عمقت جائحة كورونا الركود المزمن لبورصة الجزائر، حيث شهدت تعاملاتها في السوق المالية تراجعا مما يسلّط الضوء على ضعف البنية الاقتصادية التي كرست طيلة عقود تهميش مساهمة البورصة في دفع النمو. ويرى خبراء أن إهمال دورها وانحسار نشاطها وعدم جاذبية المؤسسات والمستثمرين، أدت إلى تدني ترتيبها في ترتيب البورصات العالمية.
أرجع التقرير السنوي الصادر عن لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة الوضعية المالية الشاحبة في البلاد إلى تداعيات الجائحة الصحية العالمية وركود السوق المالية الداخلية فضلا عن غياب ثقافة التداول وتجارة الأسهم في الوسط الاقتصادي المحلي وتحفظ كبرى المؤسسات على المجازفة والانفتاح.
وسجل التقرير الصادر خلال شهر أبريل الجاري أداء ضعيفا لبورصة الجزائر خلال العام المنقضي، حيث سجلت قيمة المبادلات انخفاضا قدر بنحو 68.48 في المئة، مقارنة بالعام 2019، خاصة بعد انسحاب شركة “أن.سي.أي” رويبة من مفاوضات الانخراط، وبقاء التداول مقتصرا على أربع شركات فقط، وهي قيم “الأوراسي” للفندقة، و”أليانس” للتأمينات، و”صيدال” و”بيوفارم” المختصتان في صناعة الأدوية.
وذكرت الإحصائيات التي أوردها التقرير أن “المبادلات حسب القيم بلغت 592 ألف دولار مقابل 1.87 مليون دولار خلال العام 2019، وهو ما تم تقديره بأكثر من 68 في المئة من المبادلات، لتشكل بذلك نسبة 0.2 في المئة من الناتج المحلي الخام وهي نسبة جد ضئيلة حسب رأي الخبراء والمختصين.
وإلى جانب تداعيات فايروس كورونا على أداء ونجاعة البورصة ركز التقرير على ما وصفه بـ”الضعف والبطء اللذين يميّزان بورصة الجزائر جراء غياب عمق السوق وجاذبية المؤسسات والمستثمرين”، ما أدى إلى انخفاض مستوى النشاط الإجمالي.
وكانت اللجنة المختصة قد تلقت طلبا لعرض عمومي للشطب قدمه مصنع رويبة للعصائر والمشروبات، يتضمن إعادة شراء أسهمه المدرجة في القائمة متبوعا بشطب سندها لقائمة بورصة الجزائر الذي تم في 26 يوليو 2020، بسبب تدهور وضعية الشركة وانخفاض قيمة أسهمها بحوالي 8.3 في المئة في فبراير 2020.
وأفاد التقرير بأن “القيمة السوقية لبورصة الجزائر تبقى هامشية جدا، حيث تمثل نحو 0.1 في المئة من الناتج الداخلي الخام في العام 2020، لتبقى بذلك بعيدة عن الهدف المتوخى من أي سوق مالية ودورها كآلية من آليات تمويل الاقتصاد، إلى جانب عدم تسجيل أي عملية أو إصدار لتحويل أوراق مالية في السوق الأولى طوال سنة 2020 كمؤشر على الجمود الذي يعتري البورصة”.
68.48 في المئة قيمة انخفاض تعاملات البورصة الجزائرية خلال عام 2020 بمقارنة سنوية
ووفق هذه الإحصائيات يبقى نشاط البورصة محدودا، خاصة مع تراجع السلطات العمومية عن مشاريع إدراج الشركات العمومية، ففي سنة 2020 تمت معالجة طلبين فقط للاكتتاب في البورصة صادرين عن مؤسستين ” قصبة” (شركة ذات أسهم) و”فيوند دو لا فالي” اللتين قدمتا طلبا رسميا للموافقة على جمع الأموال، من خلال توجيه دعوة عامة للادخار متبوعة بالاكتتاب في البورصة.
وأرجع الخبراء الاقتصاديون التأخر الكبير لنشاط بورصة الجزائر مقارنة مع مثيلاتها في الوطن العربي وشمال أفريقيا إلى” انعدام إرادة سياسية حقيقية طيلة العشرين سنة الماضية لتفعيل نشاط السوق المالية في الجزائر، الذي يبقى يحصي خمس شركات فقط، بعد غياب إدراج المؤسسات الحكومية في البورصة”.
ويرى تقرير محلي أنه “رغم مرور نحو ثلاثة عقود على إطلاقها تبقى بورصة الجزائر الوحيدة في المنطقة التي تواجه ركودا في النشاط وضعفا في استقطاب الاستثمارات ودعم الاقتصاد، أو تشكيل سوق مالية تشكل إحدى آليات التمويل خارج نطاق التمويل البنكي التقليدي”.
وأضاف “لم تسجل منذ انطلاقتها الفعلية في 1997 أي تطور وتوسع رغم ترسانة القوانين المعتمدة واتفاقيات الشراكة المبرمة والإعلانات المتكررة للحكومات المتعاقبة عن مشاريع إدراج أسهم مؤسسات، حيث ظلت مستويات نشاط الأسواق الأولية والثانوية متواضعة منذ 1999 رغم التنظيم في ميدان نشاطات الأوراق المالية، ووضع نظام الحفظ المركزي الذي يسمح بتسيير الأوراق المالية عن طريق الحسابات الجارية، إذ يتم إحصاء خمس قيم متداولة، مع ارتقاب أن يصبح العدد أربعا مع انسحاب شركة العصائر والمصبرات بالرويبة”.
ضعف وبطء يميّزان بورصة الجزائر جراء غياب عمق السوق وجاذبية المؤسسات والمستثمرين
ورغم سعي السلطات في مرحلة سابقة إلى إعادة إنعاش عمليات الخصخصة للشركات العمومية الصناعية، وضمان توفير موارد مالية والتخفيف من اللجوء الآلي إلى مساهمة البنوك لدعم ومصاحبة المؤسسات العمومية، فقد ظلت مثل هذه العمليات تمثل عبئا كبيرا، من خلال عمليات التطهير وإعادة الرسملة المتواصلة، حيث تمت برمجة حوالي عشر مؤسسات حكومية منذ قرابة 10 سنوات لدخول البورصة، لكن العملية لم تكلل بالنجاح، بينما ظل القطاع الخاص مترددا خاصة بعد النتائج المحتشمة المحققة من شركات خاصة خاضت تجربة البورصة وتراجع قيمة أسهمها وقلة تداولها.
ولفت إلى أن ضعف البنية الصناعية والإنتاجية وغياب إرادة فعلية لتطوير السوق المالية وتحرير الاقتصاد ووضع آليات مضبوطة لإدارة وسير السوق المالية، فضلا عن غياب التحفيزات، تبقى من أبرز العوامل التي أبقت البورصة على حالها، حيث بقي رأس المال السوقي للبورصة عند مستويات ضعيفة.
وتعتبر بورصة الجزائر واحدة من أضعف المؤسسات المالية في العالم، حيث تشير أحدث التقديرات إلى أنها تحتل المركز قبل الأخير في ترتيب البورصات العالمية. ويعكس مقرها المهترئ الواقع بحي عميروش في وسط العاصمة، وتجهيزاتها البدائية، مكانتها ودورها في معادلة الاقتصاد المحلي.
ويرى خبراء أن ضعف البورصة الجزائرية يعزى بالأساس إلى دورها الضعيف في النشاط الاقتصادي والظروف التي أحاطت بنشأتها وطبيعة الاقتصاد المحلي القائم على مخططات مركزية خماسية، تستند إلى تمويل الخزينة العمومية، إضافة إلى غياب ثقافة التداول وتجارة الأسهم في الوسط الاقتصادي المحلي وتحفظ كبرى المؤسسات على المجازفة والانفتاح.
وتعد بورصة الجزائر من أفقر بورصات العالم وأقلها نشاطا، بسبب إهمال دورها واقتصار نشاطها حتى الآن على أربع مؤسسات حكومية فقط، في ظل غياب المرونة الاقتصادية والإدارية الذي عطل انبعاث نشاط البورصة.
ولا تزال البورصة في آخر اهتمامات الحكومة، رغم عجز الخزينة العمومية عن تمويل النشاطات الاقتصادية، وهو ما يعكس مدى انغلاق المؤسسة الاقتصادية الجزائرية وهيمنة الضبابية والمعاملات المثيرة للشكوك، واستمرار غياب الإرادة السياسية لبناء اقتصاد وسوق مالية قائمة على الشفافية والحوكمة. وحاول مدير البورصة تبرير تردد المؤسسات الاقتصادية بالبلاد في الانخراط في نشاط السوق المالية، بارتباط المؤسسات الاقتصادية الخاصة بالطابع العائلي الذي يرفض الانفتاح على تداول الأسهم مع أطراف أخرى.