حقائق وأسرار والمنقد الحقيقي الذي تسبب في نجاة الحسن التاني من مخالب مجزرة إنقلاب الصخيرات

بقلم : عبد اللطيف الباز

نُبحر بالقراء الكِرام في هذه الفُسْحَة الرمضانية ضمن سلسلة بورتريهات حول شخصيات عسكرية انقلابية كادت أن تعصف وتغيّر مجرى التاريخ ؛كانت المناسبة الإحتفال بعيد ميلاد الملك الحسن الثاني في قصر الصخيرات المحاذية للعاصمة الرباط في العاشر من يوليوز 1971 عندما فوجئ الضيوف ظهرا بدخول عربات عسكرية تضم أكثر من 1200 جندي وضابط عسكري. في هذا المقال سأتطرق للممنقد الحقيقي الذي أنقد جلالة المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحه في الانقلاب الفاشل سنة 1971 بالصخيرات، الذي ورط فيها آنذاك ضباطا، ضباط الصف و تلاميذ. و هو الانقلاب الغاشم الذي لم يكتب له النجاح و خطط له من أراد السوء لمغربنا العزيز البلد الأمين.

إبان الانقلاب، كان المرحوم الحسن الثاني يراقب عن كثب كل ما كان يدور من حوله، فتبين له أن هذا الكم الهائل من الجنود ضباط صف و تلاميذ، كانوا تائهين دون أية خطة محكمة. لأن من دبروا هذا الانقلاب كان غرضهم الخوض في ماء عكر حتى يتمكن لهم القبض على المرحوم عاهل البلاد و يعلنوا بذلك نهاية حكم السلاطين العلويين، لكن الله أراد الخير لهذا البلد .

لما فشل انقلاب تلك الشرذمة من الضباط و بعض أتباعهم، بدأت عملية التطهير ابتداء من القصر و خارجه و في الرباط بالإذاعة و التلفزة المغربية، و القيادة العليا للجيش الملكي و محيط وزارة الداخلية و بعض الوزارات الأخرى المجاورة. بعد ثلاث ساعات من الفوضى داخل قصر الصخيرات، نجا الملك الراحل الحسن الثاني من محاولة الانقلاب عليه، حيت رمق الحسن السرجان ” كنوش محوش” تم راقب الملك يده، وهي تحمل السلاح، لكنها ترتعش. ليس الأسير أشدَّ وجَلاً من آسره! دوّت رشقتا رصاص في مكان غير بعيد، فاستنفر الجنود، وتلفتوا بحثاً عن مصدر الطلقات. انكشف ارتباكهم للملك.

قال لهم الملك بصوت خفيض، ووَدود: «انتوما أولادي». نظروا إليه وجلين متهيّبين. لا أحدَ منهم رأى الملك، قبل هذه الساعة، رأيَ العين. لم يعرفوه إلّا صورة ضخمة في برواز، تطلّ عليهم شامخةً، سامية، مرتفعة. وها هو الآن قبالتهم، وبين أيديهم. من كان يتصوّر أن يحدث كل ذلك؟! جعل الملك يهدّئ من روع الجنود، ويطمئنهم. قال لهم: «ما تخافوش. ما تخلعوش. غير تهدّنوا (اهدأوا)». ران عليهم الصمت، ثم تكلّم أحدهم مخاطباً الملك: «سيدي، قال لينا الكولونيل اعبابو بلّي انت فْ خطر، وخاصنا نحميوك». التقط الحسن الدلالة التي لمعت في كلمات الجندي، فقال: «مزيان. حنا دابا لاباس (نحن الآن بخير). أنا على خير، ما حدّي (ما دمت) معاكم.

وأنتوما على خير، ما حدكم معايا». أطرق الجنود بصرهم، وأرخوا أعينهم، وأمسكوا عن الكلام. لم يشاورهم رؤساؤهم في هذه المُلِمّة، ولم يرشدهم أحد إلى كيفية التصرف في مثل هذه البلوى. لقد أُمِروا، فائتمروا. قال الحسن لهم: «يا الله نقراو سورة الفاتحة. هي أم القرآن، وهي كا تشافي من الهم والضيق والأحزان». بادر الملك، فرفع يديه إلى صدره، وجعل يتلو الفاتحة، وتبعه الجنود فقرأوا كما قرأ. قال لهم: «ادعيوا ربّي معايَ: اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا». أمّن الجنود على دعائه ، تم رمقهم الحسن مرة أخرى بعينين فاحصتين تسبران أغوارهم، وقال لهم: «أنا الملك ديالكم، وأنتوما العسكر ديالي، فما تخافوش».

أومأوا برؤوسهم موافقين. وبادر أحدهم بأداء التحية العسكرية للملك، فتبعه الآخرون، وصنعوا مثله. مدّ إليهم الحسن يده ليبوسُوها، فتلقّفوها مقبّلين. تنفس الحسن الصعداء. إنه الآن من يسيطر على هؤلاء الجنود. هل عاد حظه يبتسم من جديد، بعد ساعات النحس والشؤم؟! لقد أعانته هيبته، وأسعفته حنكته، وأنجدته آيات قليلة من القرآن، لكنّ الطريق إلى النجاة ما زال بعيداً.

قال الحسن لجنوده: «واش بانولكم les camarades ديالكم؟ (ماذا عن زملائكم؟) باقين مخلصين لله والملك والوطن؟». قال رقيب للملك: «سيدنا، كاينين des officiers ضدك، وباغيين ليك الشر. (بعض الضباط ضدك، ويريدون لك الشر). لكن أغلبية les sous officiers ديال المدرسة راهم مخلصين ليك، أ سيدنا».

سأله الملك: «واش تقدر تعرف (هل تستطيع أن تميّز) المخلصين من الخونة؟!». أجاب الرقيب: «نعم، سيدي». أمره الحسن أن يذهب إلى من يثق فيهم من أصحابه، ويعلمهم بأن الملك بخير. وأن يراقب ردة فعلهم. فإن اطمأنّ لهم، فليجئ ببعضهم إليه. كانت تلك مخاطرةً، وقد جازف بها الحسن، فإمّا أن تصيب أو تخيب. جلب الرقيب معه بعض الجنود الآخرين، بعد دقائق، ليقابلوا «سيدنا». شيئاً فشيئاً، تكاثر العساكر حول الملك، وأخذوا يهتفون بحماسة: «عاش الملك، عاش الملك». استعاد الحسن رباطة جأشه، واستجمع سلطانه عليهم.

مدّ إليهم يده، فقبّلوها، وبعضهم انحنى إلى ساقه. خطب الملك فيهم، وقد عاد إليه ثباته: «ما لكم؟! واش مشى ليكم العقل؟! (هل فقدتم عقولكم؟!) واش حماقيتوا كاملين؟! (هل غدوتم كلكم مجانين؟!) أنتوما أولادي. أنتوما ضباط الجيش الملكي. أنتوما أولادي». زاد الهتاف: «عاش الملك، عاش الملك». ، فأحب الحسن أن يعيد سورة الفاتحة. قال لهم: «يا الله نقراو الفاتحة جميع». جعل الجنود يقرأون. قال لهم الحسن: «تبعوني. تبعوا الملك ديالكم». قادهم إلى المكان الذي قبع فيه أوفقير، وبقية الوزراء. كان المشهد عجيباً.

هنا بدأت القوات المخلصة لعاهلها المفدى تعتقل المئات من المتورطين والذهاب بهم إلى الثكنات من أجل الاستنطاق و معرفة الحقيقة. أما الدرك و الأمن فقد تمكنوا بدورهم من إلقاء القبض على كل من ظن أنه سيفلت منهم، و كان منهم من ألقي القبض عليه و هو محمل بذخائر و أسلحة و حتى المسروقات التي أخذوها من قصر الصخيرات قبل أن يتبعوا مدبر الانقلاب محمد اعبابو الذي أعطى وجهة الرباط و خصوصا الاذاعة و التلفزيون و الداخلية و المقر العام للقوات المسلحة الملكية حتى يضلل الرأي العام المغربي و يوهمه أنهم ألقوا القبض على المغفور له الحسن الثاني و بأن عهدا جديدا سيبدأ.

السرجان “كنوش محوش “من تلك الفئة التي بقيت إلى جوار المرحوم الحسن الثاني رفقة بعض التلاميذ الذين ساهموا في أمن و سلامة جلالته. وهنا أفتح  قوسا لكي أقول بأن كل من عانق و رفع و قبل كتف أو رأس المغفور له الحسن الثاني قد كتب له صفحة جديدة في تاريخ المغرب المعاصر، و يمكنهم أن يفتخروا بذلك ما داموا على قيد الحياة. مما جعل عاهل البلاد آنذاك يأمر لهم بمأذونية النقل من فئة سيارة أجرة كبيرة و النظر في قضيتهم و ترقيتهم إلى درجة ضابط،كانت مناسبة آنذاك حين استقبل المغفور له الحسن الثاني في إقامته منقده “حموش كنوش” لأكثر من خمس ساعات، حيث أراد من خلال ذلك أن يعرف كل صغيرة و كبيرة في هذه القضية. حينها اتخذ المغفور الملك العظيم الحسن الثاني قرارا تاريخيا، حيت أعطي أوامره المطاعة لخدامه الأوفياء بأنه قد عفا على كل التلاميذ الذين زج بهم اعبابو و شرذمته في هذا الانقلاب الذي قدر له الفشل و نالوا جزاءهم. أما عن المتورطين الباقين من ضباط و غيرهم فقد قال الحسن الثاني أنه سيترك الحق لقوة القانون حتى يصدر فيهم العقوبات التي يستحقونها، أو البراءة إن كانوا عن الفعل غافلون.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: