الصحراء المغربية تزيد من جرعة التوتر بين الجزائر وفرنسا

La rédaction

تشير الدلائل التي طفت على سطح الأحداث خلال الآونة الأخيرة بين الجزائر وفرنسا في علاقة بموقف حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الصحراء المغربية إلى أن احتمال تحسن العلاقات تبخر على الأرجح، وأن التقارب سيكون أمرا معلقا لاسيما وأن مراقبين يرون أن باريس تريد التعامل مع الجزائريين وفق ما تمليه حقائق الواقع.

 لم يكن إرجاء رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس زيارة كانت مقررة الأسبوع الماضي إلى الجزائر إلا رأس جبل التوتر الظاهر بين البلدين، فرحلة التقارب يبدو أنها لم تخرج حتى الآن من نقطة الصفر أصلا ومن غير المستبعد أن تنفجر فقاعاتها في أي لحظة ليبقى الوضع على ما هو عليه، وربما قد يبلغ مستوى من الجفاء أكثر مما هو معلن.

وبغض النظر عما يراه المراقبون من أن إعادة الدفء إلى العلاقات، التي بدأها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري عبدالمجيد تبون قبل أشهر وترجمت في سلسلة بوادر حول “الذاكرة” اتخذتها القوّة الاستعمارية السابقة، قد لا تحظى بالضرورة بإجماع في الجزائر فإنه ثمة عوامل جوهرية طفت على السطح قد تنسف أي محاولة لرأب الصدع بين البلدين.

حسني عبيدي: فتح حزب ماكرون لمكتب له في مدينة الداخلة أفسد التقارب

وعلى الرغم من أن السلطات الرسمية الجزائرية لم تكشف عن دواعي إلغاء الزيارة، لكن في الكواليس تحدثت مصادر مختلفة عن انزعاج الجزائر من تقليص عدد الوفد الفرنسي إلى أربعة وزراء ثم وزيرين، مقابل نحو عشرة في العادة لمثل هذا النوع من الزيارات. ومع ذلك يبدو هذا الأمر مجرد تبرير بروتوكولي شكلي.

ويركز الباحثون والمحللون على معطى جديد جاء في علاقة بالصحراء المغربية ليزيد من جرعة التوتر القائمة بين الجزائر وفرنسا، وهو ما أكدته أوساط سياسية جزائرية قبل أيام من خلال منصات إعلامية محلية بأن هناك اتجاهات داخل السلطة الجزائرية غير متحمسة لأي تقارب لعدم ثقتها في سياسات باريس تجاه بلدها.

وكان حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” قد أعلن الخميس الماضي عن إنشاء لجنة دعم في مدينة الداخلة في الصحراء المغربية، التي يقع القسم الأكبر من أراضيها تحت سيطرة المغرب، وهو ما تعتبره الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو الانفصالية خطّا أحمر، ورأت في الخطوة تمهيدا للاعتراف بمغربية الصحراء.

ويبدو أن باريس تجاوزت خطا أحمر آخر بالنسبة إلى الجزائريين، فقد ذكرت وسائل إعلام جزائرية في نفس ذلك اليوم أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان شدد خلال حديث مع نظيره المغربي ناصر بوريطة على “دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربية كأساس جاد وذي مصداقية” لتسوية النزاع.

ومنذ إعلان إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء وكافة الأقاليم الجنوبية تزايدت التكهنات بشأن فرضية سير دول الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا وألمانيا في نفس النهج الذي اختارته واشنطن.

واعتبر مدير مركز الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، حسني عبيدي، في سلسلة تغريدات أن فتح حزب ماكرون مكتبا له في مدينة الداخلة دفع الجزائر إلى طلب إلغاء اجتماع اللجنة المشتركة بين البلدين والذي كان مقررا خلال زيارة كاستكس، إذ كانت ستتصدره مسألة مكافحة الإرهاب في المنطقة.

وتشكلت لجنة العمليات المشتركة التي تضم الجزائر والنيجر ومالي وموريتانيا في أبريل 2010 بهدف محاربة الإرهاب ومواجهة الخطر المتزايد لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية. ورغم محاولات باريس لاستمالة الجزائر إلى مجموعة الخمس ضمن إطار قوة برخان إلا أن الجزائريين ليس لديهم نية في ذلك.

Thumbnail

ويعتقد عبيدي أن الحدث الثاني الذي أفسد التقارب الفرنسي الجزائري هو إعلان البوليساريو مقتل القائد العسكري للجبهة الداه البندير الثلاثاء الماضي في ضربة غير مسبوقة نفذتها طائرة مسيّرة مغربية، مما زاد استياء الجزائر في ظل دعم باريس لمقترح المغرب منح الصحراء المغربية حكما ذاتيا ضمن سيادته.

ومن المؤشرات الجدية الأخرى على استمرار تقلّب مناخ العلاقات بين الجزائريين والفرنسيين وارتكازه على العاطفة بعد ما يقرب من أكثر من ستة عقود على انتهاء حرب الاستقلال، ما صرح به وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب تزامنا مع إعلان إلغاء زيارة كاستكس حينما قال إن فرنسا “عدوتنا التقليدية والدائمة”.

ويرى خبراء في شؤون المنطقة أن القادة الجزائريين الذين تلقى الكثير منهم تدريبهم وفق المدرسة السوفييتية لا يعترفون سوى بـ”ميزان القوى” اليوم وهم يقومون عبر هذا المنحى بتطبيق استراتيجية التوتر لدفع الفرنسيين إلى الأقصى وجعلهم يتنازلون لاسيما في ما يتعلق باشتراطهم تقديم الاعتذار عن الاستعمار أولا.

وتبدو هذه القاعدة الرئيسية قبل البدء في تفكيك كل الألغام العالقة في طريق عقد مصالحة تاريخية يكون فيها الطرفان قد حققا أهدافهما دون المساس بمصالح أحدهما تجاه الآخر لأن الوضع قد لا يحتمل الدخول في علاقة غامضة من شأنها أن تعقد مسار أي تسوية محتملة مستقبلا.

ومع ذلك يرى الصحافي الجزائري محمد مسلم أن العلاقات الجزائرية – الفرنسية دخلت حالة من البراغماتية شعارها التعاون على المسائل المتفق عليها، وترك الملفات المختلف فيها. ورجح في تصريح لوكالة الأناضول أن تستمر الخلافات بين البلدين، وأن فرنسا ستكون المتضرر الأكبر لأنها ستخسر امتيازاتها في الجزائر وسيتم تحجيم حضورها.

ويصف البعض من المتابعين سياسات الجزائر الحالية تجاه فرنسا بأنها محاولة لـ”تقليم أظافر” فرنسا بعد تغولها في عهد النظام السابق عبدالعزيز بوتفليقة بالبلاد خاصة من الناحية التجارية والاستثمارية والاقتصادية. لكن ليس من المؤكد أن تنجح هذه الطريقة في كل الأحوال كونها مرتبطة أساسا بالمزاج الإقليمي والدولي المتغير كما أنها تحتاج إلى أرضية صلبة لتجاوز كل العراقيل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: