سعوديون يحيون رقصة “التعشير” في الطائف

La rédaction

يستعد رجال وفتية سعوديون لأداء رقصة حربية قديمة مع البارود تُعرف باسم “التعشير الحجازي”، في محافظة الطائف غرب السعودية، سعيا منهم للحفاظ على موروث ثقافي تناقلوه عبر الأجيال.

وكان المحاربون القدامي يمارسون التعشير، كنوع من بث الثقة والحماسة قبل خوض المعركة، وبث الرعب في قلوب الأعداء، أما عن تأديتها بعد الانتصار في المعركة، فكانت تعتبر إعلانا وزهوا بالانتصار، وتعد من أهم هذه الفنون التي تنثر عبق الماضي، رغم مظاهر التقدم الواضح والحياة العصرية المنتشرة في أرجاء المملكة.

وهي رقصة تشبه العرض العسكري من حيث الترتيب والاحترافية والمهارة العالية وطريقة الأداء، حيث يمشي فيها العارض بطريقة معينة وبخطوات مرتبة واستعراضية تتناسق فيها الأدوار والمهام، وتؤدى من شخص أو شخصين أو أكثر في وقت واحد، يداعب فيها العارض سلاحه الذي يكون محشوا بالبارود، ليتحول إلى لهب تحت قدميه بعد ضغطه على الزناد يعانق بعدها العارض السماء.

ويأخذ كل مشارك في أداء الرقصة سلاحه الناري  يُعرف باسم “المقمع” من شاحنة قريبة، لحشوه بحذر بالبارود قبل أن يتقدم إلى وسط الساحة لإظهار مهاراته الاستعراضية، ويطلق النار إلى الأسفل عندما يقفز.

وهنا تكمن خطورة هذه الرقصة، ولذلك وجب على العارض أن يتمتع بقدر كبير من اللياقة والمرونة، وأن يكون متمرسا في هذه الرقصة، لتجنب الإصابة من البارود. وتطلب الرقصة أن يكون جسم العارض رشيقاً ويتمتع باللياقة.

أثناء الرقص والوثب في الفضاء ينبغي على العارض ألا ينحني من جسمه سوى حركات الركبتين وأسفل الجذع

يقول رئيس فرقة التعشير إبراهيم السفياني “إن التعشير يحتاج إلى مهارة ولياقة ورشاقة وتدريب، حيث يقوم العارض بإطلاق الطلقات النارية عبر بندقيته المقمع، وأثناء الوثب في الفضاء ينبغي على العارض ألا ينحني من جسمه سوى حركات الركبتين وأسفل الجذع أثناء القفزة، ثم يوجه فوهة بندقيته باتجاه الأرض بكلتا يديه، وبسرعة خاطفة يقوم بالضغط على الزناد”.

وعن طريقة تجهيز السلاح، يقول الضالعون في هذه الرقصة، “نبدأ بتحضير البارود وتعبئته في المقمع من فوهتها من الأمام بمقدار معين، ثم ندك هذا البارود بـ”‘المشحان أو الدكاك’، وهو سلك يدك به البارود داخل السبطانة، ثم توضع قطعة نحاسية محشوة بمادة تظهر شرارة النار عند ضغط الزناد، وتسمى بالزرد، تعمل على إشعال البارود وإطلاقه”، والبارود المستخدم في رقصة وعرضة التعشير، هو ذخيرة غير حية تصنع محلياً وتتكون من أشجار العُشر والأراك والملح يتم خلطها ببعضها البعض وحرقها حتى تصبح جاهزة للمعشر أثناء تأديته.

ويقف العشرات من المتفرجين بينهم نساء وأطفال بالقرب من الساحة في مقهى “بن سلمان” في منطقة الهدا في الطائف، بينما يجلس البعض في خيم في المقهى لمشاهدة الاستعراض. وقد حمل بعضهم هواتف نقالة لتصوير الرقص.

ويقول السفياني، “هناك طرق متعددة للتعشير الحجازي، منها ما هو سهل يمكن للجميع استخدامه، ومنها ما هو صعب يتطلب احترافية وممارسة عالية للمعشر، ومن أشهر تلك الحركات حركة الجنب لليمين أو اليسار، وحركة الكفت وهي بإنزال البندق من أسفل الأقدام، وحركة الخلف وهي حركة صعبة لا يؤديها إلا المحترفون.”

ويتم حاليا أداء هذه الرقصة الفلكلورية في الأعراس والمهرجانات التراثية وغيرها من المناسبات.

وتصدح أصوات الموسيقى الشعبية بينما يؤدي الراقصون بشكل فردي الرقصة وهم يرتدون الزي السعودي التقليدي مع الغترة (الشماغ)، بينما يحمل العارض سلاحه بيده قبل أن يقفز ثم يضغط على الزناد لإطلاق النار.

Thumbnail

وتنتشر في السعودية العديد من الرقصات الشعبية القتالية أو الحربية، كالعرضة في أواسط البلاد، والرديح الينبعاوي، نسبة إلى منطقة “ينبع”، إلا أن رقصة التعشير فإنها تعد من الرقصات التي تستعرض شجاعة القبيلة في غربي وجنوبي البلاد أكثر، واستعدادها الدائم للدفاع عن الأرض والعرض والمال، ولكنها تتطلب أن يكون جسم العارض رشيقاً ويتمتع باللياقة.

وعن الأهازيج المصاحبة، قال السفياني، “يصاحب فن التعشير أهازيج أبرزها لون شعبي مشهور في الحجاز يعرف بـ’بالرجز’ أو ما يسمى بـ’الردح’ في بعض المناطق والمحافظات، يتغنى من خلاله الشاعر بكلمات تدعو إلى الفخر والاعتزاز، فيما يدخل المعشرون إلى الساحة بالتناوب وبطريقة معينة.”

ويوضح سلمان الطويرقي الذي يملك المقهى، أن “رقصة التعشير هي موروث شعبي خاص بأهل الطائف وهي من الأساسيات في جميع المناسبات”.

ويوضح الطويرقي أن الرقصة التي كانت في السابق “تُعتبر رقصة حرب”، تتم تأديتها لإثارة الحماس لدى المقاتلين وانتقلت من جيل إلى جيل.

ويشرح، “وجدت منذ القدم ونحن الحمد الله. لا نزال محافظين ومستمرين حتى لا يندثر هذا الموروث الشعبي بحول الله”.

ويشارك فتية أيضا في الرقص، ولكن يوضح الطويرقي أن “تدريب الأطفال يكون في العادة بالسلاح نفسه لكن من دون أي ذخيرة حية، يتم تدريبهم بشكل تدريجي”.

ويضيف، “هذا موروث شعبي.. نحاول تعليم الأطفال هذه الرقصة من أجل أن يقوموا في المستقبل بتدريب أطفالهم”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: