خرج رجال الدفاع المدني في العاصمة الجزائرية، في مسيرة الأحد نحو مبنى المديرية العامة وهم يرتدون البزة الرسمية وسط حضور قوي لقوات الأمن.
ووسط وقوع احتكاكات بين الطرفين واصل رجال الدفاع المدني السير نحو مبنى المديرية العامة الموجود في العاصمة، من أجل تبليغ لائحة مطالبهم في خطوة يرى مراقبون أنها تكسر تحفظ المؤسسات الرسمية.
وأعادت مسيرة رجال الدفاع المدني الأحد إلى الأذهان تلك الأجواء التي عاشتها الجزائر خلال سنوات ماضية، لما انطلقت مسيرة لرجال الأمن من أكبر وحدات التدريب في ضاحية الحميز نحو مبنى رئاسة الجمهورية في ضاحية المرادية.
وبين المطالب الاجتماعية والمهنية والتجاذبات السياسية يقع الالتباس في احتجاجات رجال المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية في الجزائر، ودائما ما تأخذ تلك الاحتجاجات طابعا مثيرا للاستفهامات حول الأبعاد الحقيقية لها، خاصة أنها تتزامن في الغالب مع تجاذبات سياسية داخلية بين أجنحة النظام القائم.
وسبق لرجال الدفاع المدني (الحماية المدنية)، أن نظموا خلال الأسابيع الماضية وقفة احتجاجية أمام مبنى أكبر المقار التابعة لهم في العاصمة، لرفع جملة من المطالب المهنية والاجتماعية، وعلى رأسها مراجعة الراتب “الزهيد”، ومنحة الخطر لاسيما في ظل الظروف الوبائية التي يمارس فيها هؤلاء وظيفتهم.
وأظهرت تسجيلات وصور تم تداولها على نطاق واسع في شبكات التواصل الاجتماعي، سريان المسيرة الراجلة والمفاجئة وسط مخاوف من وقوع احتكاكات قوية بين رجال مؤسستين رسميتين في الدولة، خاصة وأن رجال الأمن كانوا حاضرين بقوة على طول المسار حيث تم تأمين وغلق المباني الحكومية الرسمية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، كما سجلت وقوع حالات اختناق بسبب استهدافهم بالغاز المسيل للدموع.
تسجيلات وصور في شبكات التواصل الاجتماعي أظهرت مخاوف من وقوع احتكاكات قوية بين رجال مؤسستين رسميتين في الدولة
ويعتبر الدفاع المدني في الجزائر من المؤسسات شبه الرسمية في البلاد، ولا يمتلك منتسبوه نقابة تدافع عن مطالبهم المهنية والاجتماعية، وهو من الأسلاك المهمة التي يعاني أصحابها في صمت.
ويرى متابعون أن خروجهم للاحتجاج الأحد يعكس حالة من الاحتقان الداخلي تهدد بتفجير الوضع الاجتماعي، وقد تكون له عدوى قد تمتد لمؤسسات أخرى على غرار الأمن الواقع هو الآخر تحت وصاية وزارة الداخلية.
وتعيش الجبهة الاجتماعية خلال الأسابيع الأخيرة في الجزائر على صفيح ساخن، حيث خرجت العديد من القطاعات ومنتسبي الوظيفة الحكومية في احتجاجات تهدد بشل البلاد خلال الأيام القليلة القادمة، بعد إقرار نقابات التربية والتعليم بشن إضراب وطني شامل لثلاثة أيام خلال الأسبوع القادم.
ويبدو أن دخول السلطة على خط مستفز للجبهة الاجتماعية المتضررة من التدابير الاقتصادية الأخيرة ومن إفرازات وباء كورونا، سيزيد من حالة الاحتقان الداخلي، لاسيما وأن رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد وجه اتهامات بخدمة أجندات أجنبية وبعدم شرعية النقابات التي تعبئ الاحتجاجات المذكورة.
وفي نفس الاتجاه ذهبت الغرفة الأولى للبرلمان (مجلس الأمة)، التي أصدرت بيانا أيدت فيه تصريحات رئيس الوزراء، وكررت نفس التهم التي وجهها لهم الأمر الذي فاقم حالة الاحتقان من تجاهل السلطات للمطالب الاجتماعية.
ولم يتمكن الرئيس عبدالمجيد تبون، في رسالة روتينية وجهها للطبقة الشغيلة بمناسبة اليوم العالمي للعمال، من تهدئة مشاعر الغضب التي أججها رئيس وزرائه وحتى الغرفة المتبقية من البرلمان المنحل، الأمر الذي يضع الاستقرار الاجتماعي في البلاد على المحك، خاصة في ظل استفادة الحراك الشعبي من غضب الجبهة الاجتماعية.
وتبقى أحقية تشكيل نقابات مهنية داخل الأسلاك الرسمية وشبه الرسمية التابعة لوصاية وزارة الداخلية، من أبرز المطالب التي رفعها رجال الأمن منذ سنوات ويرفعها الآن رجال الدفاع المدني، من أجل الدفاع عن مطالبهم المهنية والاجتماعية، خاصة في ظل تزايد الضغط والمخاطر الصحية على منتسبي القطاعين منذ انطلاق احتجاجات الحراك، وفي ظل الأزمة الصحية.