غياب تمثيلية مغاربة العالم في الإنتخابات المقبلة يفقدها مصداقيتها

النهار -Belbazi

يقال إن الكذب يكثر في موسم الصيد وفي الانتخابات… هذا ما يمكن به تلخيص تعاطي بعض الأطراف السياسيين في المغرب مع الجالية المغربية المقيمة في الخارج. فالعدد الأكبر من الأحزاب السياسية تتعامل مع الجالية كنوع من الاستثمار المؤجل، أي الحفاظ على حد أدنى من العلاقة والتواصل معها إلى حين قدوم اللحظة التي سَيُسْمَحُ فيها لهذه الجالية بممارسة أحد الحقوق السياسية الأساسية، وهو حق الانتخاب، إن ذلك لا يشكل في النهاية سوى مظهر من مظاهر التهرب من المسؤولية وشكل من أشكال الجبن السياسي، لأن الأحزاب السياسية تملك الوسائل، عبر حضورها في المؤسسات الدستورية، على أن تُقْدِمَ على مبادرات تشريعية تمكن الجالية من حقوقها.

الانتخابات التشريعية المقبلة في المغرب تدور حول رهانات كثيرة ليس المجال هنا لعرضها كلها، لكن يبقى موضوع المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين في الخارج إحدى القضايا البارزة التي كان من المرتقب أن تأخذ حيزاً مهماً في النقاش السياسي وفي العمل التشريعي في نهاية الولاية التشريعية الحالية 2016-2021، سواء كمشاريع قوانين أو مقترحات قوانين.
غير أن الجبل تمخض وولد فأراً، فالمادة 22 (الفقرة الأولى) من مشروع القانون التنظيمي الرقم 04.21 الذي قدمته الحكومة والقاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي الرقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب والتي تنص على ما يأتي: “يمكن للمغاربة المقيمين في الخارج أن يقدموا ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية والدوائر الانتخابية الجهوية، وفق الكيفيات والشروط وداخل الآجال المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي”، هي مجرد حشو وزيادة في العلم، إذ إن حق الترشح للانتخابات، سواء تعلق الأمر بالانتخابات التشريعية أم بانتخابات الجهات (المناطق) والجماعات المحلية والغرف المهنية، هو حق أصلي من الحقوق المدنية والسياسية التي يتمتع بها جميع المغاربة ما لم يصدر حكم قضائي نهائي يقضي بالحرمان منها، أو إذا كان المعني (ة) بالأمر في وضعية تمنعه من الترشيح بحكم القانون (حامل سلاح، حالة من حالات التنافي…الخ)، كما أن الحق في الترشح للانتخابات لا يرتبط بشرط الإقامة، واعتماد هذا الشرط يعتبر عملاً تمييزياً، لذلك فالمغاربة المقيمون في الخارج لهم كامل الحق في الترشح للانتخابات المحلية والجهوية، والأمر لا يحتاج التنصيص عليه في القانون التنظيمي لمجلس النواب، فهذا التنصيص لا يقدم ولا يؤخر في موضوع المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين في الخارج والتي لا يمكن أن تتم إلا انطلاقاً من بلدان الإقامة كما هو الأمر بالنسبة الى عدد كبير من دول العالم.
يقدر تعداد الجالية المغربية بأزيد من 5 ملايين نسمة بقليل، موزعة على 80 دولة حول العالم ومسجلة على صعيد 124 نقطة قنصلية، والتي يزيد عددها بمعدل متوسط يبلغ 240 ألف مهاجر سنوياً، وباعتماد الإسقاطات المستقبلية؛ فإن تعداد أفراد الجالية يتجه نحو بلوغ أكثر من 11 مليون مغربي يقيمون في الخارج في حدود عام 2030.
 الحقوق السياسية تصلح عنواناً ملازماً للجالية المغربية في الخارج، وهي حقوق ظلت في دائرة العدم بسبب غياب الإرادة السياسية، إذ تعود  الأصوات نفسها إلى صوغ المبررات والتبريرات ذاتها، لجعل هذا الحق معلقاً في الهواء، على خلاف ما جاء واضحاً في دستور المملكة سنة 2011 في المادة 17 منه والتي تنص صراحة على ما يأتي: “يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح …”.
وزير الداخلية السابق اعتبر إحداث دوائر للجالية في مختلف مناطق العالم كما جاء في مقترح قانون قدمه الفريق الاستقلالي في مجلس النواب في الولاية السابقة، مخالفاً للدستور الذي ينص على اللوائح المحلية والجهوية والوطنية، وخلفية هذه القراءة النصية لا تميز بين الدول التي تحتضن الجالية، والجالية المغربية ذاتها، فإجراء الانتخابات بالنسبة الى الجالية لا يرتبط بالتراب، بل يرتبط بحقوق المواطنة الكاملة، فالتصويت سيتم في المراكز القنصلية للمملكة والتي تعتبر من مشمولات التراب الوطني في القانون الدولي، وذلك على غرار باقي الدول في العالم التي تضمن لمواطنيها حقوقهم المدنية والسياسية بغض النظر عن مكان إقامتهم، وهذا الوضع تعيشه الجالية المغربية دائماً عندما تقارن نفسها بالتونسيين والمصريين والبرتغاليين والجزائريين والإيطاليين والأميركيين… وغيرهم من الجاليات الأخرى التي تتمتع بحق التصويت والترشيح في انتخابات بلدانها الأصلية. فضلاً عن ذلك، فالمشاركة السياسية للجالية المغربية، ترتبط بالحقوق السياسية والمدنية التي لا تسقط سوى بأحكام قضائية نهائية، لهذا لا يمكن تصور إسقاط هذه الحقوق عن ملايين المغاربة بمبررات واهية، وهي حقوق لا تسقط سوى بأحكام قضائية كعقوبات (…) والمؤسف هو تبرير ذلك بنصوص دستور قُدم للعالم على أنه دستور من الجيل الجديد، انتقل من جيل دساتير فصل السلطات إلى دساتير صك الحقوق.
 للتذكير فقط، فإن أول سائح في المغرب هم مغاربة العالم الذين يمثلون ثلث الحجوزات في الفنادق المصنفة، ويساهمون بأكثر من ملياري يورو فى الاقتصاد والسياحة في المغرب، كما أن الناتج الداخلي الخام للجالية المغربية المقيمة في الخارج هو 208 مليارات دولار سنوياً باعتماد متوسط الدخل في بلدان الإقامة، وهو ما يشكل ضعف الناتج الداخلي الخام للمغرب والذي هو في حدود 104 مليارات دولار سنوياً والذي يحققه 35 مليون مغربي، وبرغم كل ذلك فإن مواطنة “الديسابورا” المغربية تبقى موقوفة التنفيذ، ومع الأسف عرضة للمزايدات، هنا يطرح السؤال: إذا كانت الأحزاب التي تتودد للجالية في لقاءات وتجمعات هنا وهناك جادة وصادقة، فمن الذي منعها سنة 2015 من مساندة مقترح قانون حزب الاستقلال الذي جاء شاملاً ومفصلاً ومنصفاً للجالية المغربية في الخارج، وأنا كنت واحداً من واضعي ذلك المقترح، فما الذي حدث بين تلك اللحظة واليوم؟ لقد كان أمراً مثيراً أننا بقينا في الجلسة العامة وحيدين ندافع بل نحاول إقناع باقي الفرق النيابية بعدالة الحقوق السياسية للجالية المغربية في الخارج… لهذا يمكن القول إن أي تحول حقيقي في موقف الأحزاب السياسية سيكون مقدراً ومرحباً به، لكن الواقع يشهد على استمرار التلاعب بالكلمات وتكريس الانتظارية، ما يشكل انتكاسة جديدة وفرصة ضائعة، ليس للجالية المغربية، بل للديموقراطية في المغرب بصفة عامة، فالجالية يمكن أن تشكل “خميرة” لرغيف الديموقراطية الذي لم يكتب له أن ينضج إلى اليوم…

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: