الأمن المغربي يتعقب سوق أجهزة الغش الإلكترونية مع قرب امتحانات الثانوية العامة

La rédaction

مع دخول التلاميذ المغاربة أجواء امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) يطفو من جديد على ساحة النقاش الجهود التي تبذلها السلطات لزجر الغش الذي يتخذ أشكالاً متطورة، اعتماداً على مبتكرات التكنولوجيا الحديثة.
وأفادت صحيفة “الصباح” المغربية أن سوق الأجهزة الإلكترونية والتجهيزات المنزلية في الدار البيضاء الشهير بـ”جوطية درب غلف” يشهد هذه الأيام إنزالاً أمنياً، باعتبار ذلك الفضاء يعدّ ملجأ يقصده الباحثون عن آخر مستجدات وسائل الغش في الامتحانات. وتسعى تحركات رجال الأمن إلى تتبع خيوط الجهات التي تغرق السوق بهذه التجهيزات، عند اقتراب امتحانات البكالوريا.
وذكرت أنه لم يتم حتى الآن الوصول إلى الجهات التي تتعاطى هذا النشاط الذي تحول إلى تجارة تدر أرباحاً طائلة. وأضافت أن التحريات التي أجريت مع تلاميذ ضبطوا في حالة تلبس بالغش في امتحانات البكالوريا العام الماضي، لم تمكن من معرفة الجهات التي مكنتهم من هذه الآليات التي عرفت تطوراً كبيراً، سواء من حيث حجمها، أو التقنيات التي تشتغل بها.
وأكدت الصحيفة نفسها أن رجال أمن بلباس مدني يجوبون أزقة “جوطية درب غلف” لاقتفاء أثر الأشخاص الذين يبيعون هذه الأجهزة المتطورة، التي يتراوح سعرها ما بين 1500 و3 آلاف درهم (ما بين 169 و339 دولاراً أمريكياً). ويتم جلب هذه الآليات صغيرة الحجم من الصين، من قبل تجار كبار ويتم توزيعها على شباب يتكلفون بالاتصال بالتلاميذ وعرض مستجدات تجهيزات الغش في الامتحان عليهم.
وتتحاشى شبكة ترويج وسائل الغش البيع بشكل مباشر، أو عرض هذه الأجهزة في محلات تجارية، بل تفضل تكليف شباب ببيعها للتلاميذ، مقابل عمولات يتلقونها.
ولم تفلح الإجراءات الزجرية التي تم إقرارها لمواجهة الغش في الامتحانات في القضاء على هذه الممارسات، أو التقليل منها، إذ ما تزال شريحة كبيرة من التلاميذ تبذل جهوداً أكبر، من أجل ابتكار طرق جديدة للغش، من خلال الاعتماد على التكنولوجيا، ما دامت أساليب الغش السابقة أصبحت متجاوزة ومحفوفة بالمخاطر.
ولاحظت صحيفة “الصباح” أن الغش أصبح ثقافة في المجتمع يتم التعايش معه ويتحول إلى فعل لا يثير أي امتعاض، ومصدر رزق، إذ لا يقتصر الأمر على “جوطية درب غلف”، بل يمتد أيضاً إلى محلات النسخ التي تبتكر أساليب جديدة في نسخ المقررات، ما يجعل الإقبال يتزايد عليها مع اقتراب الامتحانات.
وجرى ضبط حالات غش بالاستعانة بالتكنولوجيا خلال امتحانات البكالوريا في السنة الماضية، لكن التحقيقات مع التلاميذ لم تكشف عن المصادر التي تزود التلاميذ بهذه التجهيزات.
وكتبت صحيفة “الصحراء المغربية” افتتاحية تحت عنوان “الغش في الامتحانات والحقيقة المغيبة” مما ورد فيها أن امتحانات البكالوريا تتربع على عرش الامتحانات الإشهادية، وتعمل عدة أطراف من أجل تذليل العقبات أمام المترشحين والمترشحات. لكن ما يؤلم هو أن فئة من أبنائنا تضرب كل الجهود المادية والمعنوية، التي تبذل من أجلها، عرض الحائط وتستسلم لمغريات الغش، وعوض أن تجتهد وتبذل جهدها للحصول على ما تستحقه، تجهد نفسها بالبحث عن أحدث الوسائل التي تمكن من الغش.
وأفادت أن مصالح الأمن ضبطت، أخيراً، في كل من أغادير وبني ملال وتطوان كميات من الأجهزة الإلكترونية التي تستعمل في الغش. واستطردت قائلة إنه في مختلف الدورات تجري عمليات الضبط في مراكز الامتحانات، ومع تنامي الظاهرة أصبح القانون أكثر صرامة، ولم يعد الأمر يقف عند حدود المنع من التقدم للامتحانات، بل يضع الغشاشون أنفسهم تحت طائلة القانون، وهو المعطى الذي يجري تغييبه من طرف الحالمين بالنجاح دون بذل جهد.
ولاحظت الصحيفة نفسها باستغراب أن بعض الأسر، على قلتها، تتجند لدعم أبنائها في هذا المسعى غير المقبول، وعوض تحقيق وهم النجاح يجد أكثر من فرد أنفسهم متابعين على غرار ما حدث في الدار البيضاء، حين تدحرجت كرة الثلج فسيق أب وابنه وأساتذة بعد ضبطهم بالجرم المشهود. وختمت افتتاحيتها بالقول “إن الوقوع بارتكاب جريمة الغش احتمال كبير، لكن هذه الحقيقة تظل مغيبة من قبل الغشاشين ومن يدور في فلكهم”.
واعتبر أحمد الرياضي، أستاذ علم النفس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، أن الغش في أحد معانيه له دلالات تتجلى في الصراع الذي يؤدي إلى انهيار القيم الاجتماعية، مما يجعل البحث عن الذات لدى التلاميذ يتم بطرق غير أخلاقية.
ونقل عنه موقع “بل بريس” قوله إن هذا المعطى يدفع إلى طرح سؤال تدبير الوضع الداخلي للمؤسسات التعليمية، ووظيفة المدرسة خلال التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع، دون أن “ننسى الجانب الأهم في المعادلة، وهو غياب العناية بالبنية النفسية للتلاميذ داخل المؤسسات التعليمية من خلال وجود الأخصائيين النفسانيين الممارسين”.
ولفت إلى أن البحث في الظاهرة، يهم كل المعنيين بالقضية، إذ إن الاشتغال على موضوع الغش في الامتحانات يطرح بعض الأسئلة من قبيل: لماذا يقبل التلاميذ في الامتحانات على عملية الغش؟ هل الغش يرتبط أساساً بالبيئة المدرسية أم ينتقل إليها؟ هل يتوقف مباشرة بعد اجتياز الامتحانات أم إنه فعل يصاحب الفرد في مناحي الحياة؟ هل الغش تجسيد لقيم تعيش الانهيار، أم إنه محاولة من أجل البحث عن الممكن؟ وهل يمكن القول من منطلق آخر إنه ترجمة لرغبات نفسية، لحاجات اجتماعية؟
وسجل الباحث الأكاديمي أن علم النفس ينبني على دراسة هذا السلوك، من أجل البحث في الأسباب والدوافع التي أنتجته، في محاولة للكشف عن تشخيصه، وبالتالي تصنيفه، أي هل هو مرضي أنتجته متغيرات عدة، أم سلوك اجتماعي يوائم المعيش الاجتماعي؟
فحين البحث عن الأسباب والدوافع التي تركن وراء هذا السلوك، يضيف الرياضي، لا بد من القول أولاً إن المدرسة تشكل أحد أهم المؤسسات الاجتماعية بعد الأسرة، إذ يؤدي انهيارها إلى انتشار مشكلة التفكك الاجتماعي بين التلاميذ، وهوما يتجسد في صعوبة الوصول إلى تقديم تعليم في غياب آليات التواصل والضبط التربوي والمناهج التي لا تساير التحولات الاجتماعية.
هذا المعطى، في رأيه، يزكي بعض التصورات/التمثلات الاجتماعية التي تشجع التلاميذ على ممارسة الكثير من الظواهر المنحرفة كالإخلال بقوانين البيئة المدرسية، وعدم احترام النظام المدرسي، من خلال ممارسة العنف والعبث بالمرافق العمومية للمؤسسة والاستهزاء بالطاقم التربوي، وأيضاً عدم المواظبة على الحصص، مما يولد الإحساس بعدم الانتماء إلى البيئة المدرسية من طرف المنتمين إليها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: