في مقابل التنديد بظاهرة الخوف من الإسلام التي تنتشر في الغرب يلجأ الكثيرون إلى الدفاع عن الدين الإسلامي من خلال الدعوة إلى التمييز ما بين عقيدته الأصلية وبين الأفكار المتشددة التي تدعو إلى العنف باعتبارها أفكارا طارئة عليه وبدعا مستحدثة اختلقتها جماعات سياسية شاءت أن تتخذ من الدين ستارا.
ذلك كلام صحيح ولكن أن تطلب من شخص لا يعرف عن الإسلام شيئا أن يتخطى عقدة الظاهرة اليومية ويعود إلى الأصول النظرية فإن ذلك أشبه بالحرث في الهواء.
فالإنسان الغربي العادي على سبيل المثال غير ملزم بقراءة الكتب النظرية المتعلقة بالإسلام لكي لا يحكم عليه من خلال سلوك الجاليات الإسلامية التي تعيش معه في الحاضنة الوطنية نفسها من غير أن تقاسمه أي نوع من أنواع العلاقات السوية رافضة أن تلتزم بقوانين الدولة التي وهبت أفرادها حقوق مواطنة ما كانوا يحلمون بجزء يسير منها في أوطانهم الأصلية.
الإسلام الذي يخاف منه الغربيون هو إسلام مواطنيهم أولا وهو إسلام منقطع عن العقيدة الأصلية ويستعملها بانتقاء خبيث وشرير
من حق ذلك الشخص أن يتساءل بذعر “لمَ لا تذهبون إلى إيران ذات النظام الإسلامي لتعيشوا متصالحين مع أنفسكم ومع محيطكم الاجتماعي ولتتركوا بلاد الكفار لشأنها”؟
ذلك سؤال ردده مسؤولون غربيون من المستوى الرفيع من أن يجعلوا منه شعارا لهم خشية أن يتهموا بالعنصرية وهم براء منها. غير أن كثيرا من الغربيين يتداولونه تعبيرا عن استغرابهم الممزوج بخشيتهم من أن يتم تطبيع الظاهرة غير الديمقراطية التي تعيش عالة على مجتمعات ديمقراطية.
هناك وقائع تؤكد أن المسلمين الذين يعيشون في الغرب، وهم كتلة كبيرة، مذنبون وليسوا متهمين فقط. لذلك فإن الشبهات التي صارت تحوم حولهم ومن خلالهم على الإسلام لها أساس مؤكد في الواقع. فعلى سبيل المثال فإن السويد وهي بلد محايد لم تكن تسمح بالمساس بمواطنيها من أصول أجنبية بل كانت تحث أولئك المواطنين على الإبلاغ عن أيّ سلوك يعتقدون أنه ينطوي على نوع من ممارسة العنصرية ضدهم. ولكن مجتمع الأقليات وبالأخص المسلمة شهد خلال السنوات الماضية تصاعدا لوتائر العنف انطلاقا من السرقة والتهريب والاتجار بالمخدرات وصولا إلى القتل مرورا بعمليات التزوير والاحتيال وتسخير القوانين الإنسانية لغايات غير شريفة وغير نزيهة.
ذلك كله ما دفع الدولة السويدية إلى دعم إنتاج أفلام ومسلسلات تلفزيونية تقوم بفضح تلك الظواهر من أجل وضعها على طاولة التشريح العام من غير السكوت عنها والذي يعتبر نوعا من التستر الذي يتعارض مع مبدأ الشفافية الذي تكتسب من خلاله المجتمعات الديمقراطية قوتها.
المجتمعات الغربية التي تؤوي الملايين من المسلمين كانت قد ضُربت بعنف مرات عديدة من داخلها
قد يصر البعض على وصف ما يجري بأنه نوع من الـ”إسلاموفوبيا” أي الخوف من الإسلام ولكنه قول غير صحيح ومَن يتبناه يعبر عن عدم احترامه للحقيقة.
في محل آخر يمكننا القول إن المجتمعات الغربية التي تؤوي الملايين من المسلمين كانت قد ضُربت بعنف مرات عديدة من داخلها. ذلك لأن منفذي تلك الضربات كانوا إما قد ولدوا بين أحضانها أو ترعرعوا في ظل رعايتها. فهل يكون لشعار الانتقام الذي يرفعه أولئك المجرمون مؤكدين رغبتهم في الثأر للإسلام أيّ معنى سوى أنهم كائنات شاذة مشدودة إلى قيم داخلية لا تعرف التسامح ولا التعايش ولا تستحق أن يُنظر إليها بثقة.
حين نندد بظاهرة الإسلاموفوبيا مشككين بديمقراطية المجتمعات الغربية ننسى الدور المريب الذي تقوم به الجمعيات الإسلامية التي غالبا ما يتم تمويلها من قبل الدولة غير أنها في حقيقة رصيدها المالي إنما تشكل قوة ضاربة على مستوى تبييض الأموال وهي أموال تُنفق على عمليات الانشقاق عن المجتمع الغربي وعداء الدولة “الكافرة” وخرق القوانين “الوضعية”.
حين ندافع عن أنفسنا وعن ديننا نطلب من الآخر أن يفكر بطريقتنا. ذلك أمر غير معقول. فالإسلام الذي نعرفه هو غير الدين الذي يستعرضه الإسلاميون ويقيمون على أساسه صلتهم بالآخرين. الإسلام الذي يخاف منه الغربيون هو إسلام مواطنيهم أولا وهو إسلام منقطع عن العقيدة الأصلية ويستعملها بانتقاء خبيث وشرير.
اليوم تشعر الدول الغربية بأنها أخطأت حين شملت الجمعيات الإسلامية بإعاناتها. كانت تلك الجمعيات بؤرا للإرهاب والتخريب والتحريض على الهدم. ولكن ذلك الندم سينعكس سلبا على علاقة الدولة بالجاليات المسلمة التي وضعت أولادها في خدمة أهداف تلك الجمعيات.
الإنسان الغربي العادي غير ملزم بقراءة الكتب النظرية المتعلقة بالإسلام لكي لا يحكم عليه من خلال سلوك الجاليات الإسلامية التي تعيش معه
خلاصة القول إن الخائفين من الإسلام ليسوا على خطأ. فنحن أيضا خائفون على الإسلام من الإسلام السياسي الذي صار بمثابة واجهة غير شرعية لجاليات سيكون عليها أن تدفع ثمن ما أنتجته من إرهابيين. الإرهابيون كانوا دائما في مقدمة صورة الإسلام.
الإسلام الذي نعرفه لا يمكن فرضه على طريقة الآخرين في النظر إليه. فهم في مواجهة إسلام آخر هو الإسلام الذي يعيش بينهم.