إضرابات عمالية في قطاعات سيادية تضع الحكومة الجزائرية أمام اختبار صعب

بليدي

تستمر الاستعدادات في الجزائر لمجموعة من الإضرابات في قطاعات سيادية على غرار الجمارك والضرائب والإدارة والتعليم ستنفذ نهاية الشهر الجاري، ما يضع الحكومة برئاسة عبدالعزيز جراد أمام تحدّ صعب نظرا لحساسية القطاعات التي ستدخل في إضرابات احتجاجًا على تملص السلطة من التزاماتها تجاهها.

يُنتظر أن تشهد الجزائر خلال الأسبوع الأخير من الشهر الجاري حالة من الشلل غير المسبوق، بعد أن قررت عدة قطاعات حكومية الدخول في إضراب عن العمل، تنديدا بتملص الحكومة من التزامات سابقة قطعتها على نفسها مع الشريك الاجتماعي، وهو ما سيضع السلطة أمام مأزق حقيقي في مواجهة موجة الغضب الاجتماعي التي ستغذي زخم وشرعية الاحتجاجات السياسية المفتوحة.

وأعلن ناشطون في قطاع الحماية المدنية (الدفاع المدني) في التجمع المنتظم بالعاصمة الجزائرية مساء الأحد الدخول في إضراب عن العمل في 26 و27 أبريل الجاري، وبرر هؤلاء موقفهم بـ”تقاعس الإدارة الوصية في تلبية المطالب الاجتماعية والمهنية المرفوعة لديها منذ سنوات”.

وأكد البيان أن “الوصاية لا زالت تتعامل مع قطاع الحماية المدنية بشيء من الازدراء وعدم الجدية، رغم الجهود التي يبذلها هؤلاء خلال تأدية مهامهم، وأن منتسبي القطاع شبه الرسمي هم الوحيدون الذي يحظون باحترام شامل من طرف المجتمع، وهم في الصفوف الأمامية في كل الأزمات والكوارث، ومع ذلك فإن منحة الخطر التي نتلقاها تبقى رمزية جدا حيث لا تتعدى سقف 40 دولارا”.

لويزة حنون: انزلاق الوضع الاجتماعي في الجزائر سيدمر البلاد

وينتظر أن يكون الأسبوع الأخير من الشهر الجاري أسبوعا ساخنا اجتماعيا واقتصاديا بسبب قرار العديد من القطاعات الدخول في إضراب احتجاجي، ويتعلق الأمر بكل من الجمارك والضرائب والإدارة والتعليم إلى جانب عمال البريد الذين يواصلون إضرابا منذ عدة أيام.

ويعتبر دخول الدفاع المدني والجمارك على خط الجبهة الاجتماعية المتململة مؤشرا خطيرا قياسا بما يمثله القطاعان من أهمية بالنسبة إلى رمزية الخدمة العمومية المكفولة من طرف السلطة ومساهمتها في توفير أحد أبرز مصادر الخزينة العمومية وهي العائدات الجمركية المطبقة على البضائع.

وتعرف الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة حالة احتقان اجتماعي كبير، في ظل تدهور القدرة الشرائية والغلاء الفاحش لأسعار المواد الاستهلاكية، وتملص الحكومة من التزاماتها الاجتماعية السابقة، تحت ضغط الإكراهات المالية والاقتصادية.

وتبقى الإضرابات العمالية أحد أبرز أوراق الضغط القوية على الحكومة، وقد تندفع إلى الانزلاق في ظل محاولات توظيفها لأغراض أخرى، ولذلك يجري التحذير منها في الجزائر، حيث أكدت رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون على “ضرورة استماع الحكومة لانشغالات الطبقة الشغيلة قبل انفلات الوضع إلى ما لا تحمد عقباه”.

ولم تتوان حنون في معاتبة السلطة على تجاهلها لمطالب التغيير السياسي، وقالت “يمكن أن تندم يوما ما على سلمية الحراك الشعبي، لأن انزلاق الوضع الاجتماعي سيدمر البلاد”، في إشارة إلى أثر ما يوصف بـ “ثورة الجياع” على الاستقرار الاجتماعي في البلاد.

وما زالت الحكومة عاجزة عن ضبط الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، بشكل زاد من نفوذ وتغول مختلف اللوبيات التي تحدّت إرادة السلطة العمومية في فرض هدوء اجتماعي. غير أن ممارسات الاحتكار والمضاربة والندرة التي طالت بعض المواد الاستهلاكية، وقبلها أزمة الحليب والسيولة المائية والماء والكهرباء، عكست فشلا حكوميا غير مسبوق في إدارة شؤون الدولة، الأمر الذي عزز شرعية مطلب التغيير السياسي في البلاد.

Thumbnail

وإذا كان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون نفسه قد شدد أمام كبار مسؤولي الدولة على التخفيض في سعر البطاطا على اعتبار أنها غذاء رئيسي للجزائريين، فإن ناشطي الأسواق فرضوا منطقهم وتحدوا الرئيس، وهو ما يعطي الانطباع بأن الحكومة باتت واقعة تحت رحمة لوبيات المضاربة والإشاعات التجارية، وحتى الوعود التي أطلقها وزير التجارة كمال رزيق بتدخل الحكومة لضبط السوق لم يتحقق منها شيء وترك المستهلك في مواجهة مصيره.

وإذا كانت الاحتجاجات التي نفذها منتسبو قطاع التعليم، تنديدا بما أسموه بـ”استفزازات الإدارة للمعلم وعدم احترام مربّيِ الأجيال”، فإن دخول قطاعات استراتيجية في البلاد على خط الاحتجاج يعكس مدى تعقد الأزمة التي تعرفها البلاد، لاسيما وأن الأمر يتعلق بالدفاع المدني والجمارك والجباية والصحة.

وما زال موظفو القطاعات المذكورة يشكلون وعاء اجتماعيا قويا بإمكانه صناعة أي تحولات مفاجئة في البلاد، خاصة وأن احتجاج عمال الجمارك يعني دخول المطارات والموانئ والبوابات الحدودية في شلل تام، وركود حركة البضائع والتجارة وحرمان الخزينة العمومية من عائدات هي في أمسّ الحاجة إليها.

كما تمثل قطاعات الصحة والبريد والجباية والحماية المدنية عصبا حساسا في الخدمة العمومية التي توفرها الحكومة، وأي اهتزاز في استقرارها ينعكس على النسيج الاجتماعي العام في البلاد، لأن العدوى مرشحة للتمدد إلى مختلف القطاعات الأخرى، وقد يكون وقعها أكثر إيلاما للحكومة من الاحتجاجات السياسية المستمرة في البلاد منذ أكثر من عامين بشكل سلمي وهادئ.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: