اتسعت الفجوة بين السلطة والشارع في الجزائر في ظل هيمنة خطاب التشدد وغياب الأصوات المرنة، وباتت مفردة “الحراك الشعبي” التي وجدت مكانها في الدستور الجديد، محل تصنيفات مختلفة، منها ما يستمد علاقته من دوائر خارجية معادية، بحسب تصريحات مسؤولين سامين في الدولة الجزائرية وهو ما يجعل التصعيد يخيم على المشهد.
وبات الحراك الجزائري يحمل أكثر من دلالة ومفهوم، بحسب المواقف السياسية التي يتم تبنيها من قبل كل طرف، ففيما جرى تضمين الحراك الشعبي في ديباجة الدستور الجديد للبلاد، ووصف في أكثر من مرة بـ”المبارك” و”الأصيل” على لسان الرجل الأول في الدولة الرئيس عبدالمجيد تبون، فإن مسؤولين آخرين لم يتوانوا في وصف الموجة الجديدة من الاحتجاجات، بالحراك “الجديد” و”الهجين”، وحتى “العميل”.
وتسير لغة الخطاب بين السلطة والشارع الجزائري إلى المزيد من التطرف لاسيما خلال الأسابيع الأخيرة، بعد ظهور شعارات قوية وغير مسبوقة وجهت نقدها لأعتى جهاز في المؤسسة العسكرية -جهاز الاستخبارات- واتهمته بـ”ممارسة الإرهاب”، والوقوف وراء العشرية الدموية خلال تسعينات القرن الماضي.
وفي المقابل، لم يعد مسؤولون كبار في الدولة، يكيلون أوصاف “الشواذ” و”المثليين” و”العملاء” للموجة الجديدة من الاحتجاجات السياسية.
وكما توقعت دوائر سياسية في وقت سابق، أن تسير التطورات في الجزائر نحو المزيد من التشدد، الأمر الذي سيخلق تيارات متطرفة داخل الطرفين، في ظل تحييد الأصوات المرنة التي بإمكانها أداء دور وسيط وتحظى بثقة الجانبين.
وكان رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، قد حذر السلطة من تداعيات هذا السيناريو، لما كانت تدير ظهرها لمختلف المبادرات السياسية التي أطلقت سابقا، وصرح بأن “هذه السلطة سيأتي عليها يوم لا تجد فيه حتى المعارضة السياسية الحقيقية التي تنقذها من المأزق”.
ويبدو أن السلطة بعد تواري جميع الخطوط السياسية عن الأنظار، وجدت نفسها وجها لوجه أمام احتجاجات سياسية تتجه إلى المزيد من الراديكالية في المطالب والمواقف، ولم ينفع معها خطاب “التخوين والعمالة”، أو الإساءات “الأخلاقية”، وحملات التشويه.
وفي هذا الصدد، صرح وزير الاتصال والناطق الرسمي للحكومة عمار بلحيمر أمس الثلاثاء، بأن “أطرافا خارجية تستعمل الحراك الجديد كوسيلة في حربها على الجزائر، وأن تلك الأطراف أصبحت تستعمل شبه الحراك، أو ما يسمى بـ’الحراك الجديد’ كوسيلة في حربها على الجزائر”.
وأضاف “هذه الأطراف تلجأ إلى كل الوسائل القذرة، لاسيما محاولة تغليط الرأي العام وتزوير الحقائق، إلا أن هذه الأساليب أصبحت مكشوفة، وأن السلطات تعمل على محاولة توعية الأشخاص الذين ينساقون دون وعي وراء كل الدعوات التخريبية، والذين هم ضحايا ومخدوعون بشعارات كاذبة”.
وأكد المتحدث، في إشارة إلى دور الانتخابات التشريعية المبكرة في احتواء مطلب التغيير، أن السلطات العمومية قدمت كل التسهيلات والضمانات الكفيلة بفتح المجال أمام نخبة سياسية جديدة، لاسيما تلك المنبثقة عن “الحراك الأصيل المبارك”، فضلا عن حزمة الضمانات التي تقدمها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، والتي من شأنها ضمان نزاهة وشفافية هذا الموعد.
وكرر الرئيس عبدالمجيد تبون، في أكثر من تصريح لمختلف وسائل الإعلام المحلية، مفردات “الحراك المبارك والأصيل”، في تلميح إلى نسخة أو نسخ أخرى من الحراك الشعبي الذي لا يحقق رضى السلطة ويزعجها منذ عودته في فبراير الماضي، بعد 11 شهرا من التعليق بسبب وباء كورونا.
وفي ظل عجز مختلف القوى السياسية والشخصيات المستقلة عن شق طريق ثالث للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ أكثر من عامين، صارت القطيعة العنوان الأبرز في علاقة السلطة القائمة والحراك المتجدد، ولا يستبعد أن يأخذ الوضع طابعا أكثر تطرفا وراديكالية، سبق للكثير أن حذر منه.