أعلنت السلطة الوطنية للانتخابات في الجزائر إرجاء انطلاق الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية المبكرة إلى الخميس القادم الموافق للـ20 من مايو 2021 وسط توتر سياسي واجتماعي تعرفه البلاد، ما يُفاقم المخاوف بشأن نسب المشاركة في هذا الاستحقاق الذي يبدو السباق منحصرا فيه بين الأحزاب الإخوانية واللوائح المستقلة.
تنطلق بعد أيام قليلة في الجزائر، الحملة الدعائية للانتخابات النيابية المبكرة في أجواء من التوتر السياسي والاجتماعي، لكن المنخرطين في المسار السياسي، يراهنون على الاستحقاق المذكور ليكون عرسا ديمقراطيا، يفرز برلمانا جديدا يجسد خطاب التغيير الذي تروج له السلطة.
ويتوقع رئيس السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات محمد شرفي، أن تكون الانتخابات النيابية المبكرة المقررة في الـ12 من يونيو القادم، “عرسا ديمقراطيا، وأن انتخاب النواب الجدد سيكون انفراجا للجزائر الجديدة”، رغم الأجواء السياسية والاجتماعية المتوترة في البلاد، حيث تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة الاحتجاجات العمالية والسياسية، مقابل ارتفاع منسوب القمع والتضييق على المعارضين للسلطة.
وتنطلق الحملة الانتخابية الخميس المقبل، إذ ينتظر أن تخوض الأحزاب السياسية واللوائح المستقلة جولة مكوكية على مدار أسبوعين ونصف الأسبوع، من أجل إقناع الناخب الجزائري، أولا بالمشاركة في الاقتراع، ثم ثانيا ببرامجها الانتخابية، في ظل المخاوف من تسجيل نسبة عزوف ومقاطعة قوية، على غرار ما حدث في الاستفتاء الشعبي على الدستور، المنتظم في الفاتح من نوفمبر الماضي.
ويبدو أن الطبقة السياسية التي انزعجت من “حملة المقص” التي مارستها السلطة المذكورة على الكثير من اللوائح الحزبية والمستقلة، لما أقصت العشرات من المرشحين لأسباب مختلفة، دفعت قادة أحزاب إسلامية إلى تكريس ضغوط على رئيس السلطة محمد شرفي الذي التقى بهؤلاء، غير أن الوتيرة استمرت بنفس النمط، حيث أسقطت مريم مقري، ابنة رئيس حركة مجتمع السلم الإخوانية عبدالرزاق مقري في الدائرة الانتخابية للعاصمة، في أعقاب اللقاء المذكور.
وصرح الرجل الأول في “حمس” بأن حركته قد “ظُلمت” من طرف سلطة الانتخابات، بينما اكتفى حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم سابقا، بإصدار بيان وصف بـ”الناعم”، بعد إقصاء أمينه العام أبوالفضل بعجي من الترشح في العاصمة، عبر فيه عن امتعاضه ممّا أسماه بـ”حملة استهدفت لوائحه”، وحمل المسؤولية للجان الفرعية بينما تحاشى توجيه نقده للسلطة المركزية.
ووسط غموض يكتنف طبيعة المشهد السياسي المنتظر في البلاد، بين تأويلات ترجح فرضية هيمنة الإسلاميين على البرلمان القادم، في ظل التقارب المسجل بين الإخوان والسلطة، وبين الاستحواذ عليه من طرف المستقلين الذين دخلوا السباق بقوة، مستفيدين في ذلك من الدعم المادي والتشريعي الذي أولته السلطة الجديدة للمجتمع المدني، لا يولي الشارع الجزائري أي أهمية للحملة الدعائية المنتظرة، على الأقل خلال الأيام القليلة التي تسبقها.
وجاء العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين ليتحول إلى ورقة انتخابية خاصة لدى الأحزاب الإخوانية، حيث صرح رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، بأنه “لو تفتح الحدود سيكون أول المنضمين لقطاع غزة”، بينما حولها عبدالقادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني، إلى مادة سياسية لاستمالة الشارع المتعاطف مع الشعب الفلسطيني.
وكانت السلطة الجزائرية، قد أعدت قانونا انتخابيا جديدا يستهدف ما أسمته بقطع الطريق على المال السياسي، ومراجعة العديد من الآليات التي كرست أغلبية تقليدية هيمنت على البرلمان طيلة العقود الماضية، وفتحت المجال أمام عنصري المرأة والشباب، بإقرار تخصيص نصف اللائحة للأولى، وثلثها للثاني، فضلا عن دعم مادي ومالي له.
غير أن السقوط الجماعي للكثير من اللوائح والأسماء أثار مخاوف الطامحين لشغل المقاعد النيابية، خاصة في ظل تمسك السلطة بتنفيذ بنود القانون الانتخابي الجديد إلى درجة التعسف، حسب وصف بعض السياسيين والناشطين الذين تم إقصاؤهم لأسباب مختلفة لم يقتنعوا بها.
ويبدو أن الانتخابات النيابية التي ترفضها أحزاب راديكالية والحراك الشعبي، وتهدد بإفشالها كما حدث مع الاستحقاقات الانتخابية السابقة (الانتخابات الرئاسية والاستفتاء الشعبي على الدستور)، لم تعد تخيف سلطة تنظيم الانتخابات، التي باتت ترضى بالقليل حسب ما يُستشف من تصريحات رئيسها.
وسبق لمحمد شرفي أن أعرب في تعليقه على النتائج المتدنية للمشاركة في الاستحقاقات السابقة، عن “ارتياحه وقناعته بالأرقام المسجلة”، وبرر ذلك بكون كبرى الديمقراطيات العريقة في العالم صارت تسجل عزوفا شعبيا.
وذكر بشأن النتائج التي حققها الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون في الانتخابات الرئاسية، بأن “الجزائر لأول مرة تعرف رئيسا حلالا”، في تلميح للتزوير والتضخيم الذي كان يلف الاستحقاقات الرئاسية الأخرى، لكن انطباع الرجل لا يمكن أن يحجب أزمة الشرعية الشعبية التي تؤرق المؤسسات الحالية، وليس بعيدا أن يتم استنساخها في البرلمان القادم.
وكانت الحكومة الجزائرية، قد اتهمت النقابات العمالية التي نظمت سلسلة إضرابات متتالية خلال الأسابيع الأخيرة، بـ”العمل لصالح أجندات خارجية تريد التشويش وإجهاض الموعد الانتخابي”، وهو الموقف الذي تكرر من طرف عدة فاعلين في السلطة، على غرار المؤسسة العسكرية التي وجهت عبر مجلة الجيش الناطقة باسمها، تهما مماثلة للشركاء الاجتماعيين ولقوى الحراك الشعبي الرافضة للانتخابات.
وتصاعدت العديد من الأصوات في الآونة الأخيرة، تدعو إلى تأجيل الانتخابات التشريعية، والتفرغ لحل الأزمة السياسية القائمة، عبر القيام بإجراءات تهدئة وفتح حوار سياسي شامل بين الجميع، لبلورة خارطة طريق تنتهي بانتخابات تفرز مؤسسات شرعية في المجالس المحلية والمركزية ورئاسة الجمهورية.