أحزاب المعارضة في المغرب تتجه نحو إسقاط حكومة العثماني دستوريا

لكتاوي

تُجري أحزاب المعارضة في المغرب، حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية، مشاورات مكثفة من أجل إسقاط حكومة سعد الدين العثماني، قبل انتهاء مدة ولايتها بشهور قليلة، عبر تحريك “ملتمس للرقابة”.
ويعدّ “ملتمس الرقابة” أخطر آلية لمراقبة عمل الحكومة وإثارة مسؤوليتها السياسية، ويقدم فقط من طرف المعارضة، على الرغم من أنه حق مشترك بين كل من الأغلبية المعارضة.
وهو من الآليات السياسية التي ترتب مسؤولية الحكومة إلى جانب كل من سحب الثقة والتنصيب البرلماني للحكومة.
مراقبون سياسيون أكدوا أن الأحزاب المعارضة الثلاثة لن تجد صعوبة في الوصول لنصاب طرح “ملتمس الرقابة”، خصوصاً أن ذلك يستوجب توقيعات خُمُس الأعضاء، أٔي 79 نائباً برلمانياً وفق ما ينص عليه الفصل 105 من الدستور لطرح “ملتمس الرقابة”.

ملتمسان للرقابة

عرف المغرب طيلة مساره الدستوري والسياسي اللجوء إلى ملتمس الرقابة في مناسبتين اثنتين، المناسبة الأولى تمت في 1964 للإطاحة بحكومة باحنيني من طرف “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”، لكن الدافع للملتمس كان قوياً في سياق أحداث ما سمي آنذاك بـ”مؤامرة 63″، وما استتبعها من محاكمات واتهامات بالانقلاب، والملتمس وقع عليه آنذاك رموز نضالية وعلى رأسهم عبد الرحيم بوعبيد والمهدي العلوي ومحمد الحبابي وعبد الواحد الراضي، والمعطي بوعبيد وعبد الحميد القاسمي وعبد القادر الصحراوي وآخرون.
أما المناسبة الثانية فتمثلت في ملتمس 1990 الذي قدمه “الاستقلال” و”الاتحاد الاشتراكي” ضد حكومة عز الدين العراقي، وكان للملتمس سياقه المطبوع بإضراب ديسمبر 1990 الذي دعت إليه نقابتا “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” و”الاتحاد العام للشغالين”، تلك الإضرابات التي عرفت مواجهات دامية في فاس وطنجة.
قال عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، إن قرار تحريك ملتمس الرقابة من عدمه لم يُحسم بشكل رسمي بعد، لافتاً إلا أنهم في انتظار ما سيسفر عنه اجتماع اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال.
“إما نذهب جميعاً نحو تحريك الملتمس أو لا نذهب”، وفق تعبير وهبي ، لافتاً إلى ن أحزاب المعارضة تشتغل بطريقة جماعية ولا تركُن إلى التجزيء.
وعن الأسباب التي دفعت أحزاب المعارضة بالمغرب إلى اللجوء إلى هذه الخطوة، أوضح زعيم حزب “الأصالة والمعارضة”، قائلاً “الحكومة تعيش وضعية انشطار، وباتت تفتقر للأغلبية داخل البرلمان، ناهيك عن غياب الانسجام الحكومي وكذلك الحزبي”.
وتساءل القيادي المغربي المعارض، “حين يصوت حزب العدالة والتنمية القائد للائتلاف الحكومي ضد مشروع القنب الهندي ما يجعله خارج إجماع الأغلبية، يجعل الانسجام الحكومي محل شك وريبة كما يؤكد أن برلمانيي العدالة والتنمية لم يعودوا تحت سلطة رئيس الحكومة”، وفق تعبير المتحدث. و صرح وهبي عن جدوى الخطوة والمغرب على بعد شهور قليلة من الانتخابات التشريعية، مؤكداً أن “أي يوم له قيمته، كما أن المسؤولية ليست مرتبطة بالزمان، بل بالفعل”.
مصدر موثوق من داخل حزب الاستقلال أكد أن  “الحزب لن يسير في الطريق المسدود، ولن يقوم بالموافقة على تحريك ملتمس الرقابة على الأغلب”، موضحاً أن طبيعة حزب الاستقلال المحافظة والساعية للاستقرار لم تسعَ لغير ذلك، خاصة مع تقديم النموذج التنموي المغربي الجديد أمام أنظار العاهل محمد السادس.
ويرى عمر الشرقاوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني في مدينة المحمدية، أن القرار مغامرة سياسية ودستورية، معتبراً أنه لا السياق الدولي يسمح بذلك على اعتبار أننا في مواجهة وأزمة مع إسبانيا الأمر الذي يتطلب رصَّ الصفوف داخلياً، زيادة على الزمن الانتخابي حيث نعيش في آخر الولاية، ذلك أن الحكومة لم يتبقَّ لها سوى وضع المفاتيح والمغادرة.
وأبرز المحلل السياسي المغربي أن المعارضة، بهذا التصرف، تريد أن تسجل اسمها في موقع الملتمسات لا غير، مشدداً على غياب أي قضية كبرى تستدعي تحريك ملتمس الرقابة.
“لا يمكن تحريك هذا السلاح الدستوري الثقيل في اللحظات الأخيرة من عمر الحكومي”، يقول الشرقاوي، واصفاً ما يقع بكونه “رصاصة باردة” قد تحمل حزب العدالة والتنمية وسعد الدين العثماني إلى “انتخابات شهداء”.
ويرى المتحدث أن هناك إجراءات مختلفة تفي بالغرض لمحاسبة الحكومة، منها استدعاء الحكومة لعرض الحصيلة أو مساءلة رئيس الحكومة في البرلمان.
وبالافتراض أن الملتمس تم تحقيقه بالفعل، يرى الدكتور عمر الشرقاوي أن المغرب سيدخل في أزمة دستورية إذ سيتوقف عمل البرلمان الذي لا يمكنه محاسبة حكومة تصريف الأعمال، وسيعيش المغرب شهوراً مثل تلك التي عاشها خلال “البلوكاج” (إشارة إلى فترة عرقلة المشاورات من أجل تشكيل الحكومة خلال تكليف عبد الإله بن كيران في الولاية الثانية).

خطوة ممكنة لكنها صعبة

بالنسبة لرشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة ابن طفيل في القنيطرة، فإن خطوات المعارضة توضح أن هذه الأخيرة فقدت الأمل في أن تكون بديلاً، ما جعل سلوكها لا يتجاوز إثارة الانتباه أكثر من إدارتها لتفعيل صلاحياتها الدستورية، وهذا ما يجعل المشهد السياسي مشوباً بالضبابية لدرجة أضحت هناك صعوبة في معرفة من يحكم ومن يعارض.
ويرى المحلل السياسي المختص في الشؤون البرلمانية خلال حديثه لـ”القدس العربي”، أنه من الصعب أخذ هذه الخطوة على محمل الجد، حتى وإن كانت ممكنة من الناحية الدستورية، لافتاً إلى أن تحريك ملتمس الرقابة ضد حكومة العثماني لإرغامها على الوضوح السياسي ومحاصرة ازدواجية هذا الحزب الذي يقود الحكومة.
ويتابع: “الحال أنه إذا كانت المعارضة فوَّتت الفرصة في قانون الإطار الذي مر في ظل امتناع الحزب الذي يقود الحكومة من التصويت عليه، فإن مشروع قانون تقنين “الكيف” (القنب الهندي)، يفرض الوضوح السياسي، كما يفرض تقديم ملتمس رقابة كواجب سياسي، وذلك برفع التحدي وجمع التوقيعات للتقدم بملتمس الرقابة”.
لزرق ختم كلامه  بالاعتقاد بأن التجربة السياسية في المغرب توضح أن تلويح المعارضة بطرح ملتمس رقابة لا يعدو أن يكون فرجة سياسية فقط، ذلك أن أسقاط الحكومة بموجب الدستور يستوجب تصويت الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، وهذا النصاب يستوجب تصويت نواب من الأغلبية مع الملتمس، الأمر الذي يتولد عليه أثر دستوري وهو تقديم الحكومة لاستقالتها بصفة جماعية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: