تعدد الزوجات أفكار مغلوطة لم تفهم القرآن

رنا زكار

أن يشجع الرجال فكرة تعدد الزوجات هو أمر قد نجد له تبريراً في ظل مجتمعات تميزها الذكورية، أما أن تتقبل النساء الفكرة ويدافعن عنها أيضاً فهذا ربما جدير بالدراسة والبحث.

وإذا كان الاعتقاد السائد أن الفكرة أصبحت من الماضي ولم تعد مقبولة في يومنا هذا، وأنها لا تشكل ظاهرة منتشرة وواسعة في مجتمعاتنا العربية، فإنها فكرة ما تزال فاعلة في عقول الكثير من المسلمين، والأنكى من المسلمات أيضاً، وما عليك إلا أن تطرح موضوع تقييد تعدد الزوجات أو منعه كما في تونس، والسير نحو قوانين أكثر إنصافاً للمرأة، حتى يخرج لك “المؤمنون” الورعون الخائفون على شرع الله، وقد دفعهم ورعهم للتصدي لك تحت دعاوى مخالفة أوامر رب العالمين، واعتراضهم يصل حدّ الغضب.

هؤلاء لن يتهاونوا أبداً أمام العبث بأصول دينهم، لا من باب الأهواء الذكورية والعياذ بالله، بل خوفاً على مشاعر النساء “العوانس” وحرصهم على أن ينلن حقوقهن في الزواج! أما “المؤمنات” فينظر بعضهن إلى الأمر من باب التطاول على الإسلام والمسلمين بغية تحقيق أهداف “العلمانية المقيتة”.

وإن كنتُ لستُ بصدد تفنيد الموضوع من نواحيه الاجتماعية، إلا أن ما يلفت النظر هو مدى تشبث “المسلمين” بهذا الحق الإلهي الممنوح للرجل، باعتباره السيد المبجل، المالك لامتياز جمع أربع زوجات إن شاء، وما عليه إلا التفضل على النساء والانتقاء من بينهن، أما من يتجرأ على محاولة تصحيح فهم المبدأ الذي أجازه الله، أو تقنينه فالتهم التي تكال له جاهزة وغير قابلة للمراجعة.

ولو كنا سنقف على الآية التي استند إليها الفقه عبر العصور في إباحة التعدد “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ” (النساء 3)، فإننا نلاحظ إهمال الشق الأول منها، حيث اعتاد الناس الاستشهاد بـ”مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ”، فإن سألت عن علاقة اليتامى بالموضوع تجنب المختصون الإجابة، لتجد التفسير في الكتب على أنه قد يربي الرجل يتيمة فإذا أراد أن يتزوجها فعليه أن يعاملها بالقسط كغيرها من النساء وإلا فليدعها ويتزوّج ما طابت نفسه من غيرها.

لكن للدكتور الراحل محمد شحرور رأي آخر مختلف، ينطلق من اعتبار يرى في الإسلام ديناً راقيا، وعالمياً يصلح، في نظره، لكل زمان ومكان.

ويرى في هذا السياق أنه رغم احتواء التنزيل الحكيم على آيات تتعلق بعصر النبوة، إلا أن آيات الرسالة جاءت لكلّ الناس في مختلف العصور، ومن ثم لا يمكن النظر إليها وفق عادات ذاك العصر، ومنها الآية التي تعنينا هنا، فإذا كان وارداً يوماً ما الزواج من الطفلة اليتيمة المربّاة فهذا الفهم لا يبدو في نظر شحرور صالحاً اليوم ولا إنسانياً، وعليه لا يمكن اعتبار أن اليتامى هن “النساء اليتيمات” فاليتيم هو القاصر الذي فقد أباه، ولو كان أباه حياً فهو ليس بحاجة إلى من يعينه، ولا يمكن اعتبار رجل في الثلاثين يتيماً، ولا امرأة في الخمسين يتيمة، وبالتالي لا ينطبق على النساء الفاقدات للأب وصف “اليتيمات”، و”يتامى النساء” ليست “النساء اليتيمات”، بل أطفالهن الأيتام.

ويؤكد الدكتور شحرور أن إباحة التعدد تكون فقط في حالة الأرامل ذوات القصر المحتاجين للرعاية والتربية، إذ يمكن أن ترتبط مع الأرملة بعقد نكاح (لا ترث وليس لها صداق مقابل التزام الرجل برعاية أولادها اليتامى)، على أن تقبل هي ذلك عن طيب نفس وليس اضطرارياً، وألا يشكل ذلك عبئا ماديا على الرجل فلا يتمكن من إعالة العائلتين فيظلم أولاده أو أولادها.

إضافة إلى ذلك فإن الزوجة واحدة، يربطها بالرجل ميثاق غليظ، وفي حال الفراق تستبدل بأخرى لكنهما لا تجمعان، ويجب أن تعلم في حال رغبة زوجها في الارتباط بعقد مع أرملة ذات أيتام ويحق لها طلب الطلاق مع كامل حقوقها في هذه الحالة.

وبرأيه أن المجتمع يمكنه إقرار العمل بالتعددية أو إلغاؤها وفق ما يجده مناسباً لأفراده، فإذا منعها فتقييد الحلال هو المهمة الأساسية للمؤسسات التشريعية أصلاً، وأيّ قرارات من هذا النوع، سماحاً أو منعاً، لا تحمل الطابع الأبدي.

أما القول بأن منع التعددية مخالف لشرع الله فلا أساس له.

ويرى محمد حبش، أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية، أنه يحق للمرأة اشتراط عدم الزواج من أخرى وتسجيل هذا ضمن العقد، بينما تختلف القوانين في الدول العربية ما بين من يمنع التعددية (تونس)، ومن يشترط علم الزوجة الأولى، فيما يسمح القانون السوري للزوجة اشتراط ما تريد في العقد بما لا يخالف الشرع، فيمكن للمرأة السورية أن تتشدق بأنها وضعت شرطاً في عقد الزواج ألا تقوم بكيّ الملابس، لأن عدم الكيّ لا يخالف الشرع، لكن منع زوجها من الزواج بأخرى يخالفه.

والمفارقة أن الكثيرات يدافعن عن الفكرة ويرضين بها ولا تشكل لهن أيّ امتهان من هذا المبدأ، في حين أن كتب السيرة تذكر اشتراط الرسول على أزواج بناته عدم الزواج عليهن، وامتثال علي بن أبي طالب لذلك، فلم يتزوج في حياة فاطمة، وكذلك عثمان بن عفان لم يتزوج في حياة رقية أو أم كلثوم.

يبدو من توافه الأمور أني أناقش اليوم هذا الموضوع في ظل كل ما نعانيه من فقر ومرض ووباء، ووضع مزر من كافة النواحي، إلا أن الطين يزداد بلة بزواج ثان وثالث، وكأن الأسر لا يكفيها ما تعانيه من مشاكل، ليأتي رب الأسرة الحنون الذي لا يجد ما يسد به رمق أطفاله، ليرأف بامرأة وينقذها من “براثن العنوسة”، وحتى لو أنه متمكن مادياً فالأمر برمّته يجب ألا يكون مقبولاً من كل الأطراف، وكل ما يساق من أسباب لا تعدو عن كونها حججا واهية، والمرأة التي تقبل أن تقاسمها أخرى زوجها لا حول لها ولا قوة، ولا ملجأ لها يمكنها فيه تربية أولادها بكرامة، فهي مضطرة للسكوت والرضوخ والرجل يستغل اضطرارها، ناهيك عن التذرع بالدين وشرع الله وواحدهم لا يعرف الله إلا في هذه الحالة، حتى الزواج من الأرملة ذات الأيتام ليس ضرورياً فيمكنك رعايتهم دون الحاجة للزواج منها، فلا تخلط الأمور أكثر مما هي متشابكة.

وربما نجد أنفسنا أمام سؤال يطرح نفسه هو ماذا نريد؟ نريد المزيد من احترام النساء، إذا علينا أن نعيد النظر في ما ورثناه من أفكار، علّنا نصحح المسار ونعيد للمرأة اعتبارها المبني على كيانها المستقل، لتطالب بقوانين وتشريعات تحميها وتحمي أسرتها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: