الاعتراف بمغربية الصحراء مقاربة أميركية واقعية بأبعاد جيوستراتيجية

Belbazi

منذ اليوم الأول لاعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه أجمع المتابعون للشأن المغربي على أنه نجاح لدبلوماسية الرباط التي توجت بافتتاح قنصليات لعدة دول في مدينتي العيون والداخلة، وبطبيعة الحال كان أمر تحليل موقف واشنطن مهما بالنسبة إلى الباحثين الذين يرون أنها خطوة بأبعاد إستراتيجية لتعزيز أمن حليف إستراتيجي.

لم تكن منطقة الصحراء تاريخيا دولة مستقلة، فحقيقة الرغبة في عزلها عن المغرب كما يدافع البعض عن ذلك لن تؤدي إلا إلى زعزعة استقرار حليف تاريخي للولايات المتحدة، كما سيساهم ذلك في التأثير على استقرار منطقة تعاني بالفعل من انعدام الأمن، ومن هنا جاء اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء ليأخذ طابعا رسميا في كل أبعاده.

ولأن هذه المسألة تشكل في أبعادها الإستراتيجية هدفا بعيد المدى بالنسبة إلى الأميركيين في علاقتهم بحليفهم الأهم في المنطقة، قطعت إدارة الرئيس جو بايدن الجدل القائم منذ توليه السلطة بشأن فرضية تراجع واشنطن خلال عهدها على قرار سابقتها إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه.

وقد أكد خبراء أميركيون في القانون والعلاقات الدولية خلال ندوة افتراضية نظمتها نقابة المحامين بمدينة نيويورك حول هذا الموضوع الأربعاء الماضي وجاهة الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء مبرزين أن دعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كان دائما السياسة المتبعة من قبل الولايات المتحدة ولفترة طويلة.

وتصدى هؤلاء للأطروحات المنحازة التي طرحها متدخلون في هذه الندوة، وخاصة جون بولتون مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس دونالد ترامب وأيضا كريستوفر روس المبعوث الأممي السابق للصحراء المغربية، المعروفين بانحيازهما وبمواقفهما الداعمة لأعداء وحدة أراضي المغرب.

إليوت أبرامز: لولا الجزائر لانتهى الصراع ضمن مبادرة الحكم الذاتي المغربي

ويعيق نزاع الصحراء التعاون والتكامل الإقليميين ويخلّف تداعيات خطيرة على الأمن والتنمية. وأثّرت الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر سلبا على معظم العلاقات الإقليمية، فعلى سبيل المثال تجد تونس وليبيا ومالي نفسها مضطرة إلى إعداد إستراتيجيات أمنية مع كل من الدولتين على حدة عوضاً عن إستراتيجية إقليمية منسقة أكثر فعالية.

كما أن إقصاء المغرب عن القيادة الإقليمية لعمليات مكافحة الإرهاب المشتركة التي تتزعمها الجزائر يسلط المزيد من الضوء على المشكلة.

ويرى خبراء أن تسوية النزاع من شأنها أن توحّد الجهود الأمنية العابرة للحدود عند المستويَين الإقليمي والمحلي، وخلق إستراتيجية عملية للتنمية الاقتصادية تُقدّم موارد اقتصادية بديلة عن التهريب والاتجار بالبشر ما قد يساهم في بسط الاستقرار في هذه المناطق ويعود بالنفع ليس فقط على اللاجئين العالقين في المخيمات منذ أكثر من أربعة عقود، بل أيضا لمستقبل الجزائر والمغرب كبلدين جارين وللاستقرار الإقليمي في المغرب العربي.

وقال إليوت أبرامز الدبلوماسي الأميركي السابق ومساعد مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض خلال عهد بارك أوباما إنه يتعين على الإدارة الأميركية الحالية أن تحافظ وتصادق على الإعلان الذي تبنته الإدارة السابقة باعتبار أن المغرب يشكل “حليفًا إستراتيجيًا قويًا منذ أمد بعيد” للولايات المتحدة.

وتحدث أبرامز وهو متخصص في شؤون الشرق الأوسط في مركز الفكر الأميركي المرموق مجلس العلاقات الخارجية عن دور الجزائر في إدامة النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، وقال إنه “لو لم يكن الدعم الجزائري للبوليساريو، فإن هذا الصراع كان سينتهي منذ فترة طويلة في إطار مخطط الحكم الذاتي المغربي”.

كما أشار إلى أن قضية الصحراء بالنسبة إلى الجزائر ليست أكثر ولا أقل من أداة للإضرار بالمغرب، وأن دعمها لانفصاليي البوليساريو يندرج في هذا السيناريو. وقال “ليس للجزائر، بخلاف المغرب، مصلحة وطنية في قضية الصحراء، بمعنى أن النظام الجزائري يستغل جبهة البوليساريو كجزء من سياسته المناوئة للمغرب”.

ومن الصعب للغاية تصور أن حركة انفصالية مثل البوليساريو يمكن أن تؤدي إلى بروز دولة ديمقراطية، كما يجادل البعض. ومن هنا يرى المراقبون أنه من مصلحة الولايات المتحدة معارضة أي مس بوحدة أراضي المغرب وسيادته عليها.

ويشير يوجين كونتوروفيش بروفيسور ومدير مركز الشرق الأوسط والقانون الدولي بجامعة جورج ميسون الأميركية إلى أن الولايات المتحدة تواصل الاعتراف في هذه اللحظة بالذات بسيادة المغرب على الصحراء وهي سياسة الولايات المتحدة الحالية بشأن هذا الملف. وأضاف أن الرئيس بايدن “لا يحتاج إلى تأييد” الإعلان الذي اعتمده سلفه، بمعنى أنه “هو نفسه الرئيس لدولة تعترف بالفعل بهذه السيادة”.

دعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كان دائما السياسة المتبعة من قبل الولايات المتحدة ولفترة طويلة

وفي دليل على ذلك تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في فبراير الماضي التي قال فيها إن “ما قلناه على نطاق واسع لا يزال ساري المفعول بشأن ملف الصحراء”. وأكد أن إدارة بايدن ستواصل دعم مسار الأمم المتحدة لتطبيق حل عادل ودائم لهذا الخلاف طويل الأمد في المغرب. وستدعم عمل بعثة الأمم المتحدة بالصحراء (المينورسو) في مراقبة وقف إطلاق النار وتفادي العنف بالمنطقة.

وكان المغرب قد تقدم منذ سنوات بمقترح من أجل منح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا موسعا في إطار وحدة وطنية تحت السيادة المغربية، وقد لاقى هذا الحل دعما وتشجيعا دوليا لإنهاء النزاع حول قضية الصحراء، لكن الجزائر تعارض ذلك وترى أن الصحراويين لديهم من يدافع عنهم وهي جبهة البوليساريو الانفصالية.

وما يؤكد وجاهة الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء هو صبغته القانونية، فقد أكد كونتوروفيش أن السياسة الأميركية في هذا الملف “تظل متوافقة مع القانون الدولي”، مذكرا بأن عددا كبيرا ومتزايدا من الدول العربية والأفريقية افتتح مؤخرا قنصليات في الصحراء كدليل على الاعتراف التام بسيادة الرباط الكاملة على هذه المنطقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: