مراقبون: الرباط ليست حارسة حدود… و«عقاب مغربي» ضد «سقوط قناع» اسبانيا

أيت لكتاوي

يتواصل التوتر الدبلوماسي بين السلطات المغربية ونظيرتها الإسبانية على خلفية استقبال إسبانيا لزعيم “جبهة البوليساريو” الانفصالية، وما أعقبه من تدفق لآلاف من المواطنين المغاربة، بينهم مئات القاصرين، إلى جانب مهاجرين أفارقة جنوب الصحراء إلى مدينة سبتة الخاضعة للاحتلال الإسباني.
مراقبون مغاربة يرون أن تخفيف القيود الأمنية المفروضة على المهاجرين إلى مستويات دنيا على طول السواحل الشمالية ومن بينها تلك المحيطة بالمدينة المحتلة، كانت رسالة واضحة موجهة لإسبانيا، إذ دخل سبتة المحتلة في يوم واحد أزيد من 8 آلاف مهاجر سري وهو ما أحدث ضجة كبرى بإسبانيا استدعت تنقل رئيس الحكومة الإسبانية شخصياً إلى سبتة حيث قوبل بهتافات غاضبة وانتقادات كبيرة.
ولفهم هذا الفصل الجديد من فصول الصراع مع الجارة الشمالية للمملكة المغربية، أكد الدكتور عادل بنحمزة، كاتب ومحلل سياسي، أن أحداث سبتة لا يمكن فصلها عن استقبال مدريد لزعيم الانفصاليين إبراهيم غالي بهوية جزائرية مزورة، هذا الأمر شكل النقطة التي أفاضت الكأس، لذلك عبر وزير الخارجية المغربية بصراحة أن المغرب لا يمكن أن يبقى يلعب دور الدركي لإسبانيا ومعها أوروبا أيضاً.
وزير الخارجية المغربي أوضح قبل أيام أن الجهود التي يقوم بها المغرب في موضوع الهجرة السرية لا يجب أن ينظر إليه من زاوية المساهمة الأوروبية المالية الموجهة للمغرب، بل يجب أن ينظر إليها بمنظور سياسي يهم الجارة الجنوبية على أن يكون ذلك مقدراً سياسياً ويندرج ضمن تبادل المنافع والمصالح وتجسيداً للشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وأوضح بنحمزة، أن المغرب يعتبر أن ذلك يمر عبر حماية مصالحه وخدمة قضاياه المصيرية وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، لذلك يطلب المغرب مقابلاً سياسياً واضحاً، على العكس من ذلك نجد أن إسبانيا ومنذ الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء وهي تسقط عنها الأقنعة ويظهر عداؤها للمغرب، لذلك كان لا بد للمملكة أن ترد وتظهر أهمية الدور الذي تقوم به. المحلل السياسي عادل بنحمزة، ذكَّر بأن العلاقات ذات الطبيعة الدبلوماسية والسياسية بين المغرب وإسبانيا كانت بصفة عامة غير مستقرة وغالباً ما تدخل في دورات أزمة تطول أو تقصر، لكن ذلك لم يمنع تطور العلاقات الاقتصادية والأمنية بين البلدين وتنامي المصالح بينهما.
“لا يمكن فهم ما حدث في سبتة دون استحضار أن الأمر يتعلق بمدينة مغربية محتلة، في وقت لم يعترف المغرب في أي يوم بسيادة إسبانيا عليها رفقة مدينة مليلية وأزيد من 17 جزيرة في أقصى غرب البحر الأبيض المتوسط، فإذا كان المغرب الرسمي لا يثير موضوع تحرير المدينتين والجزر بصفة علنية، وأنه ما زال يحافظ على العرض الذي قدمه العاهل الراحل الحسن الثاني بخصوص إحداث خلية مشتركة مغربية إسبانية تفكر في حل يحفظ سيادة المغرب والمصالح الإسبانية التي أصبحت أمراً واقعاً بحكم طول فترة الاحتلال، فإن المغرب الشعبي وأغلب القوى السياسية لا يُخفي أن الأمر يتعلق باستعمار استيطاني كلاسيكي يجب أن ينتهي، لكن الجميع مقتنع بأن تصفية موضوع الصحراء المغربية هو الأولوية اليوم”، يقول الباحث المغربي.
وأشار إلى أن غالبية النخب الإسبانية من سياسيين وإعلاميين ومثقفين وحتى المواطن البسيط، يُقرّون ضمناً بأن المغرب سيسعى في مرحلة ما إلى طرح موضوع تحرير المناطق المحتلة، لذلك وبشكل واع جداً، يستثمرون بشكل مباشر وغير مباشر في تمديد النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وأن تلك النخب تجد نفسها في اللاّحل وفي رمادية الموقف الذي يجعلها تحافظ على مصالحها وفي نفس الوقت تحافظ على أشغال المغرب واستنزاف مقدراته وتعطيل تنميته.
وإلى جانب الموقف الإسباني المهدد بـ”الصرامة أمام أيّ تحدٍّ وأي مُستجد وأي ظرف” وفق رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتيش، تدخل “الاتحاد الأوروبي عبر المفوضة المسؤولة عن الشؤون الداخلية ومنها الهجرة، إيفا جوهانسون، التي طالبت المغرب باحترام التزاماته بمراقبة الحدود واستعادة مواطنيه الذين دخلوا إلى سبتة، مشيرة إلى أن حدود إسبانيا هي حدود أوروبية”.
وقال رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ابن طفيل في القنيطرة، إن المغرب يطلب المعاملة بالمثل، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يتحرر من الرؤية الفوقية، لكونها أبسط شروط الأعراف السياسية، وعند المطالبة بتنزيل مبدأ المعاملة بالمثل فإنه لا يفرض إملاءات معينة.
ويرى المحلل السياسي أن الضغوط الممارسة في إطار تفعيل الأعراف الدولية هو ضغط محمود لكون الاتحاد الأوروبي يدرك أن المغرب ليس حارساً للحدود، بل شريك استراتيجي، هذه الشراكة تقتضي معالجة كل الملفات بشكل شمولي، والرسالة واضحة من المغرب.
“فإذا كان الاتحاد الأوروبي قد نهج لحدود الآن محاولة مسك العصا من الوسط بإعلان التضامن من دولة عضو وتمسكه بالتنسيق مع حليف استراتيجي، فإن ملف الهجرة لا يمكن عزله عن باقي ملفات التعاون، لتكون مقاربة تكرس حسن النية”، يقول المتحدث.
ويعتقد الأستاذ الجامعي أن على الاتحاد الأوربي أن يدعو إسبانيا إلى إصلاح الخطأ الذي ارتكبته، بداية من المعاملة بالمثل، والحرص على محاكمة المتهم في جرائم ضد الإنسانية وتنهج الوضوح في تعاطيها مع المغرب، متابعاً بالقول: “إن المعاملة بالمثل تفترض في إسبانيا خصوصاً والاتحاد الأوروبي عموماً ضرورة الاعتراف بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، خاصة أن إسبانيا كدولة استعمرت الأقاليم الجنوبية جيدة الاضطلاع على الملف”.
بالعودة إلى المحلل السياسي بنحمزة، فإن خفوت التوتر بين البلدين متوقف على أداء الحكومة الإسبانية خاصة في المرحلة الحالية، الأمر الذي سيظهر بشكل خاص في استكمال المسطرة القضائية في مواجهة إبراهيم غالي المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والذي وجه له القضاء الإسباني استدعاء رسمياً.
واتهمت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبلز، أمس الخميس، المغرب بـ”ابتزاز” بلادها و”انتهاك أعراف القانون الدولي”، وقالت: “لن تقبل الابتزاز على الحدود مع سبتة أو التشكيك في السلامة الإقليمية للأراضي الإسبانية”، كما نقلت عنها صحيفة “هسبريس” الإلكترونية قولها إن “سلامة إسبانيا غير قابلة للتفاوض، وسنستخدم كل الوسائل اللازمة لضمان وحدة الأراضي ومراقبة الحدود”.
وأضافت أن “ّما فعله المغرب برمي القاصرين هو أمر بالغ الخطورة من وجهة نظر القانون الدولي”، مشيرة إلى أن “الهجوم على سبتة هو اعتداء على إسبانيا والاتحاد الأوروبي”. كما استدركت قائلة إن “المغرب بلد صديق وجار، لكن عليه إعادة النظر في ما فعله”، حسب المصدر المذكور.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: