يبقي تعدد مسارات الحلول أزمة الجزائر في مربعها الأول، فبين تغليب الحكومة للمقاربة الأمنية وفرض القيود على الحراك الشعبي لإخماد نار الاحتجاجات المتصاعدة، تتالى المبادرات السياسية كمبادرة التيار الوطني الجديد و“نداء 22” اللتين تروجان لحل سياسي لإنهاء الأزمة، فيما يقول المتابعون إن هذه الحلول التي تكشف الارتباك السائد بالمشهد الجزائري، لن تفضي إلى نتائج في ظل تواصل الاحتقان الاجتماعي، وعلى العكس ستطيل في أمد الأزمة أكثر.
لا زالت الأزمة الجزائرية بعيدة عن أي مخرج لها في ظل الغموض وتعدد مسارات الحلول المتاحة، فأمام إمكانات العنف المشروع المتوفر لدى السلطة بإنهاء المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية بواسطة الحلول الأمنية، يتم الرمي بمبادرة التيار الوطني الجديد للرأي العام من أجل حل سياسي للأزمة، بينما يتمسك “نداء 22 ” بعقيدة الحراك الشعبي لإحلال تغيير سياسي شامل ورحيل السلطة القائمة.
وينتظر مثول عدد جديد من الموقوفين الأحد أمام القضاء للنظر في تهم وجهت لهم تتمحور حول التحريض على التجمهر وبث منشورات تهدد سلامة الوحدة الوطنية والاستقرار الأمني، والتجمهر غير المرخص له، وذلك في أعقاب الأسبوع الـ117 من الاحتجاجات السياسية الشعبية المستمرة في البلاد.
وإلى غاية ساعة متأخرة من مساء الجمعة بقي نحو 500 موقوف في مخافر الشرطة، بعد إطلاق سراح مئات آخرين، لتكون بذلك الجمعة الأخيرة، أعنف أسبوع منذ انطلاق الاحتجاجات السياسية في الجزائر، حيث طالت الاعتقالات وجوها سياسية وناشطين بارزين معارضين لأول مرة، على غرار أمين عام حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، فضلا عن عدد من الإعلاميين، كما هو الشأن بالنسبة لليندا ختو، من راديو “أم” العامل على شبكة الإنترنيت.
وكانت وزارة الداخلية الجزائرية قد أصدرت في غضون هذا الأسبوع بيانا تحذيريا، شددت فيه على ضرورة الحصول على ترخيص من طرف المصالح المختصة لأي مظاهرة أو مسيرة شعبية، يتم خلاله التصريح بهوية المؤطرين والمسار والشعارات المرفوعة، وهو ما اعتبرته فواعل الحراك الشعبي خطوة للتضييق على الحريات السياسية.
وأكدت على لسان المحامي الناشط في تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي عبدالرحمن صالح، بأن “الحراك الشعبي لو انتظر التراخيص والتصريحات الرسمية لكان الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، يقضي حاليا ولايته الرئاسية الخامسة”.
وأعطى بيان الداخلية انطباعا لدى المتابعين للشأن الجزائري بأن السلطة تتجه إلى إنهاء انتفاضة الشارع وإعادة الاستقرار له عشية الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة ستجري في الـ12 من يونيو، وهو ما يدفع إلى حالة من الاستقطاب غير المسبوق، قد يزيد من الاحتقان وغير بعيد أن يؤدي إلى تفجير صدام بين المحتجين وقوات الأمن، رغم تمسك الحراك الشعبي بـ”الطابع السلمي”.
أنصار المقاربة الأمنية يجدون أنفسهم في حالة حرج من إمعان الحكومة في تصعيد القمع والتضييق على المحتجين
وفيما تدفع الحكومة بالمعالجة الأمنية كمقاربة لحل الأزمة التي دخلت عامها الثالث، وطرح ذلك كخيار وحيد لإنهاء حالة التشدد القائمة في البلاد، فإن تمسك أطراف أخرى بالحلول السياسية كمخرج للأزمة المذكورة، يبقي الوضع في نفس المربع ودون أي مؤشر على ميلان أي كفة على حساب الأخرى، مما يضيع المزيد من الوقت من عمر بلد أنهكته تراكمات أزمة متعددة الأشكال والأوجه خلال السنوات الأخيرة.
ولم تصدر الرئاسة الجزائرية خلال عيد الفطر أي قرار عفو على المساجين، عكس ما دأبت عليه في تقاليدها الاجتماعية، واكتفى الرئيس عبدالمجيد تبون، بتوجيه رسالة تهنئة إلى فئات محددة كعمال الصحة والأمن والجيش، دون بقية أفراد المجتمع، مما أثار استفهامات لدى المراقبين حول دلالة الرسالة التمييزية رغم أن المناسبة دينية اجتماعية يشترك فيها الجميع.
وأمام اشتداد القبضة الأمنية وتوقع الزج بالمزيد من الناشطين في السجون، أعرب تنظيم “نداء 22″، الذي يمثل إحدى أذرع الحراك الشعبي عن تمسكه بـ”العقيدة السياسية للحراك الشعبي”، وحضّ على الحلول السياسية كمخرج للأزمة التي تتخبط فيها البلاد، بينما رمى “التيار الوطني الجديد” المنبثق هو الآخر عن الحراك الشعبي، بمبادرة سياسية في نفس المنحى. ليجد بذلك أنصار المقاربة الأمنية أنفسهم في حالة حرج من الإمعان في تصعيد القمع والتضييق على المحتجين.
وذكر بيان التيار الوطني الجديد الذي يوصف بـ”المعتدل”، بأن “المتابع الجيد للأحداث التي تعرفها بلادنا اليوم يدرك أننا أمام منعطف تاريخي مهم يجعل الدولة الوطنية على المحك، فنحن محكوم علينا كجزائريين بالتفاهم والتآخي للحيلولة دون انهيار الدولة وانبعاث الفوضى في المجتمع”.
ووضع البيان الحوار السياسي الجاد، مخرجا وحيدا للأزمة التي تتخبط فيها البلاد، وذكر بأنه “لا بديل عن الحوار كحل وحيد للأزمة، والذي لا يكون جادا وباعثا للأمل إلاّ إذا شمل كل القوى السياسية الفاعلة داخل وخارج الوطن، خاصة ما أفرزه الحراك من شخصيات تحظى بالثقة والتقدير، وأن الانطلاقة الفعلية لهذه العملية تصطدم دائما بمخلّفات تسيير أمني للأزمة السياسية التي أعقبت استقالة بوتفليقة من طرف المؤسسة العسكرية، والتي أثبتت فشلها ومحدوديتها من اعتقالات وأحكام قضائية في حق النشطاء السياسيين وغلق المجال الإعلامي في وجه المعارضين لتوجهات النظام”.
وشدد على أن أي حوار سياسي يستوجب إرساء جسور ثقة بين الطرفين، تقوم على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين دون شرط أو قيد، وفتح الإعلام على مختلف أطياف المشهد السياسي ورفع كل أشكال المضايقات والأوامر الأمنية والسياسية التي تتنافى مع حرية الإعلام، وفتح الفضاءات العامة لكل الجزائريين دون إقصاء، ووقف كل أشكال المتابعات القضائية ضد النشطاء السياسيين في الداخل والخارج، والتزام الجميع معارضة وسلطة بوقف كل أشكال الهجمات الإعلامية المتبادلة والتزام خطاب إعلامي يراعي خصوصية المرحلة، وتأجيل الانتخابات التشريعية إلى موعد تتفق عليه كل الأطراف السياسية، وجعل الدستور أداة للاحتكام إليه وليس أداة للبقاء في الحكم وتعطيل الحلول السياسية.