المال الفاسد يمنع المئات من الجزائريين من الترشح للانتخابات النيابية المبكرة
La rédaction
حرمت الشروط التي يفرضها قانون الانتخابات وتحديدا المادة 200 منه، المئات من الجزائريين من الترشح للانتخابات النيابية المبكرة لوجود صلة تربطهم “مع أوساط المال الفاسد والأعمال المشبوهة”.
وقال رئيس هيئة الانتخابات الجزائرية محمد شرفي بمؤتمر صحافي خلال هذا الشهر إن “الصلة مع أوساط المال الفاسد والأعمال المشبوهة، تسببت في رفض 1199 مرشحا (حزبيا ومستقلا)، أي بنسبة 53.4 في المئة من أسباب الرفض”.
وتستعد الجزائر منذ 12 مارس الماضي لتنظيم انتخابات المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، بعد قرار الرئيس عبدالمجيد تبون حله قبل نهاية العهدة التشريعية سنة 2022.
وحسب أرقام سلطة الانتخابات، فقد تم إحصاء أكثر من 25 ألف مرشح للانتخابات المبكرة، يتنافسون على 407 مقاعد في المجلس الشعبي الوطني.
ومن المقرر إجراء الاستحقاقات المبكرة في 12 يونيو المقبل، في إطار قانون انتخابات جديد، أشرفت على إعداده لجنة خبراء في القانون العام، وشاركت الطبقة السياسية والمجتمع المدني في مناقشته وإثرائه، لكنه أثار جدلا واسعا بشأن صيغته التنفيذية.
ويعتبر حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة من الوعود الانتخابية للرئيس تبون، بداعي “تجديد المؤسسات الدستورية” و”فصل المال عن السياسية”.
وبعد انقضاء الآجال القانونية لإيداع قوائم الترشحيات من قبل الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة في 27 أبريل الماضي، جاء الدور على السلطة المستقلة للانتخابات، لإخضاع المرشحين لاختبار الشروط المنصوص عليها في المادة 200 من قانون الانتخابات، وبالأخص شرط عدم الصلة بالمال الفاسد.
وتشترط المادة على المرشح للمجلس الشعبي الوطني “أن يكون بالغا 25 سنة على الأقل يوم الاقتراع، ويحمل جنسية جزائرية، ويثبت أداء الخدمة الوطنية (خدمة الجيش) أو إعفائه منها”.
كما يجب على المرشح وفق ذات المادة “ألا يكون محكوما عليه نهائيا بعقوبة سالبة للحرية لارتكاب جناية أو جنحة ولم يرد له الاعتبار، باستثناء الجنح غير العمدية، ويثبت وضعيته تجاه الإدارة الضريبية”.
وتشدد الفقرة السابعة من المادة محل الجدل على “ألا يكون (المرشح) معروفا بصلته مع أوساط المال والأعمال المشبوهة، وتأثيره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على الاختيار الحر للناخبين، وحسن سير العملية الانتخابية”.
وتصدرت هذه الفقرة أسباب رفض ملفات المرشحين بنسبة فاقت 50 في المئة، بحسب السلطة المستقلة للانتخابات.
وفجر نطاق تطبيق الفقرة السابعة من المادة 200، غضب الأحزاب السياسية والمرشحين المستقلين، وحتى عدد من رجال القانون، باعتبار “صياغتها فضفاضة ويصعب إثبات ما تنص عليه”.
واعتمدت السلطة المستقلة للانتخابات، في إثبات صلة المرشحين بالمال الفاسد والأعمال المشبوهة، على التحريات التي أجرتها الجهات الأمنية المختصة.
ولجأ كل من رفضت ملفاتهم جراء هذا السبب إلى المحاكم الإدارية من أجل الطعن في القرار، مطالبين بتقديم “دليل مادي يثبت الصلة”.
وبسبب هذه الفقرة فتحت معركة قضائية طاحنة بين السلطة المستقلة والأحزاب السياسية، التي عبرت عن مخاوفها من استغلال هذا الشرط بطريقة “كيدية” و”بسياسة الكيل بمكيالين”.
ويعتبر حزب جبهة التحرير الوطني ( الحزب الحاكم سابقا)، الأكثر تضررا من هذه المادة، التي أسقطت ترشح أمينه العام (أبوالفضل بعجي) وألغت 90 في المئة من قوائم ترشحه ببعض الولايات.
وتحدث الحزب في بيان قبل أيام عن “استهداف ممنهج طال قوائمه”.
وأضاف الحزب أن “مرشحيه تعرضوا لمظالم كثيرة من قبل السلطة المستقلة للانتخابات”، متهما الأخيرة بـ”الانتقام والعدائية في أحيان كثيرة”.
واعتبر أن عمليات الإقصاء التي طالت قوائمه، “بعضها مبرر وأغلبها محل اشتباه بتصفية حسابات محلية أو تعسف في استعمال سلطة التقدير في تطبيق الفقرة السابعة من المادة 200”.
وأقصي الأمين العام للحزب أبوالفضل، من الترشح بسبب عدم إثباته وضعيته تجاه “الخدمة الوطنية (الخدمة العسكرية)”، بحسب ما كشفته مندوبية سلطة الانتخابات بالعاصمة.
واشتكى حزب “التجمع الوطني الديمقراطي”، الذي كان يعد ثاني أكبر حزب تمثيلا في البرلمان قبل حله، هو الآخر من “الإجحاف الذي تعرض له الكثير من مرشحيه”.
وقال الحزب في بيان إن “عملية الإقصاء استمرت رغم مراسلة سلطة الانتخابات بحجج واهية، وأحيانا الكيل بمكيالين في التعامل مع حالات مماثلة بقرارات مختلفة وتفسير تطبيق أحكام الفقرة السابعة من المادة 200”.
وأشار إلى “عدم دستورية” هذه المادة، لما قد يترتب عليها من انتهاك لحقوق المواطن، بسب “عدم تحديد الآليات القانونية التي تبت هذه الأفعال، ما يجعلها غامضة من حيث التطبيق الفعلي”.
وأعلنت حركة “مجتمع السلم” (أكبر حزب إسلامي بالبلاد) في 15 مايو الجاري، رفض ملفات 30 مرشحا في قوائمها بمختلف الولايات لعدة أسباب بينها تلك المتعلقة بقضية العلاقة مع أوساط المال الفاسد.
وقالت الحركة في بيان “أكدت المظالم التي سُلطت على المرشحين الذين أُسقطوا خطورة الفقرة السابعة من المادة 200، وفق ما نبهنا إليه أثناء عرض المشروع”.
وأردفت “هذه المادة الفضفاضة التي تحفّظ عليها المجلس الدستوري دون أن يسقطها، ستبقى وسيلة فتاكة للتفسيرات التعسفية وتسليط الظلم على المواطنين لأسباب سياسية ومصالح خفية”.
وانحاز رئيس النقابة الوطنية للقضاة الجزائريين يسعد مبروك إلى الأحزاب والمرشحين، الناقمين على طريقة تطبيق المادة 200 من قانون الانتخابات وبالأخص فقرتها السابعة.
وقال مبروك مدونا عبر فيسبوك مطلع الشهر الجاري “إنها (الفقرة) هلامية في صياغتها، هلامية في تطبيقاتها، فضلا عما يشوبها من عدم دستورية محتواها”.
وأفاد بأن الإدارة ومصالح الأمن اعتمدت على فقرة “الصلة بأوساط المال الفاسد والأعمال المشبوهة كأساس لإبداء ملاحظات سلبية تجاه بعض المرشحين، والسلطة المستقلة للانتخابات اعتمدتها كمبرر لرفض ملفاتهم”.
وذكر أن المجلس الدستوري قام بالتنبيه لـ”شبهة عدم دستورية هذه الفقرة” بسبب صعوبة صيغتها التنفيذية، وأقرن تطبيقها باحترام المادة 34 من الدستور التي تنص على المساواة في الحقوق والحريات السياسية للمواطنين.
ودعا النقيب مبروك قضاة المحاكم الإدارية إلى “التصدي للطعون وفقا لقواعد المشروعية للتأسيس لقضاء إداري يحمي الحريات بدلا من حماية تعسف الإدارة”.
لكن رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي دافع عن طريقة تطبيق المادة 200، بجميع بنودها، وقال عقب لقائه يوم 9 مايو الجاري بـممثلي 16 حزبا إن “المحاكم الإدارية أيدت قرارات الرفض لـ704 طعون، من أصل 847 طعنا”.
وأوضح أن المنسقين على مستوى المحافظات لسلطة الانتخابات، “مارسوا صلاحية السلطة التقديرية، مثل القضاة في تطبيق الفقرة السابعة من المادة 200”.
وأكد عدم التراجع عن قرارات الرفض الصادرة بحق عدد من المرشحين الذين ثبتت للسلطة صلتهم بالمال الفاسد والأعمال المشبوهة، لكنه لم يغلق الباب أمام اقتراح تعديلات على قانون الانتخابات ليكون أكثر “وضوحا” في التطبيق، أو تجاوز الثغرات المسجلة عن طريق توحيد الاجتهاد في تفسير مواده.
ويقول المحامي والقاضي الجزائري السابق عثمانية خميسي إن الفقرة السابعة من المادة 200 “سياسية أكثر منها قانونية”.
ويضيف أن “إثبات الصلة بالمال الفاسد والأعمال المشبوهة، يجب أن يكون من خلال وجود أحكام قضائية صادرة أو متابعات قضائية جارية، وإلا فإنه سيكون مطية لمنع أشخاص من الترشح لأسباب مطاطية تكيف حسب الحالة”.
ويتساءل المحامي الجزائري “كيف تكون للشخص علاقة بالمال الفاسد ولا توجد متابعة”، ليؤكد أن هذا النص القانوني يفتقد لعناصر الموضوعية والتجريد والتعميم.