المُسيرات نقطة تحول في تعامل المغرب مع البوليساريو

Belbazi

تثبت العملية التي نفذتها القوات المغربية بطائرات مسيرة واستهدفت أحد أبرز قياديي جبهة البوليساريو رغم أن الرباط لم تؤكدها حتى الآن بشكل رسمي، أنها ستكون نقطة تحول مفصلية في النزاع على الصحراء المغربية، لاسيما وأن المخابرات المغربية لديها كم هائل من المعلومات التي تدين تعاون الانفصاليين مع جهات تسعى إلى تقويض استقرار المنطقة بأسرها وليس المغرب فحسب.

يعتبر خبراء عسكريون ومراقبون سياسيون أن إعلان جبهة البوليساريو الانفصالية مؤخرا عن توجيه القوات الملكية المغربية ضربة بطائرة مسيّرة قتلت أحد كبار قادتها العسكريين سيكون، إذا تأكد، منعطفا جديدا في النزاع الممتد منذ عقود في الصحراء المغربية.

وكانت وكالة الأنباء الصحراوية الناطقة باسم البوليساريو قد نقلت الأسبوع الماضي عن الجناح العسكري للجبهة المدعومة من الجزائر قوله في بيان إن قائد سلاح الدرك الوطني الداه البندير قتل أين كان في مهمة عسكرية بمنطقة روس إيرني بالتفاريتي، المنطقة الواقعة في شمال الصحراء المغربية.

ولم يوضح البيان ملابسات مقتل البندير الذي ولد في منطقة تيرس في العام 1956 والتحق بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) سنة 1978. وما لبثت أن حذفت الوكالة البيان من موقعها مساء الأربعاء الماضي من دون أي تفسير.

لكنّ قياديا عسكريا في البوليساريو أكّد لوكالة الصحافة الفرنسية طالباً عدم نشر اسمه الرواية. وقال إن البندير “شارك لتوّه في هجوم بمنطقة بير حلو ضدّ الجدار” الرملي الذي يمتدّ بطول يزيد عن ألف كيلومتر في الصحراء المغربية.

تحول جديد

محمد شيكر: حجم العمليّة التي نُفذت غير مسبوق منذ وقف إطلاق النار في 1991

هذه هي المرة الأولى على ما يبدو التي ينفّذ فيها الجيش المغربي ضربة قاتلة بواسطة طائرة بدون طيار في الصراع الذي يخوضه منذ عقود ضدّ جبهة البوليساريو، حيث لم يسبق له أن أعلن رسمياً امتلاكه طائرات مسيّرة.

ويقدّر الباحث السياسي المغربي محمد شيكر المختص في شؤون القوات المسلحة المغربية أنه رغم “صعوبة إثبات” استعمال طائرة مسيّرة من قبل القوات المغربية، إلاّ أنه يرى أن حجم العمليّة التي نُفذت الأربعاء الماضي “غير مسبوق منذ وقف إطلاق النار” المبرم عام 1991 برعاية الأمم المتحدة.

وفي غياب معلومات من السلطات المغربية لا تزال ملابسات الهجوم وموقعه وأسلوبه غير واضحة. ومع ذلك يوجد أمر واحد مؤكد هو مقتل قائد سلاح الدرك الوطني في جبهة بوليساريو خلال عملية للقوات المسلحة المغربية إثر توغّل لقوات الجبهة.

لكن الكثير من المتابعين يثيرون العديد من التساؤلات حول هذه المسألة، حيث لا يزالون يجهلون طريقة ومكان مقتل البندير وهل حصل ذلك في الصحراء المغربية أم جنوب المغرب؟ وهل تم استهدافه بضربة لطائرة مسيّرة أم بطريقة أخرى؟

في خضم هذا السيل من التساؤلات اعتبر موقع “لوديسك” الإعلامي المغربي أن اللجوء إلى الطائرات المسيّرة “يعني أن المغرب بدأ ضربات موجّهة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل في منطق انتقامي لمحاولات توغل بوليساريو”.

وتحدّث الموقع الإلكتروني المغربي عن “عمليّة مركّبة بواسطة طائرة مسيّرة غير مسلحة من طراز هارفانغ إسرائيلية التصميم” حدّدت الهدف بواسطة “محدّد مدى ليزري” ثم تولت طائرة مقاتلة “تنفيذ الضربة”.

وفي ظل غياب تعليق رسمي من المؤسسة العسكرية المغربية، أشار منتدى “فار ماروك”، وهي صفحة غير رسمية للقوات المسلّحة المغربية على موقع فيسبوك إلى أنّه “بعد عملية استخبارتية وعسكرية دقيقة قامت القوات المسلّحة الملكية برصد وتتبّع تحرّكات مشبوهة داخل المناطق العازلة لقياديين من البوليساريو، من بينهم زعيم التنظيم الإرهابي ومجموعة من كبار معاونيه”.

وأضافت الصفحة التي غالباً ما تتّسم معلوماتها بالدقّة إنّه تمّ “استهداف التحرّك ما أسفر عن مقتل عدّة عناصر قيادية، من ضمنهم قائد ما يسمّى بالدرك في التنظيم الإرهابي ونجاة المدعو إبراهيم غالي” الأمين العام لجبهة بوليساريو.

في المقابل لم تجد الأبواق الإعلامية للجزائر التي تدعم البوليساريو سوى التنديد بهذه العملية من بينها موقع “ألجيري باتريوتيك” (الجزائر الوطنيّة) الذي ذكر في تقرير نقلا عن معلومات لجبهة بوليساريو استعمال “طائرات مسيّرة قاتلة” و”المساعدة التقنية” الإسرائيلية.

ولكن الخبير العسكري المغربي عبدالحميد حريفي اعتبر أن تلك الإدانات ليس لها أساس من الواقع لأن “المغرب لا يملك رسميا طائرات مسيّرة مسلّحة” لكنه “يحوز مجموعة من الطائرات المسيّرة غير المسلحة تحوي أحدث تكنولوجيا”. وقال “في المنطقة المغرب رائد في استعمال الطائرات المسيّرة لجمع المعلومات وتحديد الأهداف”.

ولذلك يعتبر حريفي أنه “من الممكن أن يكون الجيش قد استعمل طائرة مسيّرة مماثلة لرصد التحركات المشبوهة في المنطقة العازلة” الأربعاء الماضي.

رد غير تقليدي

القوة الضاربة لسلاح الجو المغربي

تظهر معلومات تناقلها الإعلام المغربي تسلم الرباط ثلاث طائرات مسيّرة من طراز هارفانغ نهاية العام الماضي، إضافة إلى تقديم طلبيات للحصول على طائرات مسيّرة إسرائيلية من طراز بلوبيرد وأخرى أميركية من طراز أم.كيو 9 بي سكاي غارديان يبدو أنها لم تُسلّم حتى الآن.

وتزامنت تلك المعلومات مع إعلان إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على المستعمرة الإسبانية السابقة وتطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل.

وبغض النظر عن ذلك يشدد محمد شيكر على أنه بوجود طائرات مسيّرة أو من دونها، فإن المغرب “يسيطر عسكريا على جميع مناطق الصحراء ولديه ترسانة أسلحة قادرة على ضرب أي تحرك لجبهة بوليساريو”.

وعمليا عزّز المغرب قدراته العسكرية طيلة العامين الأخيرين ليتقدم من المرتبة الستين إلى الـ53 عالميا في تصنيف “غلوبال فاير باور” للجيوش.

وأشارت مجلة “جون أفريك” نهاية العام الماضي إلى أن الانفصاليين الصحراويين “مزودون بسلاح لم يتغير إلا قليلا منذ ثمانينات القرن الماضي ويعتمدون كليا في تجديده على راعيهم الجزائري”.

عبدالحميد حريفي: المغرب لطالما وظف المسيّرات لجمع المعلومات وتحديد الأهداف

ووفق “فار ماروك” ردّت القوات المسلحة المغربية على “تحركات مشبوهة لقادة بوليساريو داخل المناطق العازلة” ما أدى إلى “عدّة وفيات” بينها مقتل قائد “سلاح الدرك الوطني” لجبهة بوليساريو إثر عمليّة عسكرية خلف الجدار الرمليّ الذي أنشأه المغرب.

وأشارت عدة وسائل إعلام إلى أن هجوم بوليساريو والردّ المغربي حدثا في بلدة تويزكي الواقعة جنوب المغرب قرب الحدود مع الجزائر. وقال موقع “لو 360” المغربي شبه الرسمي إن “ذلك يعني أن الجزائر تسمح لجنود بوليساريو بدخول المغرب من الأراضي الجزائرية”.

وكان الجيش المغربي قد أقام مؤخرا جداره الرمليّ في تلك المنطقة التي أعلنت بوليساريو أنها قتلت فيها ثلاثة عسكريين مغاربة خلال هجوم في الثامن من فبراير الماضي لم تؤكده الرباط.

وبعد نحو ثلاثة عقود من وقف إطلاق النار تجددت الأعمال العدائية بين بوليساريو والمغرب منتصف نوفمبر الماضي بعد نشر قوات مغربية في أقصى جنوب الصحراء المغربية لتفريق نشطاء انفصاليين أغلقوا الطريق الوحيد الرابط مع غرب أفريقيا بزعم أنه غير قانوني.

ومذاك تعلن البوليساريو يوميا شنّ هجمات على طول الجدار الرمليّ الفاصل بين الأراضي الواقعة تحت سيطرتها والمناطق التي يسيطر عليها المغرب. وتطالب الجبهة بتنظيم استفتاء تقرير مصير قررته الأمم المتحدة عام 1991، في حين يقترح المغرب منح المنطقة الصحراوية الشاسعة التي يسيطر على 80 في المئة منها حكما ذاتيا ضمن سيادته.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: