هجرة الأدمغة الجزائرية.. أرقام مخيفة

زناز

مع تفاقم الأزمة متعددة الأبعاد في الجزائر منذ نهاية الثمانينات واحتدام النقاش حول كيفية الخروج من تلك الأزمة والشبان الجزائريون يرددون شبه نكتة تقول إن “المخرج الوحيد للجزائر هو المطار”. في إشارة ساخرة إلى أن الحل الوحيد هو مغادرة الجزائر بحثا عن بلد بديل قد يوفر استقرارا وعيشا أفضل.

وفعلا هاجر الآلاف من الشبان إلى أوروبا والولايات المتحدة، وبالخصوص إلى فرنسا، بحكم معرفتهم باللغة الفرنسية ووجود جالية جزائرية كبيرة هناك.

وتقول مصادر كثيرة إن الجزائر فقدت ما لا يقل عن مئة ألف من حاملي الشهادات العليا منذ عام 1990 من بينهم ألوف الأطباء والجراحين استقر أغلبهم بفرنسا. وقد اضطر المئات إلى المغامرة بحياتهم ومواجهة البحر على قوارب الموت مع تزايد صعوبة الحصول على الفيزا في السنوات الأخيرة.

وان كانت ظاهرة هجرة الذين قهرتهم البطالة المتعلمين منهم وغير المتعلمين مفهومة ويمكن تبريرها، فمن الغريب أن ينوي المغادرة شبان يحملون كفاءات عالية ولا تمسهم البطالة تماما.

ومؤخرا عمّق كوفيد – 19 من الأزمة وترك آثارا مفجعة على الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي مما عزّز بقوة رغبة الهجرة لدى الكوادر الأكثر تأهيلا في الجزائر.

ونقرأ في دراسة جديدة تحت عنوان “حركية وأولويات المواهب سنة 2021 في الجزائر”، أجراها مركز بوسطن الأميركي للاستشارات الاستراتيجية بالتعاون مع “النتورك” وهي شبكة عالمية تضم أكبر مواقع التوظيف ومع الموقع الجزائري “إمبلواتيك” أن نسبة معتبرة من الشباب الجزائري المكون تكوينا جيدا عبّر عن إرادته في البحث عن آفاق أخرى خارج الجزائر. وهي ضمن دراسة عالمية شاملة شارك فيها 209 آلاف شخص من 190 بلد، ما بين عامي 2020 و2021.

شارك في التحقيق 2771 شابا وشابة من الجزائر تتراوح أعمارهم بين 21 و50 سنة كلهم من ذوي المستويات الجامعية العليا ويحتلون مناصب ثابتة في مختلف التخصصات.

وتبين من هذه الدراسة المعمقة أن 83 في المئة من المستجوبين الجزائريين يطمحون إلى تغيير ظروف عملهم، بالانتقال إلى العمل خارج بلدهم، والبحث عن فرص أخرى أكثر أهمية رغم الأزمة الصحية والاقتصادية. وهي نسبة مخيفة إذا ما عرفنا أن نسبة الراغبين في الهجرة تصل إلى 50 في المئة فقط بالنسبة إلى كل دول العالم و71 في المئة بالنسبة إلى الدول الإفريقية.

ونقف في التقرير على ظاهرة صادمة مفادها أن رغبة الهجرة مستفحلة أكثر في بعض القطاعات المهمة جدا في الحياة الاقتصادية اليوم. فمثلا نجد أن 100 في المئة من الجزائريين المستجوبين الذين يمتهنون التكنولوجيا الرقمية والأتمتة قالوا إنهم يأملون في انتقال سريع إلى بلدان أجنبية متقدمة. بمعنى آخر يود كل الجزائريين الذين ينشطون في الاقتصاد الرقمي مغادرة البلد!

أما في ميدان الاستشارات والبحث العلمي والتسويق والاتصالات فقد وصلت نسبة الذين يريدون المغادرة إلى 90 في المئة. وفي مجال الخدمات يجيب 71 في المئة منهم بأنهم يبحثون أيضا عن فرصة عمل في الخارج.

ومن البديهي أن هذه النسب المرتفعة هي تعبير عن انسداد الآفاق وتشي بنوع من فقدان الأمل في إصلاح اقتصادي مستقبلي في الجزائر، خاصة وهي تمسّ أوساطا مهنية مهمة جدا وحاسمة في تطوير الاقتصاد الجزائري. والسؤال الذي لا تجيب عنه الدراسة هو ما سبب وجود رغبة في الهجرة لدى الجزائريين أقوى بكثير مما هو موجود لدى شعوب أفريقية في دول هي أكثر فقرا وأكثر معاناة من وباء كوفيد – 19.

السبب حسب اقتصاديين واجتماعيين هو أن الوضع أصبح لا يطاق في الجزائر فلا قطاع مسيّر على ما يرام؛ مستوى تعليم ضعيف جدا، بطالة مستفحلة، مستشفيات مهترئة، بعض البنايات في المدن تكاد تسقط على رؤوس المارة.. وهيمنة للفكر الأصولي الإخواني للدين وقضاء غير مستقل. علاوة على الاحتقان السياسي الذي تعيشه البلاد منذ انطلاق ثورة الابتسامة وانغلاق السلطة على ذاتها ومحاولة فرض ورقة طريق أحادية يرفضها معظم الجزائريين. وهو وضع طارد لا يشجع الكفاءات على البقاء في البلد. وربما ستشهد الجزائر موجة من الهجرة لم تشهدها من قبل بمجرد فتح الحدود المغلقة منذ أكثر من عام بدعوى كوفيد – 19.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: