المغرب: ماذا بعد حسم المحكمة الدستورية بدستورية القاسم الانتخابي؟

يوسف الفرج

وأخيرا حسمت المحكمة الدستورية الجدل حول القاسم الانتخابي، واختارت منهجية ذكية في الحكم بدستوريته، بعدم وجود ما ينافي أحكام الدستور في القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم الانتخابات، وتعليق النقاش حول علاقة القاسم الانتخابي بتمثيل الإرادة الشعبية باختصاص المؤسسة التشريعية. بمعنى، أن المحكمة الدستورية، رفضت أن تنصب نفسها مكان البرلمان، ونأت بنفسها عن النقاش حول أثر القاسم الانتخابي الجديد على المسار الديمقراطي، وفضلت أن تتجه إلى المنحى الشكلي في الموضوع، وتحمل البرلمان المسؤولية، في ضبط مسار العملية السياسية اتجاه الديمقراطية.
في المحصلة، مر القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم الانتخابات، ولم يعد لحزب العدالة والتنمية، الحزب الوحيد الذي قاوم هذا القانون، أي سلاح يفل به آثار هذا القانون، ما دام قد اكتفى في التعاطي معه بالجواب القانوني والمؤسساتي، وذلك حين قدم طعنا بعدم دستورية القانون، وارتضى بذلك، بتحكيم مؤسسة المحكمة الدستورية، واستبعد الجواب السياسي منذ أول وهلة، وزاد بلاغ أمانته العامة الأخيرة الأمر تأكيدا، حين أكد على مشاركة الحزب السياسية في ظل هذا القانون الذي يحكم القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، لا على أساس المصوتين كما يجري ذلك في كل التجارب الديمقراطية. الملاحظة الجديرة بالتأمل، أنه في الوقت الذي لم تبد فيه الأحزاب أي مقاومة لهذا القانون، بما في ذلك الأحزاب التي تحصل في العادة على المراتب الأربع الأولى، رفعت قيادة العدالة والتنمية السقف عاليا، واعتبرت القاسم الانتخابي الجديد مؤشرا بالقول بأن هذا القاسم الانتخابي سيجعل المغرب عرضة لسخرية العالم، بل إن الأمانة العامة لهذا الحزب، ذهبت أكثر من ذلك، كما ولو كانت تتجه فعلا إلى تبني جواب سياسي في مقاومة هذا القانون، فدعت المجلس الوطني (برلمان الحزب) إلى الانعقاد لاتخاذ ما يتعين اتخاذه من خيارات سياسية ودستورية! والحال إن هذه الخيارات، السياسية والدستورية، لم تكن تحتمل تأويلات كثيرة، فالجواب السياسي، ليس له من صورة إلا عدم المشاركة في العملية السياسية التي يؤطرها القاسم الانتخابي الجديد، في حين، لا توجد صور كثيرة للخيارات الدستورية، سوى ما يتعلق بسلطة رئيس الحكومة، في سحب الثقة عن حكومته ما دامت الأغلبية، تعتبر لفائدة القاسم الانتخابي ضدا على إرادته. المفارقة، أن قيادة العدالة والتنمية، التي استثمرت بشكل كثيف في مقاومة القاسم الانتخابي، وفعلت آلياتها في التـأطير الداخلي بهذا الخصوص، هي نفسها التي عملت على لجم برلمانها عن المضي في أي جواب سياسي، فضلا عن مجرد التداول في الخيارات الدستورية، فقاومت بشدة أي فكرة تدعو لاستعمال المشاركة السياسية ولو كورقة للتهديد والتلويح، واكتفت بالتزام الجواب القانوني والمؤسساتي، واشتغلت بنحو بيداغوجي منظم لطمأنة الداخل الحزبي، بكون المحكمة الدستورية، سترفض القاسم الانتخابي الجديد، وتنتصر للخيار الديمقراطي، بل إنها عمدت إلى إنتاج خطاب آخر مقابل، يبشر بإمكانية تصدر للعملية الانتخابية ولو بسيناريو القاسم الانتخابي الجديد. أي في المحصلة، فقد عملت قيادة العدالة والتنمية بكل الوسائل من أجل أن تجعل الجواب القانوني والمؤسساتي جوابها الوحيد لمقاومتها للقاسم الانتخابي، وهي تدرك جيدا أن هذا القانون إنما صمم بقصد ألا يتصدر العدالة والتنمية المشهد السياسي ويقود الحكومة للمرة الثالثة.

القاسم الانتخابي سيخلق خارطة انتخابية وسياسية هشة، تنضاف إلى الهشاشة الاجتماعية، وتجعل الدولة في مواجهة مباشرة مع الاحتقان، وتضع كل الرأسمال الاستراتيجي الذي تم استثماره في دائرة الشك

ولذلك فضلت أن تتعامل مع قرار المحكمة الدستورية بثلاثة أجوبة، أولها احترام قرارها وأنه ليس موضوع مراجعة أو طعن، وثانيها التشبث بموقفها بكون القاسم الانتخابي يعتبر مسا خطيرا بالمسار الديمقراطي، ويؤدي إلى إضعاف للمؤسسات وتوسيع منسوب العزوف عن المشاركة السياسية، والثالث، بالإصرار على الاستمرار في المشاركة السياسية، التي يمكن أن تأتي بالمفاجأة، وأن حصول الحزب على المرتبة الأولى، ممكن، وهو معلق على إرادة القواعد الحزبية ومدى جاهزيتهم لتحقيق هذا السيناريو. قد يكون من المفيد تحليل شكل تعاطي القيادة مع هذا القانون، وخلفيات استبعادها للجواب السياسي ولو على سبيل التلويح، وما إذا كان الاستثمار في معركة القاسم الانتخابي كان معركة لطمأنة الداخل الحزبي الذي تعرض لهزات عنيفة أكثر منه معركة سياسية مع خصوم الحزب، لكن الأهم هو سؤال ماذا بعد تمرير القاسم الانتخابي؟ وما أثر ذلك على العملية السياسية؟
من الناحية الرقمية، الصورة لن تكون غامضة، فالقاسم الانتخابي الجديد، سيسوي بين الأحزاب، وسيجعل إمكانية فوز أي حزب بمقعدين أمرا مستحيلا، ومعنى ذلك أن أعلى نسبة من المقاعد التي سيحصلها الحزب الفائز لن تتجاوز مجموع الدوائر الانتخابية أي 92 مقعدا، وأن العدالة والتنمية، الذي كان المستفيد الأول من وفرة المقاعد في الدائرة الواحدة، سيكون محروما من هذا المكتسب، وسيكون أيضا محروما من المقاعد التي يستعصى في الغالب حصوله عليها، سواء تلك التي تنتمي إلى العالم القروي (الأرياف) أو في الدوائر التي تحولت من نمط الاقتراع اللائحي إلى نمط الاقتراع الفردي فيما أقل من 50 ألف نسمة، وسيكون في وضع صعب في الأقاليم الجنوبية، وأيضا في بعض مناطق زراعة القنب الهندي، أي أن فرصه في الحصول على الرتبة الأولى ستكون محدودة. السيناريوهات الممكنة كلها ليست مهمة، فسواء فاز التجمع الوطني للأحرار أو الأصالة والمعاصرة أو حزب الاستقلال، فالسيناريو الأصلي الذي لأجله تم استحداث القاسم الانتخابي الجديد هو إبعاد العدالة والتنمية عن المرتبة الأولى، وهو ما سيتم تحقيقه، بتصدر أي كان من الأحزاب الثلاثة السابقة. البعض يطرح سؤال القدرة على مواجهة تداعيات كورونا، أمام الهشاشة الاجتماعية الشديدة، وإمكانية اندلاع موجات غضب ناتجة عن الاحتقان الاجتماعي، وحاجة المغرب في هذه المرحلة إلى جواب سياسي، يعزز الثقة في المؤسسات، ويصالح الناس مع السياسة، وتضطلع الأحزاب الإصلاحية بدور التهدئة، وإشاعة ثقافة التفهم للسياق المأزوم، والفرص التي يمتلكها المغرب للخروج من هذه الوضعية. والحقيقة أن الجواب عن هذا التحدي، يتم الاشتغال عليه اليوم، بعيدا عن الجواب السياسي، فثمة تفكير استراتيجي، تتولى أمره الدولة بنفسها، وذلك حينما وجهت حكومة سعد الدين العثماني إلى تعميم الحماية الاجتماعية لفائدة الفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية، وفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يمارسون نشاطا خاصا، وذلك باعتماد 50 مليار درهم سنويا ستغطي 22 مليون مغربي في أفق 2022، وتعميم التعويضات العائلية في أفق 2024، توسيع قاعدة الانخراط في نظام التقاعد في أفق 2025. التقدير أن القاسم الانتخابي سيخلق خارطة انتخابية وسياسية هشة، تنضاف إلى الهشاشة الاجتماعية، وتجعل الدولة في مواجهة مباشرة مع الاحتقان، وتضع كل الرأسمال الاستراتيجي الذي تم استثماره في دائرة الشك، لأن الحكومة التي سيفرزها القاسم الانتخابي، ستكون معزولة عن المجتمع، لا تمثل إرادته، وستكون غير قادرة على التعبير عن جزء ولو قليل من تطلعاته.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: