مواقف متضاربة في هرم السلطة الجزائرية من تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية

بليدي

تضاربت ردود الفعل الرسمية في الجزائر حول اندلاع موجة الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة في البلاد، بين من أدرجها في خانة التآمر على الأمن والاستقرار الداخلي وبين من دعا إلى ضرورة فتح حوار اجتماعي مع الفاعلين في الجبهة الاجتماعية، ما أعطى الانطباع بأن هذا التضارب ينطوي على موقف غير منسجم بين مراكز القرار في السلطة.

ودعا الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مساء الأحد إلى ضرورة فتح حوار اجتماعي مع الشركاء الاجتماعيين في مختلف القطاعات، وخص بالذكر في بيان مجلس الوزراء المنعقد تحت إشرافه، قطاعي الصحة والتربية والتعليم، وهو ما يوحي بأن هرم السلطة يعمل على تهدئة الجبهة الاجتماعية في ذروة شهر رمضان، وعشية الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة مقررة في الـ12 من يونيو المقبل.

لكن توجيه دعوة الرجل الأول في الدولة لرسائل الطمأنة واحتواء الغضب الاجتماعي المتفاقم في البلاد، بالتوازي مع بيان شديد اللهجة صدر في نفس اليوم من طرف وزارة الداخلية، هدد فيه المحتجين من رجال الدفاع المدني، ووصف مسيرتهم بـ”غير الشرعية وغير المقبولة”، واتهم أصحابها بـ”خدمة أغراض وأجندات معادية لأمن واستقرار البلاد”، يوحي بأن الموقف ليس واحدا في هرم السلطة من الاحتجاجات الاجتماعية المذكورة.

وتتخوف السلطة الجزائرية من توسع رقعة الاحتجاجات العمالية لتشمل قطاعات أخرى خلال الأيام القليلة المقبلة، وهو ما سيعيق السير العادي الذي تتمناه السلطة للاستحقاق الانتخابي، وقد يؤثر على مسار العملية الانتخابية برمتها إذا استمرت نفس الأجواء التي ركزت انشغالها على الأوضاع المهنية والاجتماعية للطبقة الشغيلة في مختلف القطاعات.

وطالب الرئيس تبون حكومته في مجلس الوزراء المنعقد بمباشرة حوار اجتماعي مع الفاعلين في الجبهة الاجتماعية، ويقصد بهم النقابات وممثلي العمال، وذلك بغية تهدئة التوتر المتصاعد جراء تدهور ظروف العيش.

عبدالمجيد تبون: ضروري فتح حوار مع الشركاء الاجتماعيين في مختلف القطاعات

وأمر الرئيس تبون بـ”فتح الحوار مع مختلف الشركاء الاجتماعيين، بهدف تحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية لمنتسبي قطاعي التعليم والصحة”، وهما القطاعان اللذان يهددان بشل المؤسسات الصحية والتعليمية خلال الأيام القليلة القادمة عبر إضراب وطني شامل دعت إليه أكبر النقابات المستقلة الناشطة فيهما.

وارتفعت وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية في الجزائر مؤخرا بشكل لافت، الأمر الذي طرح فرضية تأجيج الغضب العمالي والدفع بالبلاد إلى الانفجار، بحسب ما زعمته دوائر ومؤسسات رسمية وشبه رسمية، لم تتوان في اتهام المعنيين بخدمة أجندات خارجية تستهدف ضرب الأمن والاستقرار الداخلي، وتساءلت عن الأسباب الحقيقية وراء تزامن للإضرابات الأخيرة مع الاستعداد لخوض الانتخابات التشريعية المبكرة.

وتولي الجزائر أهمية قصوى للاستحقاق المذكور من أجل استكمال ما تصفه بـ”إحدى أبرز المحطات السياسية للخروج من الأزمة وتحقيق مسار التغيير”، ولذلك تسعى لإجرائه في كنف الهدوء والاستقرار وتنقية المناخ العام من الاحتقان والمشاحنات، لاسيما في ظل وجود حملة عزوف ومقاطعة قويتين تلوح في الأفق.

وفي هذا الصدد أمر الرئيس الجزائري، أعضاء حكومته بتجميد التحركات الميدانية خلال فترة الحملة الدعائية للانتخابات النيابية المبكرة.

وجاء ذلك عقب اجتماع مجلس الوزراء المذكور، حيث ذكر بيان الرئاسة الجزائرية، بأن الرئيس أمر بـ”توقيف كلي للنشاطات الميدانية لأعضاء الحكومة قبيل وخلال الحملة الانتخابية”. وإذ لم توضح الرئاسة سبب القرار، لكن تبون سبق وأن تعهد في تصريحات سابقة، بضمان حياد الهيئات الرسمية في السباق الانتخابي وعدم دعم أي جهة.

غير أن الذي حدث لمسيرة رجال الدفاع المدني (الحماية المدنية)، من طرف قوات الأمن حيث شهدت المسيرة احتكاكات من الطرفين، والبيان القوي والشديد اللهجة الصادر عن وزارة الداخلية في نفس اليوم (الأحد)، يوحي بأن مهادنة تبون للجبهة الاجتماعية قد تصطدم بتشدد جهات لا تقاسمه الرؤية والهدف في هرم السلطة.

وذكر بيان الداخلية بأن “الوقفة الاحتجاجية لأعوان الحماية المدنية المنظمة اليوم مخالفة للقانون، كما تتعارض مع أحكام القانون الأساسي للموظفين المنتمين إلى الأسلاك الخاصة بالحماية المدنية”.

وأضاف “الحركة الاحتجاجية غير المؤسسة والمفتعلة والمدفوعة من أطراف عدة لها حقد على الجزائر وبأجندات مغرضة، تزامنت مع مباشرة الجهات الوصية دراسة الانشغالات المهنية والاجتماعية لمنتسبي هذا السلك، والسهر على التكفل بالمطالب المرفوعة وفق ما يسمح به القانون”.

وذكّر بأن “المعنيين بالحركة الاحتجاجية المدبرة وبصفتهم سلكا نظاميا خاصا، أن مثل هذه  التصرفات التي تمس بالنظام والسكينة العموميين تعد أمرا غير مسموح به تحت أي ظرف، وتدعوهم للعدول عنها بصفة نهائية، كما تحتفظ باتخاذ كل الإجراءات القانونية ذات الصلة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: