تخصيص صندوق للأموال المنهوبة في الجزائر لا يبدد الغموض حول موطنها

بليدي

عاد ملف الأموال المنهوبة إلى الواجهة في الجزائر بعدما قرر رئيس الدولة تأسيس صندوق تضخ فيه الأموال التي يتم تحصيلها مما يعرف بحملة الحرب على الفساد، التي شملت منذ أكثر من عام وجوها وشخصيات وازنة محسوبة على الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

ولا يزال الغموض يكتنف مسار الأموال المذكورة، فباستثناء الـ800 مليون دولار المعلن عن تحصيلها من طرف القضاء الجزائري خلال الأسابيع الأخيرة، لا يعرف الرأي العام الجزائري مصير وحجم الأموال المنهوبة قبل العام 2019، رغم أن تصريحات رسمية قدرتها بـ”المليارات” بالعملة الصعبة.

وكان الرئيس عبدالمجيد تبون قد ذكر في تصريح لوسائل إعلام محلية أن “الأموال المنهوبة تقدر بالمليارات”، وأنها تتجاوز بكثير سقف العشرة مليارات، وكانت من ضمن التعهدات التي تقدم بها في برنامجه الانتخابي، كما صرح أنه “يعلم مكان تواجدها”.

ودون أن يشير إلى تقديرات مقربة أو إلى أماكن توطينها، ربط الرجل المسألة بمدى تقدم القضية على الصعيد القضائي من أجل إصدار أحكام قضائية بشأن ملفات الفساد المطروحة للمعالجة، قبل الشروع في الإجراءات الأخرى، غير أن نمط تسيير الأزمة السياسية القائمة، باعتماد أسلوب تجديد النظام السياسي بدل الاستجابة لمطالب التغيير الشامل المرفوعة منذ بداية الحراك الشعبي في 2019، وضع جهود السلطة محل شك المعارضين، خاصة في ظل تهم خضوع القضاء للسلطة التنفيذية وإمكانية توظيفه في تصفية الحسابات بين أجنحة النظام تحت عنوان الحرب على الفساد.

وذكر بيان مجلس الوزراء المنعقد برئاسة تبون الأحد أن “رئيس الدولة أمر الحكومة بإدراج أحكام ضمن مشروع الأمر المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2021، تتعلق باستحداث صندوق خاص بالأموال والأملاك المنهوبة المصادرة في إطار قضايا محاربة الفساد”.

وأضاف “يخص هذا الصندوق الأموال والأملاك المنهوبة المصادرة، والتي ستتم مصادرتها مستقبلا بناء على أحكام قضائية نهائية، في إطار قضايا محاربة الفساد”.

وتتضارب الأرقام بشأن مداخيل الجزائر خلال حقبة بوتفليقة (1999 – 2019)، في إطار ما عرف بـ”البحبوحة المالية” المتأتية من مداخيل النفط، بين من قدرها بـ1500 مليار و1200 مليار دولار، لم تجسد عائداتها في تحقيق نهضة تنموية وخدماتية، حيث مازالت البلاد تتخبط في أوضاع متأزمة، زادتها ظروف الجائحة الصحية العالمية والأزمة الاقتصادية تعقيدا.

وتجلى ذلك خلال ما أعلنته الاثنين شركة “سيال” (فرنسية) المسيرة لقطاع ماء الشرب عن رزنامة لتزويد سكان العاصمة بالمادة المذكورة، تم بموجبها تقليصها إلى ثماني ساعات في اليوم، وبررت ذلك بـ”تراجع مخزون المحافظة من المياه سواء كانت سطحية أو جوفية أو محلاة”، وهو ما يترجم حجم الأزمة التي تنتظر البلاد خلال هذه الصائفة، وأن الوضع سيكون أكثر مأساوية في المحافظات والمدن الأخرى.

بلعيد عبدالعزيز: يجب إطلاق سراح رجال الأعمال مقابل إرجاعهم الأموال إلى خزينة الدولة

واغتنم الرئيس تبون فرصة الاجتماع الدوري لمجلس الوزراء لحض الحكومة على تشجيع عملية الشمول المالي لاستقطاب الأموال المتداولة في السوق الموازي، لاسيما من خلال طرح سندات الخزينة.

وكلف الحكومة بـ”مواصلة دراسة المنهجية المناسبة لتقليص عدد الصناديق الخاصة وإعادة إدماجها ضمن المسار العادي لتسيير إيرادات ونفقات الدولة بالشفافية والفعالية الضرورية لضمان التحكم الجيد في الميزانية العامة للدولة”.

وينتظر أن يكون قانون المالية التكميلي المنتظر عرضه على البرلمان القادم، للدخول حيز التنفيذ مطلع شهر يوليو القادم، قانون “أزمة” عاكسا لقرارات مؤلمة في الأفق، في ظل ارتباك التوازنات المالية للبلاد وعجز الحكومة عن إيجاد بدائل ناجعة وغياب مصادر أخرى لتمويل الاختلالات المسجلة.

ويبدو أن السلطة مستعدة لمعادلة “المال مقابل الحرية” تجاه عدد من رجال أعمال حقبة بوتفليقة المتواجدين رهن السجن بتهم الفساد المالي، لولا أن خطاب التغيير السياسي الذي تروج له، والالتزامات التي قطعتها السلطة الجديدة على نفسها أمام الرأي العام يعيقان عملية استرجاع أموال وممتلكات هؤلاء بالتراضي مقابل حصولهم على حريتهم.

ويستشف ذلك من دعوات متتالية أطلقها رئيس حزب جبهة المستقبل بلعيد عبدالعزيز، المتحالف مع السلطة، من أجل “إطلاق سراح رجال المال والأعمال المسجونين مقابل إرجاعهم للأموال والممتلكات المنهوبة لخزينة الدولة”، وتساءل “ما الجدوى من سجن هؤلاء إذا كان ذلك يضيع وقتا وجهدا لاسترجاع أموالهم وممتلكاتهم؟ الأفضل الوصول إلى صيغة بالتراضي في هذا الشأن”.

غير أن نمط تسيير الأزمة السياسية القائمة واستمرار صراع الأجنحة النافذة في السلطة أعطيا الانطباع لدى عدد من رجال الأعمال المسجونين بأن سجنهم هو قرار سياسي بالدرجة الأولى بعنوان الحرب على الفساد، وهو ما كشف عنه النائب السابق والناشط السياسي المعارض طاهر ميسوم المحكومة عليه بعامين سجنا نافذا هو الآخر.

وقال إن “رجلي المال والأعمال علي حداد ومحيي الدين طحكوت لا يريدان تسليم أي سنتيم من أموالهما للسلطة مقابل حريتهما، لقناعة ترسخت بأن تسيير الأزمة يتم بأمزجة ومصالح وأجنحة، وأنه يمكن ممارسة المزيد من الضغط على السلطة”.

وبذلك يُشير الرجل إلى إطلاق سراح متهمين سابقين في الأزمة تحولوا إلى نافذين في السلطة، كما هو الشأن بالنسبة إلى وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار، الذي حكم عليه بعشرين عاما سجنا نافذا من طرف القضاء العسكري، ومدير جهاز الاستخبارات المنحل الجنرال المتقاعد محمد مدين (توفيق) الذي حكم عليه بـ15 عاما سجنا نافذا، قبل أن يطلق سراحه خلال العام الماضي، ويعود الأول إلى أرض الوطن في طائرة رئاسية خاصة ويستقبل بالتحية العسكرية الشرفية في نفس الفترة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: