تشهد الأسواق الجزائرية في الأيام الأولى من شهر رمضان ندرة في بعض المواد الأساسية على غرار الزيت والحليب مما غذى المخاوف بشأن افتقاد مواد أخرى الأمر الذي تسبب في اللهفة على الاستهلاك وتخزين الغذاء ما شجع التجار على المضاربة وأظهر حسب مراقبين عجز الحكومة على احتواء الأزمة وتلويحها بالاستيراد لسد النقص.
أججت الشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي والصور والتسجيلات المفبركة حالة من الارتباك في الأسواق الجزائرية مما تسبب في ندرة المواد وارتفاع الأسعار وتلويح الحكومة بالاستيراد، الأمر الذي عرضها لانتقادات الخبراء محملين السلطات مسؤولية سوء التخطيط والإحصاء لحاجيات السوق المحلية.
تسبب تفجر الطلب على المواد الغذائية خلال شهر رمضان، في ندرة بعض المواد الأساسية فضلا على مضاربة التجار في أسعار العديد من المنتجات لاسيما الزيت والحليب، في ظل مخاوف من امتداد الأزمة إلى السميد (الحنطة) والسكر، في عدد من المدن والمحافظات شرق البلاد.
وأظهرت فيديوهات وتسجيلات على شبكات التواصل الاجتماعي، تدافعا بين السكان داخل متاجر وأسواق من أجل الحصول على الحنطة والسكر.
رغم إيجاد الحكومة الجزائرية منذ تنصيبها في ديسمبر 2019، لحلول لأزمة الندرة التي عصفت ببعض المواد الاستهلاكية، ومحاولات وزارة التجارة لاحتواء الأزمة إلا أنها امتدت إلى مواد أخرى، كالحنطة خلال شهري مارس وأبريل 2020، ثم الزيت النباتي، وسط توقعات بوصول العدوى إلى مواد أخرى كالسكر.
وتواجه الجزائر بالتوازي مع ندرة المواد الغذائية أزمة السيولة المالية في مراكز البريد والوكالات البنكية.
وتفاقمت حالة القلق في الجبهة الاجتماعية والاقتصادية، بعد إضراب مفاجئ نفذه عمال وموظفو قطاع البريد في اليوم الأول من رمضان، الأمر الذي خلق حالة من الفوضى والفزع، نتيجة عدم قدرة الزبائن على سحب رواتبهم وتلبية الحاجيات الاستهلاكية للأسر خلال شهر الصيام.
ولا زالت تبريرات الحكومة، تتمحور حول “لوبيات المضاربة” المرتبطة بالتجاذبات السياسية، وبـ”اللهفة” واللجوء إلى التخزين من طرف المستهلكين، وهو ما ورد أيضا على لسان الرئيس عبد المجيد تبون، في آخر تصريح له لوسائل إعلام محلية، أين أرجع الندرة إلى “اللهفة والتخزين”، وحاول تقديم تطمينات إلى الشارع الجزائري، بامتلاك الدولة لإمكانيات احتواء الوضع، ولو باللجوء إلى إغراق السوق بكميات مستوردة.
إلا أن الخبير الاقتصادي والمالي إسماعيل لالماس، يربط الأزمة بـ”ضعف الحكومة وعدم قدرتها على ضبط السوق المحلية، وافتقادها للإحصائيات والتخطيط، الذي يمثل قاعدة تنظيم السوق ورسم مؤشرات الاستهلاك الداخلي”.
ولفت المتحدث، إلى أن “الحكومة التي لا تملك معطيات دقيقة حول حاجيات السوق المحلية، ولا عن المنتج المحلي، لا يمكن لها التحكم في التموين ولا حتى في التصدير، فالإعلان عن استيراد كمية من اللحوم لتغطية الطلب المتزايد خلال شهر رمضان بعدما كان محظورا، هو محفز على الفوضى وغير منطقي تماما، فكيف يتم توفير الكمية المطلوبة في ظرف أسبوعين”؟
وتابع “في ظل غياب إحصائيات دقيقة للسوق المحلية ومتابعة مؤشرات الاستهلاك، تجد الحكومة نفسها دائما في حالة تخبط، وتصرف وفق رد الفعل، وليس وفق إدارة السوق أو التحكم في لوبيات المضاربة، الأمر الذي شجع التجار على التجاوزات”.
وإذ تربط الحكومة ندرة مواد استهلاكية في السوق، وارتفاع فاحش للمواد المتوفرة، بـ”مؤامرة سياسية” يفتعلها أفراد مرتبطون بالنظام السابق ( نظام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة)، فإن الخبير الخبير إسماعيل لالماس، يرجع حالة اللهفة واللجوء للتخزين إلى “الخوف المستشري لدى المستهلك وعدم اطمئنانه على الوضع الاجتماعي السائد، في ظل عجز الحكومة والهيئات الرقابية عن احتواء الأزمة”.
الحكومة الجزائرية تفتقد للبدائل وللتخطيط والاستشراف أفقدها التحكم في السوق، رغم ما للمسألة من خطورة على الاستقرار الاجتماعي
وتأثرت السوق الجزائرية كثيرا خلال السنوات الأخيرة، بسبب تقلص موارد الدولة نتيجة تراجع أسعار النفط، وتداعيات جائحة كورونا، ولجوء الحكومة إلى خفض قيمة العملة المحلية تدريجيا، مما أفقد الدينار 15 في المئة من قيمته أمام سلة العملات الصعبة، مما أفضى إلى ارتفاع شامل للأسعار، على اعتبار أن الدولة تعتمد في تموين سوقها على الاستيراد.
ولا زالت معطيات السلطة غامضة لدى الدوائر الاقتصادية، في ما يتصل بعدد من القطاعات، على غرار الأرقام التي تروج لها الحكومة بخصوص توفير القطاع الزراعي لـ25 مليار دولار خلال العام الماضي، وتقليص الواردات بنحو عشرة مليارات دولار.
وهو ما برره الرئيس تبون، في تصريحه الأخير بالقول “الزراعة وفرت 25 مليار دولار، وأي رفع للإنتاج في أي شعبة من الشعب يغني الحكومة عن توفير مبالغ الاستيراد”، إلا أن منتقدي الحكومة يستبعدون المسألة ويبررون ذلك بـ”الغلاء الفاحش لمختلف الخضر والفواكه عشية حلول شهر الصيام”، ولا يستبعد هؤلاء أن يكون الأمر مجرد نصيب القطاع في الناتج الداخلي الخام، والتقشف عبر حظر استيراد المواد الاستهلاكية.
ويرى لالماس، بأن “افتقاد الحكومة للبدائل وللتخطيط والاستشراف أفقدها التحكم في السوق، رغم ما للمسألة من خطورة على الاستقرار الاجتماعي، وكان الأجدر بها قبل فرض الفوترة في المعاملات التجارية، رفع الاحتكار عن المواد الأساسية وإصلاح المنظومة الجبائية والبنكية”.