شهر رمضان يغذي آفة تبذير الطعام في المغرب

ماموني

يغذي شهر رمضان من كل سنة آفة تبذير الطعام في المغرب في ظل إجماع التقارير على تصنيف البلد ضمن البلدان الأكثر هدرا للغذاء مما يسلط الضوء على اختلال قواعد الاستهلاك واللهفة الكبيرة على شراء مواد غذائية لينتهي بها الأمر في سلة القمامة.

تعد ظاهرة تبذير الطعام من العادات السيئة في المغرب التي ارتبطت أساسا بشهر رمضان، حيث ترمى أكياس من الخبز والأطعمة القمامة في ظل لهفة الاستهلاك.

ويقبل المغاربة خلال رمضان على شراء كميات كبيرة من الفواكه والخضروات والخبز بما يفوق الحاجة فيما تفسد هذه الأطعمة في المنزل، وهو ما يسلط الضوء على ارتباك قواعد الاستهلاك خلال هذه المناسبة وتنامي اللهفة مما يزيد الضغوط على الأسر.

وتجمع تقارير وإحصائيات أن إهدار الأغذية أضحى لازمة تتكرر كل سنة رغم الإرشادات والنصائح بتجنب اللهفة وعدم شراء أكثر مما يحتاج إليه الفرد.

وهناك نحو 3.3 مليون طن من المواد الغذائية في المغرب لم تُتح الاستفادة منها وانتهى بها المطاف في القمامة في 2019، حسب آخر تقرير لمؤشر هدر الأغذية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمُنظّمة الشريكة.

وتبلغ حصّة المواطن المغربي من إهدار الطّعام سنويا 91 كيلوغراما، حسب ذات التقرير، وأن ما يقارب 90 في المئة من الأسر المغربية تقوم بإهدار الأطعمة، لاسيما في شهر رمضان إذ تشتري كمّيات كبيرة لا تستهلك منها سوى القليل.

وأكد الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن ظاهرة الإفراط في الاستهلاك الغذائي في شهر رمضان تكاد تكون عامة في الدول العربية حتى أن البعض يعيش على نقيضين بين فقر مدقع وإفراط في الاستهلاك.

رشيد ساري: بعض الدول تعيش على نقيضين؛ فقر وإفراط في الاستهلاك

وأضاف رشيد ساري، أنه في المغرب لا يختلف الحال عن العديد من الدول حيث يقدر الهدر الغذائي بأكثر من الثلث وربما يفوق ذلك، خاصة مع جائحة كورونا حيث حظر التجوال الليلي ربما يجعل نسبة الهدر الغذائي تتراوح بين 70 إلى 600 درهم خلال شهر الصيام لفئة كبيرة تصل إلى نحو 50 في المئة من الأسر.

ودق مؤشر الأغذية المهدرة في برنامج الأمم المتحدة للبيئة ناقوس الخطر بشأن المواد الغذائية المهدرة سنويا في المغرب، إذ سجل التقرير أن حصة الفرد المغربي من إهدار الطعام بلغت 91 كيلوغراما.

وعزا التقرير الأممي ارتفاع كمية الأغذية المهدورة خلال العام الماضي إلى تدابير الإغلاق التي فرضتها إجراءات الحجر الصحي المفاجئة، غير أنه لم يبين الفارق في إهدار الأغذية بين الدول الأكثر والأقل دخلا لأنه لم يميز بين الإهدار “المتعمد” و”غير المتعمد”.

ورغم تداعيات جائحة كورونا على القدرة الشرائية للمغاربة إلا أن ذلك لم يحل دون استقبال شهر الصيام باقتناء ما تتطلب موائد الإفطار من مواد استهلاكية متنوعة، بينما تعمل السلطات على تقويم أسعار المواد الاستهلاكية التي يرتفع الطلب عليها بهذه المناسبة الدينية.

وقد أفادت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك (منظمة غير حكومية) أن شهر رمضان “يعرف ذروة تبذير الطّعام برمي الثُّلث من المواد الغذائية الصالحة للاستهلاك، والتي تصل قيمتها المالية في المتوسط إلى 500 درهم (50 دولارا) شهريا لنحو 41 في المئة من الأسر”.

وقال بوعزة الخراطي رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك إن تكلفة تبذير المواد الغذائية تؤثّر سلبا على التوازن الاقتصادي، موضحا أن نسبة كبيرة من هذه المواد التي تستوردها الدولة بالعملة الصعبة تُرمى في الأخير في القمامة.

ويؤكد رئيس الجامعة الوطنية للمخابز والحلويات بالمغرب الحسين أزاز أنه يحز في النفس أن “نرى أكواما من الخبز ومشتقاته تضيع، في الوقت الذي يضطر فيه المغرب أحيانا إلى استيراد ما يزيد عن 50 في المئة من حاجياته من مادة القمح”، داعيا إلى ترشيد استهلاك مادة الخبز ومشتقاتها.

وقد أشارت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إلى أن 1.3 مليار طن من الغذاء تزيد قيمتها عن تريليون دولار ينتهي بها الأمر بفسادها أو هدرها كل عام، وهو ما يمثل ثلث إنتاج الغذاء العالمي.

وحددت العديد من بلدان العالم ومنها المغرب هدفا يتمثل في الحد من هدر الطعام بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2030.

واستقبل المواطن المغربي شهر رمضان للمرة الثانية مع استمرار حالة الطوارئ الصحية، وقد أكد رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك أن الجائحة لم تؤثر على نمط استهلاك المغاربة خلال شهر رمضان الماضي، بل ازداد إقبالهم على المواد الغذائية.

تقارير وإحصائيات تجمع أن إهدار الأغذية أضحى يتكرر كل سنة رغم الإرشادات والنصائح بتجنب اللهفة وعدم شراء أكثر مما يحتاج إليه الفرد

وأثبتت الدراسات أن الهدر الغذائي يتنافى مع حُسن التّدبير في الاقتصاد ويرفع من حجم النفايات المتراكمة التي تساهم في تلوث البيئة.

لهذا أطلقت الجامعة الوطنية لحماية المستهلك حملات تحسيسية لتفادي تبذير المواد الغذائية خلال شهر رمضان من قبيل المعجنات والكسكس والخبز، وتوعية المستهلك المغربي بالتدبير الجيد لاستهلاك الطعام أو الغذاء.

وأظهرت معطيات تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة فرقا في الأجزاء المأكولة من الأغذية وغير المأكولة منها مثل العظام والأصداف، إذ أن الدول الأقل دخلا تهدر كميات مأكولة أقل بكثير من تلك الأكثر دخلا، لكن المحصلة النهائية أن العالم يلقي في النفايات كل الموارد التي استعملت في صناعة ذلك الغذاء.

وأوضح الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن هذا الوضع يؤثر سلبا على الجانب الاقتصادي بالمغرب خاصة إذا كانت مجموعة من المواد المستهلكة مستوردة من الخارج مما يتطلب مزيدا من العملة الصعبة إضافة إلى تضرر العديد من الأسر من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وهو ما نلمسه مطلع كل رمضان مما يؤدي إلى تضخم ظرفي محدد زمنيا.

ولفت رشيد ساري إلى أن الإفراط في الاستهلاك له تبعات كذلك على الوضع البيئي حيث يصعب التخلص من الفضلات الصلبة بالنسبة للأغذية المعلبة.

ودعا البنك الدولي إلى اتخاذ إجراءات حازمة للحد من ارتفاع توليد النفايات وما له من تأثيرات سلبية على الاقتصاد والمناخ على حد سواء، على رأسها الحد من ظاهرة هدر الطعام، من خلال توعية المستهلك وإدارة المواد العضوية والبرامج المنسقة لإدارة النفايات الغذائية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: