انكشاف إسبانيا بعد إدخال زعيم البوليساريو أراضيها خلسة

ماموني

تعود العلاقات الإسبانية المغربية مرة أخرى إلى مربع التوتر بعد استدعاء الخارجية المغربية السفير الإسباني للاستفسار حول دواعي استقبال مدريد لإبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، والتحقق مما قالت السلطات الإسبانية إنه لدواعٍ إنسانية بتلقي العلاج في أحد مستشفياتها، مُستخدما هوية مزورة، وهذا في حد ذاته تدليس سياسي وقانوني من طرف إسبانيا وبالاتفاق، طبعا، مع الجزائر للتغطية على شخص متابع بجرائم ضد الإنسانية من طرف القضاء الإسباني. وتسريب خبر إخفاء هويته دليل على أن السلطات الإسبانية أرادت التغطية على الأمر وعدم إخطار الشريك المغربي.

المتابعة في حق غالي ثابتة، ففي العام 2016، أقرت وزارة الداخلية الإسبانية وجود 130 حالة لضحايا البوليساريو، يمنحهم القانون الإسباني نفس وضع ضحايا الإرهاب. وقبل ذلك بعام اعترفت وزارة الداخلية الإسبانية بضحايا جزر الكناري من إرهاب البوليساريو، في حفل أقامته حكومة الجزر تم خلاله  تكريم تسعة وأربعين ضحية.

بعد علمها بوجود زعيم البوليساريو على الأراضي الإسبانية، قالت جمعية ضحايا البوليساريو في جزر الكناري، المعروفة باسم “أكافيت”، إن على السلطات الإسبانية أن تعتقل غالي على الفور “لانخراطه في جرائم ضد الإنسانية طالت 300 شخص، معظمهم من الصيادين، قتلوا على أيدي الميليشيات الانفصالية، وأصيب 50 آخرون أو تعرضوا للتعذيب أو الخطف بين عامي 1970 و1980”.

وكاعتراف من أعلى مستويات الدولة بما ارتكبه زعيم الجبهة الانفصالية وعدم تقادم الاتهامات الموجهة إليه، استقبل ملك إسبانيا فيليب السادس، في يناير 2018، رئيسة أكافيت، لوسيا خيمينيز، التي أطلعته على الهجمات الإرهابية التي ارتكبتها البوليساريو في الصحراء.

أمام الحكومة الإسبانية اليوم فرصة لإثبات نزاهتها وإخلاء ذمتها الحقوقية وإظهار أنها تحمي القانون وتمتثل لإرادة القضاء المستقل، بالاستجابة إلى قرار القاضي في المحكمة الوطنية الإسبانية خوان دي ماتا، المعلق منذ عام 2016، باستدعاء زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، للتحقيق معه في قضية رفعها عدد من ضحاياه ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية عام 2012.

والمفارقة الكبيرة هي أن تتناسى الحكومة الإسبانية التي قامرت بحماية غالي من المتابعة القضائية، أن الجبهة الانفصالية تجرأت قبل خمس سنوات بعزمها تكليف محامين أوروبيين لرفع دعوى قضائية ضد الملك الإسباني السابق خوان كارلوس بتهمة ما أسمته، الإبادة الجماعية في حق الصحراويين، والتهرب من تقرير مصيرهم.

مجرد الكشف عن اختباء غالي وراء هوية وهمية أريد له بها عدم الظهور للعلن، هو انتصار لأسلوب المغرب في دفاعه عن حقه ووحدة ترابه، حيث يلعب المغرب أوراقه الرابحة بسرعة ودقة مدروسة، تثبت رسوخه في المجال الاستخباري إقليميا ودوليا، والدليل نجاحه في مفاوضات الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، والذي يستفيد منها أسطول مدريد بشكل كبير، واستقبال دول الاتحاد الأوروبي للمنتجات القادمة من الأقاليم الجنوبية المتجهة لأسواق أوروبا، وملف الهجرة والاتفاقات المبرمة مع بريطانيا وكذلك إعادة تعريف العلاقات المغربية الألمانية بعد الحركة الدبلوماسية التي قام بها المغرب مؤخرا في حق السفارة الألمانية بالرباط.

في ضوء كل هذه المعطيات لا بد من طرح سؤال محوري من الضروري الإجابة عليه من طرف المسؤولين في إسبانيا بأقرب وقت، بعد دراسة نقاط الربح والخسارة في قرار الميل نحو هذا الطرف أو ذاك. هل سيتم تقديم غالي إلى القضاء الإسباني؟ أم تغامر حكومة إسبانيا بنسف التعاون مع المغرب في المجالات الأمنية والاستخباراتية وملف الهجرة غير الشرعية، وفي المجال الاقتصادي، خصوصا الصيد البحري الذي يستفيد منه الأسطول الإسباني مقارنة مع غيرهم من الأوروبيين؟ وما الذي ستجنيه إسبانيا إن هي قررت دعم البوليساريو والإبحار في ركب الجزائر بمحاولات الضغط اليائسة على المغرب من نافذة الصحراء المغربية؟

هذا على المستوى القانوني والحقوقي، أما على مستوى استراتيجية العمل الخارجي 2021 – 2024 التي تم الإعلان عنها مؤخرا، فقد صنفت وزارة الخارجية الإسبانية العلاقات مع المغرب كأولوية في السياسة الخارجية لإسبانيا، وأوصت بتعزيز الحوار والتعاون بين البلدين. وجاء في الوثيقة “أنه في حالة المغرب، جارتنا الجنوبية الكبرى والشريك الذي لا غنى عنه، فإن الإرادة المشتركة لحكوماتنا هي مواصلة تعزيز العلاقات الثنائية الممتازة وتوسيعها لتشمل مجالات جديدة”.

يقع المغرب عند تقاطع أوروبا وأفريقيا ما يجعله ذو أهمية كبيرة بالنسبة إلى مدريد كطريق تجاري بين القارتين، وهذا في اعتقادنا مفتاح بقاء العلاقات البينية في مستوى معقول دون الذهاب بعيدا حد القطيعة التامة، على اعتبار أن العلاقات الثنائية تدور حول أكثر من مجرد صراع بإيعاز جزائري، إذ أن المغرب متمسك بسيادته وأي حوار مع إسبانيا سيتم في إطار الحقوق الاستراتيجية للمملكة.

الحركة التي قامت بها الجزائر، بالتعاون مع جهات نافذة داخل المؤسسات الرسمية الإسبانية، يمكن تفسيرها كذلك كمحاولة ضغط على الرباط، للتراجع عن التعاون الاستراتيجي بين المغرب ونيجريا، خصوصا في ما يتعلق بتأمين أنبوب الغاز بين البلدين عبر دول غرب أفريقيا في اتجاه أوروبا. ولهذا سيكون من المفيد الإشارة إلى أن زيارة وزير خارجية الجزائر صبري بوقادوم، التي قام بها قبل أسابيع إلى مدريد، من بين أهدافها نقل تخوفات بلاده على اعتبار أنها تهدد الإمدادات القادمة من حاسي الرمل وسط الجزائر في اتجاه إسبانيا عبر المغرب.

في العقود الأخيرة أصبحت العلاقات الثنائية أكثر اتساعا وعمقا وترابطا، وفي نفس الوقت أكثر توترا وحذرا، حيث تضمر مدريد تخوفاتها من النفوذ القوي الذي أضحى المغرب يملكه إقليميا ودوليا. كان هذا واضحا في ملف ترسيم الحدود البحرية وتقوية الترسانة العسكرية الدفاعية والهجومية، بعدم تقبل المؤسسات السياسية والأمنية الإسبانية لهذا التوجه الاستراتيجي المغربي، وكذلك عدم تقبل تلك المؤسسات لقرار واشنطن الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه.

وباستحضار أن المغرب بالنسبة إلى إسبانيا، وباعترافها، شريك رئيسي في جوانب متعددة، فإن ما تريد الجزائر نسفه هو على الخصوص تلك الشراكة التي لا تعكس قوة الروابط السياسية فحسب، بل تعكس أيضا دورهما الرئيسي في العمل كحلقة وصل بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي، ولهذا تطالب الرباط باعتراف إسباني واضح بسيادة المغرب على كامل ترابه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: