شغيلة التعليم الخصوصي : المستضعفون في الأرض

تورية لغريب

 

تغيب معاناة الأطر التربوية و شغيلة قطاع التعليم الخصوصي بالمغرب عن انشغالات الجهات الحقوقية و التمثيليات النقابية ، التي احتفلت بعيد الشغل كسائر دول العالم يوم فاتح ماي مكتفية بملفات التعليم العمومي التي شغلت الرأي العام مؤخرا كملف اساتذة التعاقد و غيره من الملفات العالقة ، يحدث هذا في غياب تمثيل نقابي قوي و نزيه يوصل مطالب شغيلة التعليم الخاص التي أخرست طويلا ، و حيث إن التعليم الخاص بالمغرب أضحى مجالات للاستثمار من قبل” أصحاب الشكارة ” ، و مع النمو المتزايد لأشباه المؤسسات التعليمية و في ظل ما يكابده المواطن المغربي في سبيل حصول أبنائه على تعليم جيد ، فإن هذا القطاع يتنامى بشكل كبير ، و تحت بند ” رب ضارة نافعة ” فإن المستفيد الأول و الأخير هو المستثمر الذي غالبا ما يفتقد لأدنى فكرة عن المنظومة التعليمية و خطورة المشاكل التي يتخبط فيها ، بحيث يصير المكسب المادي المغري و الاستفادة من الإعفاء الضريبي لمدة طويلة هو الهدف و المبتغى الذي يسيل لعاب كل من قرر الاستثمار في هذا الميدان ، و في ظل غياب رؤية بيداغوجية واضحة و صارمة و كذا وجود فراغات قانونية تحمي المشتغلين في الميدان ، يتكالب كل من توفرت لديه الإمكانيات المادية لخوض غماره …

بمنطق التجارة ، الأمر يبدو مشروعا إلى حد ما ، لكن الإشكال الكبير ، يتجلى في جهل أولياء الأمور بما هو حاصل ، فهم قد انتقلوا من منطق تدريس الأبناء في مؤسسات تعليمية خاصة ، لمجرد التميز و الرفاهية ، إلى ضرورة فرضتها رداءة التعليم العمومي ، و الذي تنزف الأقلام دما عند سبر أغواره ، يتجه أولياء الأمور إذن إلى هاته المؤسسات التعليمية الخاصة طمعا في تلقي أبنائهم تعليما جيدا وفق مستجدات التطور كما تروج له هاته المؤسسات ، هذا التعليم وفق ما تقتضيه الضرورة الحداثية و الذي أصبح لزاما على الجميع مجاراته في عصر العولمة بهدف توفير مستقبل أفضل لفلذات أكبادهم ، لكن هاته المعادلة التي يصير التلميذ و المؤسسة طرفين رئيسيين فيها ، تغيب الفاعل الرئيسي و همزة الوصل بين الاثنين ألا و هو المدرس ، الذي يجد نفسه بين المطرقة و السندان ، فهو مطالب بإعطاء أجود ما لديه للمتلقي ( التلميذ ) في سبيل ضمان وضع مهني مستقر يمكنه من وضع مادي يحفظ كرامته ، و ليظل عند حسن ظن مشغله ، الذي لا يأبه لذلك ، متناسيا أن جودة الأداء المهني تقترن بتوفير ظروف مريحة للاشتغال .
كما أنه يجب الإقرار هنا بأن معظم الأجور المقدمة لهؤلاء المدرسين لا ترقى حتى للحد الأدنى للأجور في معظم هاته المؤسسات ، و الوضع يزداد كارثية في غياب الاستفادة المشروعة لهؤلاء الفئة من التأمين الصحي أو في حالات أخرى التلاعب بالإدلاء بساعات الشغل لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي…خروقات و تلاعبات تظهر جلية في القراءة الأولية لأي عقد عمل ، صمم أساسا ليهضم حقوق المشتغل بمجرد الإمضاء و المصادقة عليه ، و يطال هذا الحيف أيضا باقي المشتغلين في المؤسسات التعليمية الحرة كالمرافقات و سائقي النقل المدرسي الذين لا يحظون إلا بأجر هزيل جدا في مقابل يوم مشحون بالأشغال التي تتعدى اختصاصاتهم و في غياب تكوين يواكب تحسين أداء هؤلاء الشغيلة .

و في ظل أزمة الجائحة ، لا يزال الوضع على ماهو عليه ، بل قد يفاجأ البعض بالإقالة مع أول فرصة أو الضغط على المشتغل لتقديم استقالته قبيل نهاية العام الدراسي ، هكذا يستفيد معظم أرباب المدارس الخاصة من ضيق أفق العثور على عمل في ظروف معقولة ، ففي خزانة كل مؤسسة تتواجد العديد من السير الذاتية التي تفتقد التكوين و الخبرة الضروريتين لمزاولة المهنة ، لكنها تظل بمنظور هؤلاء فرص لتقديم أجور هزيلة مما يسمح بتسمين مداخيلهم من هذا ” المشروع التجاري المربح ” .

يستدعي الوضع إذن ، إعادة النظر في القوانين المنظمة لهاته المؤسسات التعليمية و فرض رقابة صارمة على سير العملية التعليمية مع ضمان حقوق شغيلة هذا القطاع التي ضاع صوتها وسط ” ادهن السير يسير ” و “باك صاحبي ” ..

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: