“ماك” أمازيغية انفصالية: خطر حقيقي أم مناورة لاحتواء الحراك بالجزائر

Belbazi

أثار إعلان السلطات عن إحباط “مؤامرة خطيرة” كانت تعد لها حركة انفصالية في منطقة القبائل (شرق البلاد) تساؤلات عن مصداقية الرواية الرسمية، خاصة أن هذه المنطقة مثلت، خلال السنوات الماضية، عنصر توتير وتحد بالنسبة إلى السلطة باحتجاجاتها الواسعة، ووجود معارضة راديكالية ودعوات للانفصال على أساس عرقي.

يأتي هذا فيما تقول أوساط معارضة إن الأمر يعتريه الكثير من الغموض وإن لديها شكوكا في أن الهدف من ورائه هو تخويف الحراك، والتمهيد لمنعه بالقوة تحت عنوان المخاوف الأمنية.

ويقول مراقبون إن فكرة الانفصال ليست جديدة على منطقة القبائل، كما أن وجود حركة انفصالية مسلحة أمر وارد قياسا بتاريخ الصراع بين أهل المنطقة والسلطة الحاكمة منذ 1962.

وظلت منطقة القبائل لعقود تناضل لترسيخ هويتها الأمازيغية، وظهرت أصوات تدعو إلى الانفصال خاصة بعد أن فشل خيار الحوار مع السلطة في جلب مكاسب جدية لمنطقة تريد أن تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي بسبب خصوصيتها التاريخية ودورها في معركة التحرير الوطني.

وشهدت المنطقة أحداثا كثيرة جعلتها تتميّز بصفة “المعارض الأبرز” للسلطة، كانت أبرزها أحداث الربيع الأمازيغي في العشرين من أبريل 1980، واحتجاجات 1990 وما تبعها من امتناع سكان المنطقة عن إرسال أطفالهم إلى المدارس وصولا إلى المسيرة الكبرى باتجاه العاصمة مشيا على الأقدام، للمطالبة باعتراف صريح باللغة الأمازيغية كلغة وطنية في الدستور.

وكان لسكان منطقة القبائل دور فعّال في الحراك الشعبي الحالي الذي انطلقت شرارته من خلال مشاركة الآلاف من سكان ولايات تيزي وزو وبجاية والبويرة بمنطقة القبائل في مسيرات بمناسبة الذكرى الرّابعة والثلاثين للربيع الأمازيغي رفعت خلالها شعارات تتعلق بالهوية الأمازيغية وأخرى تتعلق بمطالب اجتماعية وسياسية.

ويشير المراقبون إلى أن لجوء الحركة الانفصالية إلى التغيير العنيف، كما ذكر بيان السلطة، يؤكد انسداد الأفق أمام أي حوار مع السلطة، وأن هناك مؤشرات على انتفاضة جديدة في منطقة القبائل.

وحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، فقد تم حجز أسلحة حربية ومتفجرات ضمن خطة من الحركة الانفصالية لتنفيذ هجمات “كذريعة لاستجداء التدخل الخارجي في شؤون بلادنا الداخلية”، في إشارة إلى دعم فرنسي مزعوم.

وأنشأت حركة “ماك”، التي تطالب بانفصال منطقة القبائل، في 2010 “حكومة قبائلية مؤقتة” مقرها باريس، وتضم إضافة إلى ما تصفه الحركة بالرئيس فرحات مهني ورئيس الحكومة زيدان لفضل، 18 وزيرًا.

لكن معارضين ونشطاء في الحراك الشعبي يقولون إن الرواية الأمنية المقدمة من طرف السلطة لا يصدقها الحركيون، وإنها تقابل كما غيرها من المناورات بالسخرية.

ويبدو أن السلطة تراهن كثيرا على أذرعها الحزبية من أجل تمرير ذريعة المخاطر الأمنية التي تهدد البلاد، لاسيما من طرف حركة “ماك”، من أجل شق صفوف المحتجين خاصة في ظل الحساسية الكبيرة من قبل الجزائريين تجاه التدخلات الخارجية.

وصرح رئيس حزب جيل جديد المتحالف مؤخرا مع سلطة ما بعد الحراك الشعبي جيلالي سفيان بأن “حزبه يحوز على معلومات تتضمن مخططات هدفها الزج بالبلاد في الفوضى”.

وأضاف، في ندوة نظمتها مؤسسة الحوار الإعلامية المحلية، “أحوز على معلومات استقيتها من الداخل والخارج، تُفيد بمحاولة بعض الأطراف دفع المواطن إلى الاصطدام وخلق شرارة في الشارع لاستفزاز قوات الأمن”.

وفي خضم حديثه عن مخاطر تهدد منطقة القبائل ذكر جيلالي سفيان أن “الخطير هو أن قيادات التنظيم دخلوا في منطق انفصالي ورئيسها تحدث في وقت سابق عن قوة رادعة للتسيير في منطقة القبائل، وعلينا محاربة طرحهم بالتي هي أحسن”.

وكان الحليف الجديد للسلطة الإخواني عبدالقادر بن قرينة أول الذين جددوا دعوتهم من “أجل وحدة الصف وجمع الكلمة، للوقوف إلى جانب مؤسسات الجمهورية في مواجهة المتربصين بأمن واستقرار الوطن”.

Thumbnail

وأرجع المتحدث “الفضل في إحباط المؤامرات التي تحاك ضد الوطن إلى يقظة وتجند بواسل جيشنا، الذي يحرص بعين لا تنام على هذه الأرض الطاهرة التي سقت دماء الشهداء الأبرار”، بحسب ما جاء في تغريدة له على حسابه الرسمي في تويتر.

أما الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم سابقا أبوالفضل بعجي فقد قال بدوره في تغريدة له “اليوم تأكد مرة أخرى حجم المؤامرة الدنيئة التي تستهدف أمن الجزائر واستقرارها، والمتورط فيها التنظيم التخريبي المعروف باسم (ماك)، وإن هؤلاء المجرمين الذين تحولوا إلى أدوات في أيد دول ومصالح أجنبية يستحقون أشد عبارات الخزي، وأقسى العقوبات”.

وفي خطوة لرفع أي لبس محتمل بين الحركة وبين القوى السياسية الفاعلة في المنطقة، خاصة بعد تبنيها لخيار معارضة الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في الثاني عشر من يونيو القادم، أكدت جبهة القوى الاشتراكية أنها “لن تقف مكتوفة اليدين تجاه من يسعى لتفتيت الجزائر تحت أي مسمى كان، ولن تبقى تتفرج تجاه مثيري النزعات والمتلاعبين بالحساسيات والمتخذين منها سجلا تجاريا لأغراض انتخابية أو لأغراض شخصية ضيقة”.

وصرح الأمين الوطني الأول للحزب يوسف أوشيش، في كلمة ألقاها خلال دورة المجلس الوطني، بالقول إن “الحزب لن يتخلى عن مسؤوليته التاريخية والوطنية على رأسها الحوار الوطني، والإسهام مع كل قوى التغيير الخيرة في الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلامة الترابية للبلاد”.

وشدد على أن أي “نزوع لبعث الاستقطابات والنفث في الأيديولوجيات وإثارة النقاشات الخاطئة في هذا الوقت بالذات، هي خدمات جليلة نقدمها للنظام حتى يتجدد على حساب مسار التغيير الجذري والسلمي، وعلى حساب دولة الحق والقانون المنشودة”.

واتهم من وصفهم بـ”شذاذ الآفاق” بـ”الاجتهاد في تكريس التنوع الثقافي والتعدد اللغوي الذي تحظى به الجزائر كعامل تفرقة، ووسيلة خبيثة لتشتيت الرؤى والأنظار خدمة لمصالحهم الضيقة، ولو على حساب دور الجزائر الحضاري وتطورها التاريخي”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: