بعد حملة شاركت فيها وسائل الإعلام ومنظمات سياسية أعلنت السلطات الفرنسية أنها من الممكن أن تصدر «إجراءات تأديبية» ضد مجموعة من العسكريين الفرنسيين المتقاعدين والنشطين، الذين نشروا خطابا مفتوحا حذّر مؤخرا من «اندلاع حرب أهلية وشيكة» بسبب عدم استعداد البلاد «لمواجهة التهديد الإسلامي».
اختار عشرون جنرالا فرنسيا ومئة ضابط كبير وأكثر من ألف من العسكريين المتقاعدين مجلة يمينية تدعى «فالور أكتيوال» لتوجيه النقد الحاد للمنظومة السياسية و«أولئك الذين يديرون البلاد» بدعوى تنبيهها إلى المخاطر الوشيكة، مستخدمين عمليا خطاب اليمين المتطرّف الفرنسيّ بالطريقة الشعبوية المعروفة، مع استخدام كلمات «الخطر» و«الموت» و«التفكك» و«الحرب الأهلية».
الرسالة التي نشرت تحت عنوان «من أجل عودة شرف حكامنا: 20 جنرالا يطالبون ماكرون بالدفاع عن حب الوطن» وكان الراعي لها قائد سابق لقوات الدرك، وكذلك جنرال طرد من الخدمة العسكرية عام 2016 بعد تنظيمه مظاهرة مناهضة للمهاجرين في مدينة كاليه، وضمت قرابة 1200 توقيع.
يتلاعب خطاب الرسالة بالمصطلحات السياسية فيربط التفكك المزعوم للبلاد بـ«مناهضة عنصرية معينة» مما «يؤدي للكراهية بين مكونات الشعب» ولا يحتاج الأمر إلى كثير من التفكر لمعرفة أن المقصود بالعنصرية ليس خطاب اليمين المتطرف المناهض للمهاجرين والأقليات بل ما يسميه الخطاب «الإسلاموية وجحافل الضواحي» التي تعتبر مخاطر يجب «التحلي بالشجاعة اللازمة للقضاء» عليها، عبر تطبيق «القوانين الموجودة بالفعل بكل صرامة»!
عبر التنديد بالسياسات التي بدأ الرئيس إيمانويل ماكرون حكمه بمحاولة تطبيقها من خلال الاعتذار عن ممارسات الاستعمار، وبالحديث عن «نشر الحضارة الغربية» تكرر رسالة العسكريين الخطاب العنصريّ المهين، كما أنه تبين ارتباط الموقفين، فسياسة الإخضاع بالقوة لمواطني المستعمرات بدعوى «نشر الحضارة الغربية» هي نفسها سياسة «القضاء على الخطر الإسلامي» وصيانة «قيم الجمهورية» داخل فرنسا.
لم يحم شعار «الجزائر فرنسية» الجزائريين، ولا اعتبرتهم مواطنين في فرنسا، كما لم تحم الجنسية الفرنسية للمهاجرين من البلاد المستعمرة مكانتهم ولا حقوقهم ولا احترمت هويتهم أو دينهم، وها هو الجيش الذي رفض الخروج من الجزائر وحاول الانقلاب على قرار شارل ديغول الانسحاب منها، يطلّ من جديد ليذكر الضحايا بأن الجلاد ما زال موجودا.
سارعت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، بالترحيب بالرسالة ودعت العسكريين للانضمام إليها في «معركتها» لكن هذا لا يجب أن يُخفي الدور الكبير الذي لعبه ماكرون نفسه وإدارته السياسية للبلاد في الدفع بهؤلاء للإعلان عن أنفسهم، ففي العمق، لا تختلف سياساته الداخلية وخطابه والقوانين التي رعى إطلاقها في فرنسا، ولا سياساته الخارجية للتدخل العسكري في ليبيا وتشاد ومالي، عن مجمل ما يقوله هؤلاء الجنرالات، إلا بالدرجة، وكل ما في الأمر، أن الجنرالات يعتبرون أنفسهم أكثر أهليّة لممارسة هذه السياسات من السياسيين.