إلى أين يتجه ملف نزاع حل الصحراء بعد الجلسة المغلقة لمجلس الأمن؟

التليدي

ثمة غموض كبير يكتنف المسار الذي بلغه ملف النزاع حول الصحراء، فقد كان من المفترض أن تكون جلسة مجلس الأمن المغلقة، وما يصدر عنها من بيان، مبددة لجزء كبير من العتمة التي أضحت تخيم على الملف بسبب التطورات المتسارعة على الأرض منذ أزمة الكركرات، وأيضا بسبب اضطراب تقديرات الموقف من الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، وأثرها على شكل تعاطي الأمم المتحدة مع الملف.
البعض يرى أن مبعث هذا الغموض هو موقف إدارة جو بايدن من الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، الذي أمضته إدارة دونالد ترامب، وما إذا كانت ستدعم هذا الاعتراف أم تدرس سبل التحلل منه، لكن، في الجوهر، يبدو الأمر أكثر تعقيدا من ذلك. فالأمر يعود ابتداء إلى اضطراب موقف الجزائر والبوليساريو من الاستمرار في مسلسل التسوية، بعد أن اصدرت البوليساريو تصريحات إعلامية عقب أحداث الكركرات تعلن فيها انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار، وركوبها للغة تصعيدية تسترجع أجواء الحرب، كما يعود في الجهة المقابلة، إلى حصول تغيرات في موازين القوى السياسية والعسكرية، بين المغرب والجزائر، فواضح أن المغرب استثمر أجواء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيش فيها الجزائر، واستثمر أيضا أجواء الخلافات الداخلية التي تخترق جبهة البوليساريو، ونشط دبلوماسيته بشكل كثيف، واستطاع أن يحقق نقاطا كثيرة على الأرض، سواء على مستوى توسيع نطاق الدول التي سحبت اعترافها بـ«جمهورية» البوليساريو أو على مستوى الدخول مع الولايات المتحدة الأمريكية في لغة مصالح استراتيجية أفضت إلى اعتراف الإدارة السابقة بسيادة المغرب على الصحراء، كما حقق تفوقا استراتيجيا ذا طبيعة عسكرية، لم يكن من الممكن تحقيقه في السابق.
عمليا، البيان المقتضب الذي صدر عن الجلسة المغلقة، لا يعطي أي صورة تفصيلية عن مآل هذا الملف، بل ولا يعكس حتى النقاش الذي كان دائرا داخلها، فسواء تعلق الأمر، بالدعوة للتعاون مع بعثة المينورسو أو اختيار المبعوث الشخصي للأمين العام أو استئناف المفاوضات، فالأمر في المحصلة لا يعدو أن يكون رجوعا إلى نقطة الصفر، التي أعقبت فترة ما بعد الحرب، أي دعوة الأطراف إلى الاتفاق على المحددات الثلاثة، لاستئناف المفاوضات، بحكم أنه لا مفاوضات بدون تعاون مع بعثة المينورسو المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار، ولا تفاوض بدون مبعوث شخصي للأمين العام، مادامت الأمم المتحدة المكلفة بتدبير ملف التسوية، ولا جدية لأي مسار تسوية، بدون اتفاق الأطراف على الدخول في المفاوضات. ومع ذلك، فيمكن أن نرصد ثلاث نقط سجلها المغرب على الأرض، أولها، أنه وضع الجزائر والبوليساريو أمام حقيقة مواقفهما، فبعد أن ركبت البوليساريو لغة تصعيدية، ودعت في تصريحات إعلامية صدرت عن مسؤوليها إلى التحلل من اتفاق وقف إطلاق النار، فإنها في الأخير، لم تستطع أن تستمر على موقفها، ولم تبلغ مجلس الأمن بأي قرار من هذا القبيل، وثانيها، أن الدعاية الإعلامية التي مارستها الجزائر والبوليساريو، للإيهام بأن ثمة معركة عسكرية تجري في المنطقة، لم يكن لها صداها في هذه الجلسة، أو على الأقل لم تلب الجلسة رغبة الجزائر والبوليساريو في استصدار قرار يدين المغرب في هذا الخصوص مع أن وسائل الإعلام تتحدث عن مقتل قائد سلاح الدرك الوطني للبوليساريو بضربة صاورخية موجهة من طائرة مسيرة تعود للمغرب.

من السابق لأوانه، الحكم على مستقبل هذا الصراع، حتى في ظل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، وحتى في ظل اختلال التوازن الاستراتيجي والسياسي والدبلوماسي لفائدة المغرب

أما الثالثة، فهي المرتبطة بوضع المغرب للجزائر والبوليساريو في دائرة الحرج، بسبب موقفه الإيجابي من تعيين المبعوث الشخصي للأمين العام، ورفض البوليساريو لذلك، مما يعطي صورة عن تلكؤ وعدم جدية في الموقف لتسوية سياسية للنزاع. وما يجعل موقف البوليساريو أكثر اضطرابا، أنها لم تمض لخيار التحلل من اتفاق وقف إطلاق النار، ولم تعبر بجدية عن رغبتها في استئناف العملية السياسية، بحكم رفضها لتعيين المبعوث الشخصي للأمين العام، بحجة الموقف من الشخص المقترح لهذه المهمة، والزعم بأنه غير محايد، ويتعلق الأمر برئيس الخارجية الروماني الأسبق بيتري رومان. النقطة التي تبقى عالقة في هذا الموضوع، والتي يحسبها خصوم المغرب، أنها نقطة كسب بالنسبة إليهم وخسارة بالنسبة للمغرب، وهي ما يتعلق بالموقف الأمريكي، وأن الجلسة المغلقة، لم يبرز منها أي تعبير أمريكي يترجم موقف الإدارة السابقة المعترف بسيادة المغرب على صحرائه.
من جهة المغرب لم يصدر لحد الآن أي تعليق رسمي من قبل المغرب، على موقف الولايات المتحدة الأمريكية في الجلسة المغلقة، ولم يجر على لسان وزير الخارجية السيد ناصر أبو ريطة أي تصريح ينتقد إدارة جو بايدن بهذا الخصوص، فقط صدر مقال للسيد محمد صالح التامك (الشيخ السابق لتحديد الهوية) المندوب السامي للمندوبية السامية لإدارة السجون، اعتبر فيه أن الموقف الأمريكي المعبر عنه في الجلسة مخيب للآمال، وأنه مسكون بخلفية إدامة الصراع لا تسويته، غير أن صفته لا تفيد شيئا في ميزان الدبلوماسية، وإن كانت تعني شيئا ذا بال في مجال السياسة، كون المغرب يتطلع لموقف واضح وحاسم من الإدارة الأمريكية لجهة الدفع بقوة لتسوية نهائية للنزاع، والانسجام مع موقفها الذي عبرت عنه الإدارة السابقة.
سياسيا، يصعب على أمريكا – وحتى وهي في العهد الديمقراطي- أن تتصرف من وحي أسلوبها السابق في إدامة الصراع، ومنع حصول أي اختلال استراتيجي في المنطقة لجهة المغرب، كما يصعب عليها، في الآن ذاته، أن تنتج موقفا حاسما في أول جلسة، من غير أن يكون الأمين العام قد عين مبعوثه الشخصي، وحظي بقبول الأطراف، وباشر المفاوضات بين الطرفين، فإدارة جو بايدن، وإن كانت مطوقة بموقف الإدارة السابقة بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه على الأقل ما دام لم يصدر عنها أي مراجعة له، إلا أنها في الآن ذاته، تبقى مطوقة بضرورة أن يتم إنهاء النزاع بحل سياسي، يتم من خلال الأمم المتحدة. ولعل في اقتراح الأمين العام لمبعوثه الشخصي، ورفض البوليساريو لذلك، وتخوف الجزائر وجبهة البوليساريو من أن يتم التعبير عن الموقف الأمريكي من بوابة تعيين المبعوث الشخصي، والتحجج بقضية الكفاءة والاستقلالية والحياد، كل ذلك يعكس وجود قناعة لدى الجزائر والبوليساريو أن الإدارة الأمريكية لم تراجع موقف إدارة ترامب بشأن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، وأنها ربما تتجه إلى تمرير هذا الموقف، عبر قناة المبعوث الشخصي للأمين العام، ولذلك، أصبحت معركتها الجزائر والبوليساريو الأولى هي عرقلة تعيينه. من السابق لأوانه، الحكم على مستقبل هذا الصراع، حتى في ظل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، وحتى في ظل اختلال التوازن الاستراتيجي والسياسي والدبلوماسي لفائدة المغرب، فحرب الحشد الدبلوماسي ستبقى مستمرة، وأكثر منها حرب التموقع على الأرض، التي يخوضها المغرب بكل ذكاء، وباستثمار الأخطاء التي تقع فيها البوليساريو، في وجود حد أدنى من الدعم اللوجستي الجزائري، بسبب الأزمة التي تمر منها الجارة الشرقية للمغرب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: