة ولا قناة تلفزيونية ولا بيان رسميا أثار هذا الغياب غير المعهود لرئيس الجمهورية على الإطلاق.
“الصح – آفة “، بمعنى الحقيقة آفة، ذلك عنوان أسبوعية هزلية شهيرة كانت تصدر بوهران في بداية التسعينات تم القضاء عليها بسرعة. فهل تنبّه النظام منذ ذلك الوقت أن الحقيقة آفة تهدد بقاءه؟