المكر لن يساعد ألمانيا في بناء علاقة ثقة مع المغرب

ماموني

التحدي الذي يواجه ألمانيا هو إعادة تعريف واقعية لعلاقتها مع المغرب بصفته قوة إقليمية ورقما دوليا مهمّا له كلمته في ملفات محورية عديدة، من بينها الإرهاب والأمن. إضافة إلى موقع المغرب المتقدم في أفريقيا، سياسيا واقتصاديا وتجاريا، ما يدعو أصحاب القرار في برلين إلى إيجاد ديناميكية جديدة مبنية على احترام سيادة الرباط ومصالحها، والتحلي بالشجاعة لمعالجة مشاكل وصفتها وزارة خارجية المغرب بـ”المتراكمة”.

لم يثمر تعليق التعاون مع السفارة الألمانية في الرباط والمؤسسات الألمانية التابعة عن نتائج إيجابية منذ مارس الماضي، بالنسبة إلى الرباط التي كانت تأمل في أن تستجيب السلطات الألمانية بفتح ملفات عالقة ومعيقة لتطوير العلاقات الثنائية، وعلى رأسها موقف المؤسسات الألمانية الرسمية من قضية الصحراء، وموقف برلين العدائي في أعقاب الإعلان الرئاسي الأميركي الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه. وهو ما يعتبر موقفا خطيرا لم يتم تفسيره لحد الآن، حسب الخارجية المغربية، التي استدعت سفيرة الرباط في برلين من أجل التشاور في 7 مايو الجاري.

تقول الخارجية الألمانية إنها “تفاجأت بهذا الإجراء وأنهم يبذلون جهودا بناءة مع الجانب المغربي لحل الأزمة”.

ولنكون واضحين، معالجة التحديات المطروحة لتطبيع العلاقات الثنائية لن تكون أمرا سهلا، خاصة بتعاطي الحكومة الألمانية مع مشكلة التحريض على المؤسسات الرسمية والمصالح العليا للمغرب من داخل أراضيها بنوع من المكر السياسي. واستغلال محمد حاجب، المصنف إرهابيا، ليكون منصة قصف يومي ضد المغرب، وشحن أصحاب الفكر المتطرف. فهذا يطعن في جدية خطاب برلين ضد التطرف، وهو ما يقلل من فرص الحكومة المقبلة في الانخراط بوعي في مناقشة هذا الوضع بشكل موضوعي وعملي.

تلقّف الدوائر الاستخبارية الألمانية لمحمد حاجب الذي قضى سنوات في السجن لتورطه في أعمال إرهابية، وهو مطلوب دوليا، واستغلاله منصة حربية ضد المغرب، إضافة إلى تسريب معلومات سرية وهامة له ليفلت من القبض عليه، من الطبيعي أن يولد ردود فعل قوية من أصحاب القرار بالرباط، ستكون نتائجها سلبية على التعاون المستقبلي وتتسبب بتراجع منسوب الثقة في العلاقات الثنائية في الشق الأمني والقضائي والاستخباراتي.

عندما تتحدث ألمانيا عن المصالح المشتركة فهي بالقطع تعمل على خدمة امتيازاتها التجارية والاقتصادية وطموحاتها الجيوسياسية بشمال وغرب أفريقيا. ولا بد من التذكير أن المؤسسات الألمانية كانت تراهن على إدارة بايدن للضغط على المغرب، من مدخل المجتمع المدني وحقوق الإنسان، لكسب مساحة تجارية واقتصادية بمناطق الصحراء المغربية، ما دفعها إلى خلق منصات للتشويش على الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على صحرائه.

باستدعاء السفيرة المغربية زهور العلوي من برلين للتشاور، تكون فجوة الأزمة قد توسعت ولن تكفي الحلول البسيطة لتجاوز الأزمة، إذ هناك حاجة إلى قرارات صعبة لإزالة العقدة التي خلفتها ممارسات مؤسسات صنع القرار الألمانية، خصوصا عندما تخضع المبادئ والنوايا للتجربة والواقع.

الصحراء المغربية ملف وجود بالنسبة إلى المملكة المغربية، لا يقبل تسويات غير العادلة، فهو ملف أمة ومستقبل شعب ودولة. أضف إلى ذلك أن سماح برلين لصوت متطرف بأن يكون منصة قصف تضغط من خلالها على المغرب، يخلط قضايا مصيرية في مشهد يشكل مشكلة متشابكة الدوافع والأهداف.

الصحراء المغربية ملف وجود بالنسبة إلى المملكة المغربية، لا يقبل تسويات غير العادلة، فهو ملف أمة ومستقبل شعب ودولة

ليس غريبا على ألمانيا التعامل بنوع من الاستعلاء وعدم الإصغاء لأسئلة الرباط حول انخراط برلين في تهديد مصالح المغرب، بالتواطؤ أو التغاضي عن أطراف لها ماضي غير مشرف حقوقيا وديمقراطيا. ولا يستبعد أن تكون الرباط قد رصدت دعما من برلين لتواجد إيراني في شمال وغرب أفريقيا، والذي يشكل تهديدا موضوعيا للأمن القومي المغربي، خصوصا في علاقتهما الثنائية الموصوفة منذ عقود بالودية والحيوية والتعاطف. وكان اكتشاف دعم طهران للبوليساريو على جميع الأصعدة سببا في قطع العلاقات بين إيران والمغرب عام 2018.

هل تعيد الحكومة الألمانية مراجعة ممارساتها لبناء أدوات جديدة لإدارة علاقاتها مع المغرب وتعديل سياستها باستخدام بيانات موضوعية، واستخلاص بعض الدروس الأولية المتعلقة بممارسة المغرب سياسته الخارجية في العقد الأخير، والتي حققت نجاحات دبلوماسية كثيرة خاصة في ما يتعلق بملف الصحراء؟

محللون في مراكز أبحاث ألمانية يخلطون الأوراق بالنسبة إلى الحالة المغربية، فجلسات الاستماع لحقوق الإنسان في المغرب لم تبدأ مع ما يسمّى بالربيع العربي، حسب اعتقادهم، بل قبل ذلك بعشر سنوات. وإرهاصات الانفتاح السياسي والحقوقي بالمملكة، والقطع مع مخلفات ما يطلق عليه بسنوات الجمر والرصاص، كناية على صراع السلطة والمعارضة، كانت قبل ذلك التاريخ. لهذا فإن فوائد التعاون الذي تنشده برلين مع المغرب يشترط فيه الطرف الغربي، بشكل ضمني، فقدان حقوق السيادة الوطنية.

نقرأ ترتيبات السياسة الخارجية الألمانية تجاه دول خارج المنظومة الأوروبية، ومنها المملكة المغربية، كحالة ضرورية من خلال أولويات التعاون الصناعي وتصدير الأسلحة، ومعدل الاستثمارات والميزان التجاري، والتعاون في مجالات الدفاع والأمن ومسار المعلومات الاستخبارية، باعتبارها من القضايا المطروحة على طاولة القيادة المقبلة، حيث من المرجح أن يكون منصب المستشار من نصيب رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي أرمين لاشيت، المعروف بالبراغماتية والتريث في اتخاذ القرارات المصيرية.

تمر ألمانيا بمرحلة انتقالية مع اقتراب الانتخابات التي ستفرز قيادة جديدة تزيد من توسيع مجال المناورة والتسويف في ملف العلاقات مع المغرب وتسوية الخلافات المستعصية والتي لا يمكن تجاوزها، فهي تمسّ جوهر الأمن القومي للمغرب البلد المحوري في شمال أفريقيا. ومن المرجّح أن تستمر حالة عدم اليقين في سياسة برلين تجاه مصالح الرباط لسنوات قليلة مقبلة مما ينذر بوقت عصيب يشهده التعاون الثنائي بين البلدين.

أخيرا، رغبة الألمان في أن يكونوا فاعلين على الساحة العالمية ومتدخلين في قضايا المنطقة من خلال عدد من المؤسسات منها الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، يمكن أن تساعد في تذكير السياسيين الألمان بأهمية المغرب ودوره كقوة إقليمية وأفريقية داخل نظام عالمي متعدد الأطراف برزت في العقد الأخير وزادت في ترسيخها الأزمات المتكررة ومنها تداعيات كوفيد – 19. وبهذا ستكون أمام ألمانيا فرصة لممارسة سياسية ودبلوماسية منظمة وفعالة لا تفتقر إلى منهجية براغماتية ومبدئية في تعاملها مع القضايا الحساسة للمغرب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: