نحو مسرحية انتخابية أخرى في الجزائر

حميد زناز

يبدو أن السلطة في الجزائر ماضية في تطبيق أجندتها إلى النهاية مهما كلفها الأمر غير مكترثة بمطالب المعارضة الشعبية التي تؤكد كل جمعة وثلاثاء رفضها المطلق لمناورات النظام عبر مظاهرات صاخبة تشهدها مدن كثيرة من البلاد.

ولئن كان عدم احترام رأي الشعب تقليدا لدى النظام الجزائري منذ تسلطه على رقاب الجزائريين سنة 1962 إلا أنه كان يبدي على الأقل بعض المراعاة حتى وإن كانت مزيفة. فلم يكن يغامر، مثلا، في تنظيم انتخابات أو أيّ نشاط سياسي إلا بعد أن يضمن حدا أدنى من مشاركة. ومع مجيء نظام بوتفليقة 2 بعد تنحيته تحت ضغط الشارع من طرف رئيس الأركان السابق قايد صالح والمقربين منه، أصبح النظام لا يخشى التفرد بالقرار غير آبه للأصوات المنتقدة منتهجا سياسية الأمر الواقع “أحب من أحب وكره من كره” كما يكرر الرئيس عبد المجيد تبون دائما.

فرض قايد صالح انتخابات رئاسية مضحكة مبكية، قاطعها الجزائريون مقاطعة شبه كلية، ومع ذلك عيّن تبون على إثرها رئيسا. ولم تفتح مكاتب التصويت أبوابها أصلا في ولايتين كبيرتين، هما بجاية وتيزي وزو القبائليتين. ورغم فايروس كورونا وغياب الرئيس ووجوده خارج أرض الوطن للعلاج، وعلى الرغم من المهزلة الانتخابية الرئاسية السابقة، لم يتعظ النظام وقام بتنظيم استفاء لتعديل الدستور وسط رفض شعبي كامل ومقاطعة منقطعة النظير ومنع المواطنون فتح مكاتب التصويت في منطقة القبائل كلها كما حدث في الانتخابات الرئاسية.

رغم الأزمة الاقتصادية والمالية والصحية والاجتماعية والانسداد السياسي، وعلى الرغم من عودة الحراك باستمرارية وقوة أكبر، لم يجد تبون ما يقترحه من أجل تهدئة الأوضاع سوى حلّ البرلمان الذي لا دور له في الجزائر كما يعرف الجميع، منذ أن تم تأسيسه، ليقرر إجراء انتخابات تشريعية مبكرة يوم الـ12 من يونيو المقبل، وكأن كل ما تحتاجه الجزائر هو برلمانيون وانتخابات لتحل مشاكلها المستعصية.

ومثله مثل شهرزاد في ألف ليلة وليلة يحكي النظام الجزائري قصة وراء قصة في محاولة لربح الوقت والنجاة من السقوط. ويبقى أسير مونولوغ مزمن لا يستمع إلى هدير الشارع الغاضب ولا إلى الأصوات العاقلة التي تريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

توحي كل المؤشرات إلى مقاطعة شعبية وحزبية غير مسبوقة لهذه التشريعيات، علاوة على تذمر المواطنين من الحالة الاقتصادية المزرية التي وصلوا إليها، بالإضافة إلى تجربتهم المرة مع انتخابات هذا النظام غير المجدية ويأسهم من أن تؤدي إلى التغيير. حتى أحزاب المعارضة الكبرى أعلنت مقاطعتها للانتخابات وتجمّعت في تكتل تحت اسم “البديل  الديمقراطي” معتبرة، وهي محقة، أن الأزمة في الجزائر ليست أزمة انتخابات، بل هي أزمة نظام فاشل يفتقد إلى الشرعية، وتطالب اليوم بحوار شامل ضمن مرحلة انتقالية لحل المشكلة السياسة نهائيا ثم الوصول إلى خلق آليات تضمن انتخابات حرة و نزيهة.

Thumbnail

وفي حقيقة الأمر، يدفع النظام أحزاب المعارضة التي لها بعض الوزن إلى المقاطعة كي لا تعرقل مشاريعه في البرلمان. ويبذل كل ما بوسعه لإقناع حزب واحد منها على الأقل ليشارك ويدخل البرلمان كديكور ديمقراطي فقط. إلا أن جهوده باءت بالفشل ولم يتمكن من إقناع أيّ حزب من الجناح الديمقراطي. ولم يبق للنظام سوى استعمال الأحزاب الإسلامية كالعادة لإضفاء مصداقية على الانتخابات، حيث كان ينجح في كل مرة في ترويضها وإغرائها. وقد أعلن إخوان الجزائر، ممثلين في حزب حمس، مشاركتهم في انتخابات الـ12 من يونيو المقبل، وكذلك أعلنت بعض الأحزاب الإسلامية الصغيرة الأخرى ومن بينها جبهة العدالة والتنمية. وكان الإخوان قد لعبوا منذ عام 1992 دور الموالاة غير المباشرة، واستعملهم النظام في إعطاء وجه ناعم للإسلام السياسي بهدف قتل جبهة الإنقاذ الإسلامية سياسيا، وهي التي رفعت ضده السلاح.

يحاول النظام الابتعاد عن حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الديمقراطي لارتباط اسميهما بالفساد والرشوة، خاصة أن بوتفليقة مازال ماثلا في أذهان الجزائريين. ويعمل النظام على خلق طبقة سياسية موالية جديدة لا يهمها سوى الارتزاق، وقد لبى نداء الامتيازات قرابة 50 حزبا مجهريا، هي أقرب إلى دكاكين سياسية، من مخلفات الرئيس المخلوع بوتفليقة وظيفتها إعطاء مصداقية لانتخابات مفبركة وتجميل الديكور السياسي بوجه عام.

لا يقدم القانون الجديد للانتخابات ضمانات كافية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. حتى إن افترضنا شفافيتها لن يستطيع البرلمان المنتخب فعل أي شيء لأن الدستور يعطي الصلاحيات كلها للرئيس.

ومن غرائب القانون الجديد للانتخابات الطلب من المرشحين تقديم شهادة حسن سيرة وسلوك، ولا أحد يعرف من هي الجهة المخوّلة لها إصدار هذه الوثيقة!

اختيار توقيت الاقتراع أيضا كان متسرعا وغير عقلاني، وبدا النظام على سرعة من أمره يريد إنهاء المسألة ليتفرغ للقضية الموالية في خريطة طريقه.

الوقت المتبقي لا يكفي لمراجعة القوائم الانتخابية؛ هناك من وصل إلى سنّ الاقتراع وينبغي تسجيله، وهناك من توفي ويجب حذفه من القائمة. ومن يهتم بحملة انتخابية في غمرة التحضير لامتحانات أبنائه وفي شهر رمضان وتحت حرارة قاسية؟ وكيف يستطيع المرشّحون جمع التوقيعات في زمن قياسي؟

ربما يضطر النظام إلى تأجيل الانتخابات إلى شهر سبتمبر المقبل لاستحالة إجرائها تقنيا يوم الـ12 من يونيو. ولكن في جميع الحالات سيقاطعها أغلب الجزائريين.

وفي مزحة سوداء، يتساءل البعض: هل يصل عدد الناخبين إلى عدد المرشحين يوم الـ12 من يونيو المقبل؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: