تتجه السلطة الجزائرية إلى تقديم قرابين جديدة من المعارضين بهدف استمالة وعائها الشعبي تحت غطاء تحصين القيم والثوابت الوطنية واحترام تشريعات النشاط السياسي.
وفاجأ القضاء الجزائري الرأي العام بإصدار عقوبة بثلاث سنوات سجنا مع عدم الإيداع في حق الأستاذ والباحث في الشؤون الإسلامية سعيد جاب الخير، بعدما وجهت له تهمة “الاستهزاء بالمعلوم من الدين”، بينما اعتبره هو “حرية ضمير وتعبير تتطلب صبرا ونضالا طويلا”.
وجاء الحكم حاملا معه تأويلات سياسية بعدما تزامن مع حملة ترتيب السلطة لأوراقها مع أحزاب المعارضة طالت كلا من حزب العمال اليساري لما تم خلال الأسابيع الماضية تنظيم انقلاب داخلي على زعيمته التاريخية لويزة حنون قبل أن تتمكن رفقة أنصارها والمقربين منها من تطويق أزمة التمرد، وحزب الاتحاد من التغيير والرقي الذي تقوده المحامية والحقوقية المعارضة زبيدة عسول المنتظر إحالتها على القضاء بتهمة انتحال صفة رئيس حزب.
وكان عدد من المحامين قد تجندوا للدفاع عن قضية ازدراء الدين التي رفعها أكاديميون ضد الباحث المثير للجدل سعيد جاب الخير أمام قضاء العاصمة مستدلين بمنشورات على الصفحة الرسمية للرجل في شبكة فيسبوك، يعبر فيها عن أفكار تتصل ببعض الشعائر الدينية والمعتقدات الموروثة.
التحضير لمقاضاة المحامية والحقوقية زبيدة عسول حلقة جديدة من مسلسل صراع السلطة مع المعارضة
وظل مؤسس جمعية “التنوير” محل سخط إسلاميين ومحافظين أجمعوا على رفض الأفكار التي يتحدث فيها حول ما يصفه بـ”التراث الديني”، لكن الأمر أخذ طابعا قانونيا وسياسيا في الآونة الأخيرة، خاصة بعد التصنيفات المستجدة في المجتمع بين تيار علماني ديمقراطي داعم للاحتجاجات السياسية، وبين تيار إسلامي داعم للسلطة.
ولا يستبعد أن يكون تزامن العقوبة التي وصفت بـ”القاسية” مع التحضير لمقاضاة المحامية والحقوقية زبيدة عسول حلقة جديدة من مسلسل صراع يتم خلاله تقديم قرابين جديدة بغية إرضاء وعاء شعبي مؤيد للسلطة الجديدة منذ تصدر الجيش للمشهد بعد تنحي بوتفليقة، لكنه شعر بالخذلان بعد التقارب المسجل بين أجنحة النظام خلال الأشهر الأخيرة.
وسعيد جاب الخير الباحث الذي لم تعرف له مواقف سياسية واضحة تجاه الأحداث المتسارعة في البلاد، متخصص في شؤون التصوف، ومعروف بمعاداته للتيارين الإخواني والسلفي خاصة في ما يتعلق بما يصفه بـ”التراث الديني”، الأمر الذي كلفه حملات منظمة حول شخصه وعقيدته وأفكاره.
وقال في وقت سابق “من سوء حظك أن تكون باحثًا في الجزائر. إنها معركة يجب أن تستمر من أجل حرية الضمير والرأي والتعبير، وأن الكفاح من أجل حرية الضمير غير قابل للتفاوض”، في إشارة إلى الحواجز التي تعترض طريق الباحثين.
وبدا الرجل مركزا في تصريح أدلى به لقناة “بربر تي.في” المحلية في أعقاب صدور الحكم على “افتقاد عناصر القضية للتخصص في الشؤون الدينية، بمن فيهم قضاة المحكمة” مشددا على أن المسألة ليست قانونية بقدر ماهي مسألة نقاش وحجج يحسم فيها أولي الاختصاص وليس أروقة المحاكم.
ويعاقب القانون الجزائري بـ”السجن من ثلاث إلى خمس سنوات أو بغرامة مالية كل من أساء إلى الرسول أو شوه عقيدة الإسلام أو تعاليمه، سواء بالكتابة أو الرسم أو الإشهار أو بأي وسيلة أخرى “، وهو النص الذي رفع عدة مرات في الآونة الأخيرة، حيث سبق لقضاء مدينة خنشلة في شرق البلاد إدانة المناضل السياسي المعارض ياسين مباركي بعقوبة عشر سنوات سجنا نافذة، قبل أن يتم تخفيف العقوبة بعد الاستئناف، وهو ما ألمح إلى التوظيف السياسي للمسألة الدينية.
ووصف المحامي مؤمن شادي وهو أحد عناصر فريق الدفاع عن جاب الخير الحكم بـ”الصادم والقاسي” منددا بما أسماه “خلل الإجراءات وخلو الملف من الإدانة، غير أن الحكم جاء عكس التوقعات”.